أثار قرار رفع سعر وقود السيارات في سوريا استياء بالغاً لدى الشارعين الشعبي والتجاري على حد سواء، وسط تردٍ معيشي يزداد سوءاً، إذ صدم القرار الصادر عن وزارة التجارة الداخلية الناس المنهكين من تداعيات الحرب القاسية على حياتهم بمضاعفة ثمن البنزين بنسبة تخطت 100 في المئة للمرة الثالثة خلال العام الحالي.
وارتفع سعر البنزين المدعوم من الدولة (أوكتان 90) ليصبح 2500 ليرة (نصف دولار) بعد أن كان 1100 ليرة (ربع دورلار)، مع ارتفاع أنواع أخرى مثل البنزين (أوكتان 95) ليصبح أربعة آلاف ليرة (دولار واحد).
تخفيف الخسائر
ولم يستفق السوريون بعد من هول القرار الصادم، الذي صدر ليلة السبت السابع من أغسطس (آب)، حتى تفاقم الذهول حينما طالعوا تبريرات حكومية صدرت في صبيحة اليوم التالي تعزو هذا الرفع لمصلحة تأمين المادة وسد العجز، في الوقت الذي عادت أسعار المحروقات والوقود عالمياً نحو الانخفاض بصورة تدريجية، بعد ارتفاع صاحب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) الماضي.
وبحسب تقييم موقع "غلوبال بترول برايسيس"، فإن متوسط سعر البنزين عالمياً وصل 1.41 دولار للتر الواحد (أوكتان 95)، وأرجع الموقع "تراجع أسعار البنزين بين الدول إلى الضرائب المطبقة داخل كل دولة، أو الإعانات المختلفة والمقدمة لدعم الوقود محلياً، أو التغير الدائم في أسعار صرف العملات أمام الدولار الأميركي".
وبررت الحكومة القرار بالخسائر الكبيرة التي لحقت بالقطاع النفطي، إذ ما زالت تدعم المشتقات النفطية كالغاز والبنزين والمازوت المنزلي والصناعي، وأعلن وزير التجارة الداخلية عمرو سالم أن "زيادة البنزين خففت خسائر المشتقات النفطية بنسبة 20 في المئة، من دون أن تحقق أرباحاً".
وفي ترجمة فورية لزيادة سعر الوقود، صعدت أسعار المنتجات والبضائع المحلية مع تراجع دور لجان حماية المستهلك التابعة لوزارة التجارة الداخلية، وصاحب ذلك انخفاض العملة السورية أمام الدولار، إذ يتأرجح سعر العملة الأميركية في السوق الموازية غير الرسمية بين 4200 و4300 ليرة، ما خلق حالاً من التخبط في الأسعار زادت معها نسب التضخم.
التضخم بازدياد
يعتقد المتخصص في الشأن المصرفي مراد نعمة، أن قرار زيادة أسعار الوقود سينتج منه ضعف حاد في القدرة الشرائية للمواطنين. وحذر من إصرار الفريق الحكومي الاقتصادي على اتباع الخطط التقليدية نفسها في سد العجز في القطاع النفطي، لافتاً إلى ضرورة التفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول لا تؤثر في المواطنين المثقلين بالأعباء.
ويضيف نعمة أن هناك مخاوف من انهيار العملة بعد تحضير الدولة لبيع سندات الخزانة العامة في قادم الأيام، بالتوازي مع نيتها طباعة عملة ورقية جديدة ذات فئة 10 آلاف ليرة، علاوة على انخفاض حركة التصدير بشكل لافت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى أن وصول نسبة التضخم إلى 162 في المئة تسبب في تدني مستوى المعيشة بشكل غير مسبوق، وزاد الأمر فداحة هبوط حجم الحوالات المرسلة للسوريين بالخارج إلى عائلاتهم، بعد الأزمة الاقتصادية التي خلقتها الحرب الروسية الأخيرة.
من جهته، خفف رئيس "هيئة الأوراق المالية" عابد فضيلة من تأثير طرح الفئة النقدية الجديدة في التضخم. في حين تزداد المخاوف من انكماش الاقتصاد المحلي بشدة، حيث يتوقع المرصد الاقتصادي السوري "وصول الانكماش إلى نسبة 2.6 عام 2022، بنحو يصل إلى 15.5 مليار دولار".
حروب اقتصادية متعددة
مع كل هذا المشهد الضبابي والصورة السوداوية للواقع الاقتصادي، لا تبدو في الأفق أي حلول ناجعة على طاولة عرابي الاقتصاد وسط مطالبة المستثمرين بتوفير مناخ استثماري مناسب ومحفز، والقضاء على المعابر غير الشرعية والتهرب الجمركي، إضافة إلى تقديم قروض ميسرة للمنشآت المتضررة من الحرب، والاهتمام بالإنتاج الصناعي والزراعي، وجذب الرساميل الأجنبية.
بالمقابل، يرى وزير الاقتصاد السوري محمد سامر خليل أن هناك كثيراً من المحفزات عبر قانون الاستثمار الجديد رقم (18)، واصفاً إياه، على هامش افتتاح ملتقى الاستثمار بمدينة حلب قبل أيام الذي أطلق فيه 25 فرصة استثمارية، بـ"أحد القوانين العصرية"، وتوقع أن يمنح في فترة وجيزة كثيراً من المنافع والفرص الاستثمارية.
وأدى الصراع المسلح الذي تخوضه البلاد منذ عام 2011 حتى اليوم إلى خروج جزء واسع من الآبار وحقول النفط والغاز من قبضة يد دمشق، وباتت الفصائل الكردية وقوات "سوريا الديمقراطية" تسيطر على منطقة الجزيرة والفرات وشرق البلاد، وفيها قرابة 90 في المئة من حقول النفط و45 في المئة من إنتاج الغاز.
اكتشافات وخسارات
مع كل هذه التحديات التي تسود المشهد الاقتصادي، يلمع في الأفق بريق أمل باكتشافات نفطية جديدة في ريف دمشق، نهاية يوليو (تموز) الماضي، مع الكشف أيضاً عن حقل غاز في ريف تدمر بوسط سوريا، لعلها تسد حاجة البلاد المتزايدة للوقود والمحروقات ومواد الطاقة، التي تبلغ 100 ألف برميل من النفط الخام يومياً يتوفر منها 24 ألفاً فقط، بينما تعمد الحكومة لتغطية ما تبقى عبر الاستيراد بواسطة ناقلات النفط الإيرانية أو الروسية، وسط تحدي الحصار والعقوبات الغربية على دمشق.
وسجل قطاع النفط خسائر تخطت 100 مليار دولار منذ بداية الحرب السورية وحتى نهاية عام 2021، في حين تشير البيانات الرسمية إلى إنتاج 31.4 مليون برميل من النفط، و4.5 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي.