أشرف بان كي مون خلال فترة توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة، على كثير من استجابات المنظمة الدولية لكوارث عالمية ضخمة، منها الزلزال المدمر في هايتي الذي خلف في عام 2010 عشرات الآلاف من القتلى، والفيضانات الشديدة في باكستان التي تسببت في نزوح نحو 6 ملايين شخص.
وقد مهدت الكوارث السابقة الطريق لتلك التي تحدث في الوقت الراهن، نتيجة تفاقم أزمة المناخ- بما فيها تلك التي تضرب مرة أخرى باكستان، حيث أدت رياح موسمية عاتية إلى إغراق البلاد بالمياه.
بان الذي تحدث حصرياً مع "اندبندنت" في مقابلة شملت طيفاً واسعاً من المواضيع المختلفة، سواء في ما يتعلق بـ"القمة الـ27 للتغير المناخي" (كوب 27) Cop27، أو الغزو الروسي لأوكرانيا، أو العلاقات الأميركية- الصينية، أشار إلى أن تعاقب هذه المآسي يعيد إلى ذهنه الحديث الذي جرى أخيراً بينه وبين البابا فرانسيس.
وقال في لقاء أجري معه، الثلاثاء الماضي، عبر تطبيق "زوم"، من "مركز بان كي مون للمواطنين العالميين" Ban Ki-Moon Centre for Global Citizens الكائن في فيينا عاصمة النمسا، الذي استضاف طاولة مستديرة تناولت موضوع التكيف مع المناخ: "شهدنا في الفترة الأخيرة كوارث طبيعية غير عادية وغير معهودة، بالتالي يتعين علينا أن نصغي لتحذيرات الطبيعة".
وأضاف، "لقد ساعد (البابا فرانسيس) كثيراً منظمة الأمم المتحدة في جهودها المتعلقة (بمواجهة تغير المناخ)، وذهب إلى حد إصدار رسالة عامة لأتباع الكنيسة الكاثوليكية، يحضهم فيها على العمل من أجل انتهاج سياسات صديقة للبيئة. وقال إن الله دوماً غفور، وقد يكون البشر قادرين على المغفرة أحياناً، لكن الطبيعة لا تغفر أبداً".
وكان بان كي مون وزيراً للخارجية في كوريا الجنوبية، عندما تم اختياره لقيادة منظمة الأمم المتحدة في عام 2007. وأعطى منذ بداية توليه مهام منصبه الأولوية لمسألة تغير المناخ، باعتباره "التحدي الأكبر الذي تواجهه البشرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان حضور بان قوياً في قمم المناخ من منطلق ترؤسه المنظمة الدولية، وساعدت سمعته كـ"باني الجسور" في رعاية "اتفاقية باريس لعام 2015" 2015 Paris Agreement المتعلقة بالحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتفادي أسوأ أشكال الانهيارات المناخية.
وأكد بان أنه بعد تركه منصبه أميناً عاماً للأمم المتحدة في عام 2016، واصل تعزيز العمل الطموح لحماية المناخ العالمي، وهو يكثف جهوده خلال فترة العد التنازلي لـ"قمة المناخ الدولية الـ27" التي ستعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) في مدينة شرم الشيخ بمصر.
وقال في هذا الإطار: "بصفتي أميناً عاماً سابقاً للمنظمة الدولية، عملت بجد والتقيت قادة العالم، وسافرت وأكدت أهمية العمل الجماعي لمعالجة قضايا تغير المناخ، إن هذا التغير بات يحدث بوتيرة أسرع بكثير من ذي قبل، وشاهدنا ظواهر طبيعية غير عادية وغير متوقعة على الإطلاق، كحرائق الغابات على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط ومناطق حوض البحر الأبيض المتوسط".
تجدر الإشارة إلى أن المشهد الجيوسياسي طرأت عليه هو الآخر تغيرات كبيرة في الأشهر التي تلت "القمة الـ26 لتغير المناخ" COP26 التي عقدت أخيراً في غلاسكو في اسكتلندا.
وتسببت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في زعزعة أنظمة الطاقة وتهديد سلسلة الغذاء العالمية، ما جعل الدول الغنية ترزح تحت وطأة الاضطرابات، وبعض الدول الفقيرة تتأرجح على حافة المجاعة.
في المقابل، أسهم تقليص واردات الغاز الروسي إلى أوروبا، إلى حد بعيد، في تعريض الأهداف المناخية وتلك المتعلقة بالطاقة النظيفة، للخطر. ونبه علماء المناخ و"وكالة الطاقة الدولية" International Energy Agency صاحبة النفوذ الكبير مراراً عدة، إلى ضرورة العمل بسرعة على تقليل استخدام الوقود الأحفوري، خلال هذا العقد من الزمن، للحفاظ على عتبة احترار في حدود درجة ونصف مئوية- فيما حذروا من المخاطر الكارثية لإنشاء أي مشاريع رئيسة جديدة في قطاع النفط والغاز.
