وصلت السنة الدراسية إلى نهايتها ويفترض أن يكون الأطفال في مختلف أنحاء المملكة المتحدة قد تلقوا هذا الأسبوع تقاريرهم المدرسية، لكن دعونا لا نأخذ مضمون هذه التقارير على محمل الجد، فقط انظروا إلى نتائج "رولد دال" [روائي بريطاني وكاتب قصة قصيرة وشاعر سجلت كتبه مبيعات تخطت 250 مليون نسخة حول العالم]، الذي شبهه أحد المعلمين بالجَمل لاعتباره شخصاً أمياً. كذلك قيل لأينشتاين الذي ترك صفوف المدرسة قبل الحصول على شهاداته، إنه "لن يكون نافعاً [في المجتمع]"، أما المغني جون لينون فكان في "طريقه إلى الفشل"، كما قال له أحد أساتذته، ولم ينج مغني الراب والمنتج الراحل (كريستوفر والاس) الملقب بـ "نوتوريوس بي آي جي" Notorious B.I.G من تلك النعوت أيضاً حين قال له أحدهم إن مصيره سيفضي به إلى أن يصبح عامل جمع نفايات، وأمام هذه الأمثلة يبدو من الواضح أن المعلمين يخطئون أحياناً.
لكن هذه تعد مشكلة كبيرة لأن المعلمين يضطلعون بدور أساس في تنمية الثقة بالنفس لدى المراهقين، إذ يمكن أن يكونوا مصدراً كبيراً للدعم والتشجيع والإلهام بالنسبة إلى الأطفال عندما يفتقرون إلى هذه الثقة أو يشعرون بعدم الأمان داخل أسرهم أو الفوضى في منازلهم.
في المقابل يمكن للمدرسين أن يكونوا أكثر النقاد تدميراً لشخصية الفرد إلى درجة أن تردد صدى كلماتهم السلبية قد لا يفارق أذهاننا عندما نشعر بـ "الفشل" حتى عندما نتقدم في العمر، وذلك لأن المعلمين يتمتعون بالقدرة على التأثير، إلى حد أن الكلمات التي يتفوهون بها تبقى راسخة في أذهان الأطفال.
هذا الجانب يشكل مصدر قلق خاص بالنسبة إلى الطلاب السود الذين كان تقصيرهم الدراسي يشكل هاجساً لهم ومشكلة تواجه صانعي السياسات لأعوام عدة، فقد كان لفترة طويلة يُطلب من المواهب السوداء في الأوساط المجتمعية الشعبية ألا تذهب بأحلامها بعيداً، ناهيك عن الفضاء أو القمر [عن التفكير في دخول مجال اكتشاف الفضاء].
وبما أنني امرأة سوداء وابنة لوالدين من "جيل ويندراش" Windrush [مجموعات من المهاجرين أتوا من دول أفريقية وكاريبية إلى بريطانيا على متن سفينة تحمل الاسم نفسه وتعرضوا إلى الاحتجاز والحرمان من حقوق أساس وتم ترحيلهم على الرغم من امتلاكهم الحق في المكوث بصورة شرعية في المملكة المتحدة]، وعاملة توظيف كرست قسطاً كبيراً من حياتها المهنية لتحسين ظروف التوظيف للأشخاص الملونين، فإنني أعتبر ذلك من المسائل المهمة بالنسبة إليّ شخصياً [الأثيرة عليّ].
كان أول طموح لدي في مسيرتي المهنية، بغض النظر عن رغبتي في أن أكون مغنية وراقصة، أن أصبح عاملة اجتماعية، وكانت تستهويني للغاية فكرة مساعدة الناس في عيش حياتهم بطريقة مسؤولة وناضجة، وتسليحهم بالأدوات الكفيلة بتحويل يأسهم إلى أمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في المدرسة لم ينل هذا النوع من التفكير الطموح قسطه الوافي من الدعم والتأييد، فعندما كنت في سن الـ 15 قال لي معلمي في الصف إن حلماً من هذا النوع سيكون من الصعب عليّ تحقيقه، وبالتالي عليّ أن أخفض سقف توقعاتي وأن أطمح إلى مهنة تكون أكثر قرباً من الواقع، مثل الحصول على وظيفة مكتبية في أحد المصانع المحلية.
كنت بالطبع مدركة تماماً لحدودي [حدود قدراتي]، فلن أصبح أبداً عالمة رياضيات أو طبيبة أو ممرضة أو عالمة، ولا أريد أن أكون كذلك لكنني لم أتمكن من تجاهل رغبتي في أن أصبح عاملة اجتماعية، عندما علمت بأنني أمتلك جميع الصفات والسمات الأساس اللازمة للقيام بمثل هذه الوظيفة.