ويرى الأمين العام السابق للأمم المتحدة أن "القمة المناخية الـ26" حققت بعض النجاحات، إن لجهة الاتفاقات العالمية لإنهاء إزالة الغابات بحلول السنة 2030، أو لناحية خفض انبعاثات غاز الميثان وهو أحد الانبعاثات المسببة بقوة لظاهرة الاحتباس الحراري، لكن على الرغم من ذلك، لم يتمكن الاتفاق النهائي الذي عقد في غلاسكو من الصمود طويلاً في ظل تحويل دول العالم التزاماتها المناخية من "التخلص تدريجياً" من الوقود الأحفوري إلى "تخفيضه تدريجياً"، وذلك بعد تدخل لمدة 11 ساعة قامت به الهند والصين.
وقال، إن كي مون: "آمل في أن يصار إلى وضع اتفاق واضح عندما يتعلق الأمر بالوقود الأحفوري، على أن يتم التخلص منه تدريجياً، بدلاً من التخفيض التدريجي لاستخداماته".
وتحدث عن "الخيبة الأكبر للأمل" لديه التي تمثلت في فشل الدول الغنية في الوفاء بتوفير التمويل المحدد بقيمة 100 مليار دولار أميركي بحلول السنة 2020 لمساعدة الدول الأشد فقراً التي تواجه أسوأ الظروف المناخية المتطرفة، في مكافحة تغير المناخ، بحيث وصل مجمل ما تم جمعه إلى 83 مليار دولار فقط.
وقال، إن "ذلك يشكل خيبة أمل كبيرة بالنسبة إلي كأمين عام سابق. إنني أتوخى من القمة الـ27 لتغير المناخ التي ستعقد في شرم الشيخ، أن تتوصل إلى اتفاق حاسم في شأن خريطة الطريق التي وضعناها. ويتعين أن يكون هناك أيضاً اتفاق حاسم على طريقة جمع هذه الأموال وتوزيعها. إن نجاح قمة مصر يتوقف على مدى التحرك الدولي لاتخاذ خطوات عاجلة من أجل استقطاب تريليونات الدولارات اللازمة، للحيلولة دون مواجهة العالم انهياراً مناخياً".
لكن التوترات المتجددة بين القوى الكبرى تثير قلقاً دولياً قبيل انعقاد القمة. ففي "المؤتمر المناخي الـ26"، بدت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إيجابية بعد إصدار إعلان مشترك يتعلق بمعالجة أزمة المناخ. ومع ذلك، أوقفت بكين محادثات المناخ الشهر الماضي بسبب "استفزاز هائل" لها، تمثل في زيارة أعضاء في مجلس النواب الأميركي تايوان التي تعتبرها بكين أرضاً صينية.
ويشير بان كي مون إلى أن "الولايات المتحدة تعد ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، لكنها الدولة الأكثر غنى وقوة ووفرة على سطح الأرض، بالتالي يفترض بها أن تكون قدوة يحتذى بها. وهذا ما أطلبه حقاً من مسؤوليها".
ويرى أن "الوضع الجيوسياسي ليس مواتياً في هذه المرحلة، لأن هناك توتراً خطيراً بين الولايات المتحدة والصين". ويقول: "خلال الفترة التي قضيتها في منصب الأمين العام للأمم المتحدة، كان الرئيس (الأميركي الأسبق باراك) أوباما والرئيس (الصيني) شي جينبينغ يناقشان هذه المسألة (تغير المناخ)، وكنت أبذل قصارى جهدي لحمل الزعيمين على التعاون معاً، وساعد ذلك في التوصل إلى اتفاقية باريس لتغير المناخ، لكن تطبيقها يظل أكثر أهمية بكثير".
ويضيف، "أن ما نشاهده الآن بين الولايات المتحدة والصين ليس مفيداً على الإطلاق. وآمل في أن تتوصل الدولتان إلى حل للعمل معاً بشكل فعلي. فتغير المناخ لا علاقة له بالسياسة، إنه شأن يرتبط بالطبيعة".
ورأى أنه "يتعين على الجانبين الترفع عن هذا النوع من الخلافات السياسية في وجهات النظر، والعمل معاً من أجل حل قضايا المناخ. هذه هي مناشدتي الحقيقية والصادقة لقادة البلدين".
ويعد بان كي مون، بعد صيف من حرائق الغابات القاتلة والحرارة المرتفعة والفيضانات المفاجئة، أحد المحاربين القدامى في مجال الدبلوماسية العالمية، الذين يتقدمون لمطالبة دول العالم باتخاذ إجراءات أكثر إلحاحاً.
وكان قد انضم، الإثنين، عبر رابط فيديو إلى لورانس توبيانا أحد مهندسي اتفاقية باريس، في حديث مع الحكومة الأسترالية في كانبيرا، أثنيا فيه على الجهود المتجددة التي تواصل بذلها في شأن المناخ، لكنهما حضا أعضاءها على الذهاب إلى أبعد من ذلك.
بان الذي أطلق "اللجنة العالمية للتكيف" Global Commission on Adaptation في عام 2018، عقد أيضاً طاولة مستديرة مع وزراء المناخ في كل من ألمانيا والإمارات العربية المتحدة والنمسا، لمناقشة سبل التكيف مع المستجدات المناخية، وشدد على أهمية بذل الدول مزيداً من الجهود للتكيف مع الحقائق الراهنة لتغير المناخ. ففي الوقت الحاضر، تراجع حجم الأموال المخصصة لجهود التكيف بشدة، مقارنة بالتمويل المخصص لخفض الانبعاثات.
ياسمين فؤاد وزيرة البيئة المصرية ورئيسة مؤتمر "كوب 27" قالت في رسالة مصورة بالفيديو، إن التكيف يمثل أولوية قصوى. وأضافت، أن "الوقت قد حان الآن للتحرك ومواصلة التقدم نحو تحقيق الهدف العالمي المتعلق بالتكيف، ويتعين علينا أن نسلط الضوء على قصص النجاح التي أسهمت في حماية مناخ مجتمعاتنا المحلية والحفاظ على مرونته".
وعلى الرغم من هذا الزخم القائم، تساور بعض القادة مخاوف من عدم وفاء بعض الدول بالوعود. ففي مؤتمر القمة المعني بالتكيف في أفريقيا الذي عقد في روتردام في هولندا في وقت سابق من هذا الأسبوع، وشارك في رئاسته السيد بان كي مون، انتقد عدد من القادة الأفارقة غياب الزعماء الغربيين في ظل مناشداتهم لهم لزيادة مساهماتهم المالية في مشاريع تهدف إلى مساعدة بلدانهم على التكيف مع تغير المناخ.
وفي الكلمة الافتتاحية، أعرب رئيس السنغال ورئيس "الاتحاد الأفريقي" ماكي سال، عن خيبة أمله إزاء مشاركة عدد قليل من القادة في الحدث، وقال: "لا يسعني إلا أن ألحظ بمرارة غياب قادة العالم الصناعي، لأن هؤلاء هم الملوثون الرئيسون لكوكبنا، وهم الذين يتعين عليهم أن يمولوا قدرتنا على التكيف مع هذه التبعات المناخية".
وأيد بان كي مون موقف سال عندما قال، إن "الأفارقة لم يسهموا في التلوث المناخي من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، إلا بنسبة ثلاثة في المئة فقط، لكن 75 في المئة من الدخل الأفريقي ينفق على شراء الغذاء، وذلك نتيجة النقص في المياه ومشكلات في النظم الزراعية".
وأشار إلى أن هناك وكالات مختلفة تعمل على تزويد المزارعين في أفريقيا بمجموعة من البذور التي تتمتع بقدرة أكبر على مقاومة الجفاف، إضافة إلى توفير عدد من التقنيات التي تسهم في ترشيد استخدام المياه، والحماية من مخاطر الفيضانات والسيول التي تسببها الرياح والعواصف.
ولفت إلى أن "نجاح مؤتمر المناخ ’كوب 27’، سيكون رهناً بتلبية احتياجات أفريقيا، أكثر القارات عرضة للتأثر بتغير المناخ في العالم".
وأكد "أهمية تعاون الدول المشاركة في قمة شرم الشيخ والسير في الاتجاه نفسه"، منوهاً بالمساهمات الأسترالية المحددة على المستوى الوطني "التي تم تقديمها أخيراً، التي تمثل مؤشراً إيجابياً في هذا الصدد".
وختم بالقول: "لكننا نحتاج أيضاً إلى أولئك الذين لم يشاركوا في مؤتمر "كوب 26" مثل البرازيل والصين، وبصراحة روسيا، فيما نتجه نحو موعد انعقاد كل من مؤتمري "كوب 27" في مصر، و"كوب 28" في الإمارات العربية المتحدة. علينا أن نكثف الخطى للتصدي جنباً إلى جنب للتغير المناخي، والتخفيف من آثاره، والتكيف مع تبعاته".
© The Independent