من هنا فإن ملاحظات معلمي لم تحبط أحلامي، لا بل على العكس، جعلتني أكثر تصميماً على إثبات أنه مخطئ ولن أسمح على الإطلاق لتلك الكلمات المهينة بتحديد هويتي أو مصيري.
قد لا يمتلك كل طفل طريقة التفكير نفسها، أو الأسرة القادرة على دعمه لتقنعه بخلاف ما يقال له، وهذه تعد مشكلة كبيرة، وربما التحيز اللاواعي في ما يتعلق بقدرات الأطفال من لون معين وفئة معينة، والجهل بالمهارات والمؤهلات اللازمة للانخراط في قطاعات معينة، هما من العوامل التي تفضي إلى توجيه نصائح في غير محلها.
ولعل من المفاجئ أن كاثرين بيربالسينغ المثيرة للجدل، التي تعرف بلقب "قيصر الحراك الاجتماعي" في الحكومة البريطانية، علقت أخيراً بأن طلاب الطبقة العاملة يجب أن يكون هدفهم أقل من الدخول إلى "أوكسبريدج" Oxbridge [أكسفورد وكامبريدج أعرق جامعتين في بريطانيا]، وحجتها الرئيسة هي أن التصورات "للنجاح" يجب أن تذهب إلى ما هو أبعد من حب الاستطلاع لدى ابنة عاملة رعاية، نشأت في أحد المساكن التابعة للمجلس المحلي ودخلت إلى إحدى جامعتي "أوكسبريدج" لتتأهل وتصبح محامية.
وعلى الرغم من أن مناقشة مقاييس النجاح التي يمكن بلوغها والاحتفاء بها هي أمر واجب، فإن إحباط آمال طلاب الطبقة العاملة أو ثنيهم عن وضع جامعتي "أوكسبريدج" هدفاً لتطلعاتهم ونصب أعينهم، هو عمل مشين ومهين، سواء كان مقصوداً أم لا، كما ينم عن غطرسة طبقية.
إن الخطر هنا حقيقي: الحد من الطموحات يعني ألا يتمكن الفرد من استخدام إمكاناته بشكل كامل ما يحول دون إطلاقه العنان لقدراته، وقد نكون في حاجة ماسة إلى مزيد من القدوات [الشخصيات البارزة التي يحتذى عليها] والمؤسسات الداعمة لمجتمع السود، إذا أردنا أن نظهر للطلاب أنه يمكن كسر الحواجز التي تحول دون تحقيق أحلامهم.
قد يكون هذا السبب بالذات هو الدافع لقيامي بإطلاق "جوائز المواهب السوداء" Black Talent Awards، التي ستجرى فعالياتها في الـ 29 من سبتمبر (أيلول) المقبل، والمبادرة حظيت بدعم قيّم من علامات تجارية مثل "ميرلين إنترتينمنتس" Merlin Entertainments (شركة بارزة في مجال الترفيه العائلي)، و"سيركو" Serco (شركة مقاولات تقدم خدمات مختلفة للحكومة البريطانية في مجالات الصحة والنقل والعدالة والهجرة)، وشركة "إي دي أف" EDF (تزود المنازل في المملكة المتحدة بالغاز والكهرباء). وستوفر الجائزة منصة حيوية ليس لدعم المواهب السوداء وحسب، بل أيضاً لترشيح مؤسسات بارزة يمكن أن تظهر مساءلة واضحة عن نجاح جهود التنوع لديها والإنصاف والدمج، التي تعرف اختصاراً بـdiversity, equity and inclusion (DE&I).
أذكر أنني شاركت في أحد المؤتمرات حيث أظهرت فيه كل منظمة سبق أن قدمت "تعهدها"، نجاحاً أفضل في الوفاء بمعظم أهداف الشمولية والإدماج، باستثناء تلك المتعلقة بالعرق، لذا يتعين العمل على تنسيق الجهود وتضافرها لتحديد العوامل التي تشكل عائقاً أمام الأشخاص الملونين في تقديم طلبات الوظائف وتعزيز مهاراتهم وإحراز التقدم في مسيرتهم المهنية، إذا أردنا صياغة حل فاعل لحل هذه المشكلة الحقيقية والمدمرة.
دينيس مايرز هي الرئيس التنفيذي لشركة التوظيف "إيفن فيلدز" Evenfields، ومؤسسة الحفل الافتتاحي لتوزيع "جوائز المواهب السوداء" Black Talent Awards، الذي يهدف إلى تمكين الأفراد الذين يمثلون قدوة مهنية يحتذى بها والتصدي للتمييز في مجال التوظيف.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 22 يوليو 2022
© The Independent