بدأ العد التنازلي لانطلاق العام الدراسي في الجزائر المقرر بعد عشرة أيام، وينطلق معه تعليم اللغة الإنجليزية في السنة الثالثة من الطور الابتدائي، في تجربة استقطبت اهتمام كل شرائح المجتمع، كما أثارت بعض المخاوف أيضاً، لكن الجميع يتساءل: هل هي بداية نهاية هيمنة الفرنسية في البلاد؟
"عزم" وجدل
وتكشف التصريحات المتتالية لوزير التربية عبدالحكيم بلعابد عن "عزم" من أجل إنجاح المشروع، وتطرح تساؤلات حول هذا الإصرار الذي يفتح الأبواب لتأويلات حول نية "هز عرش" اللغة الفرنسية التي تهيمن منذ استقلال البلاد في 1962، بخاصة أنه اعتبر الانطلاق في تقديم دروس الإنجليزية لتلاميذ السنة الثالثة من التعليم الابتدائي مكسباً كبيراً للمدرسة الجزائرية، معلناً يقينه بنجاح المشروع بالنظر إلى توفر الإرادة السياسية والاقتناع بفعاليته واستراتيجيته على مستوى المجتمع الجزائري، وأوضح أن الوزارة ستوفر كل الإمكانات البشرية والمادية والتنظيمية لإنجاحه.
وأثار القرار جدلاً بين مرحب منتقم ورافض بغطاء السخرية، وعلى غير العادة لم تظهر معارضة كبيرة من "الفرنكوفونيين"، إلا أن التخوف من عرقلة المشروع يبقى قائماً في ظل فشل وزير التربية الأسبق علي بن محمد في الخطوة خلال الموسم الدراسي 1992 - 1993.
موجة تهكم وسخرية
وقال الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر، رشيد ولد بوسيافة، إنه "لم يحدث أن تصدت النخبة في أي بلد آخر ودافعت عن لغة المستعمر كما يحدث في الجزائر منذ عقود، فعلى رغم المحاولات الحثيثة التي بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي للانفتاح على لغة العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياحة، فإن الخوف على الفرنسية يدفع كثيرين من النافذين وغير النافذين إلى التصدي للتحول نحو اعتماد الإنجليزية لغة أجنبية أولى في الجزائر، بشتى الطرق والأساليب بما فيها الطرق غير المشروعة"، مضيفاً أن "القضية ليست أيديولوجية بقدر ما هي فرصة للانفتاح على العالم أكثر والخروج من الدائرة المغلقة التي وضعتنا فيها اللغة الفرنسية، وهي دائرة يسعى الفرنسيون أنفسهم إلى الخروج منها لمواكبة التطور التكنولوجي والعلمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع ولد بوسيافة "لقد رافق قرار اعتماد اللغة الإنجليزية في الابتدائي موجة تهكم وسخرية من فئة قليلة من الجزائريين، على أساس أن الخروج من دائرة التخلف ليس مربوطاً باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو لغة أخرى، وأثيرت قضية كثافة اللغات والدروس عموماً، مما يؤثر في عقل الطفل الذي لا يستوعب أربع لغات في وقت واحد"، متسائلاً "لماذا أثيرت هذه القضية الآن فقط بعد اعتماد اللغة الانجليزية؟". وأضاف أن التباكي على اللغة العربية من قبل البعض أمر محير، لأن الإنجليزية لم تشكل يوماً تهديداً للغة العربية كما فعلت الفرنسية المفروضة في التعليم والإدارة والإعلام وحتى في الفضاءات العامة، فلماذا سكت هؤلاء كل هذه السنوات، وثاروا الآن فقط عندما أدخلت الإنجليزية في الابتدائي؟
لغة رسمية من دون دستور ومخاوف
في المقابل، يرى أستاذ اللغة الفرنسية كمال داحي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الفرنسية هي اللغة الرسمية من دون دستور أو قانون مكتوب، فهي لغة المسؤولين والإدارات والمراسلات، والإعلانات والمحال التجارية، وغيرها من المواقع والأماكن والمستويات والمجالات، وهي اللغة الأجنبية الأولى منذ استقلال البلاد بعد 132 سنة استعماراً فرنسياً، لذا فإنه من الصعب الجزم بنجاح مشروع اللغة الإنجليزية في ظل هذه الهيمنة الفرنسية"، مضيفاً أن الجزائر تعد ثالث أكبر بلد فرنكفوني بعد فرنسا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ويبلغ عدد المتحدثين بلغة فولتير نحو 15 مليون جزائري، أي ما نسبته 33 في المئة من الجزائريين، وفق تقرير مرصد اللغة الفرنسية التابع للمنظمة الدولية للفرنكفونية.
من جانبه، يرى المحاضر في اللغة الفرنسية بجامعة "بومرداس" رياض غسيلي أنه إذا لم تتحرك فرنسا ولم توقف استبدال الإنجليزية بالفرنسية فستخسر التأثير، وستخسر الناس الذين سينشرون ثقافتها والدفاع عن مصالحها، وإذا لم يحدث أي أمر إزاء التغيير فسيختفي مجال التأثير الفرنسي، مبرزاً أن الحكومة تحاول تشجيع استخدام اللغة العربية، ولكنها تريد تشجيع اللغة الإنجليزية لأنه يُنظر إليها على أنها محايدة ثقافياً في الجزائر، وأضاف أنهم يفعلون هذا لأن خلف كل لغة ثقافة واللغة الفرنسية تخلق النقاد".
العربية هي الأساس؟
إلى ذلك، يرى الباحث عز الدين قداري الإدريسي أنه "من الواضح أن هناك رفضاً واسعاً في الجزائر للغة الفرنسية كثقافة، وبخاصة الثقافة اللغوية، وهذا تطور جيد، ولكن يجب التفريق بين تعلم لغة أو جعلها ثقافة، تعلم أي لغة أياً كانت هو إيجابي وإيجابي جداً، لكن جعلها ثقافة يومية لك، واستعمالها في حياتك اليومية، فهذا استعمار ثقافي"، مشيراً عبر منشور في صفحته الرسمية على "فيسبوك"، إلى أنه "بدأنا نرى كثيرين يقولون يجب أن تكون اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية، أي استبدال استعمار ثقافي بآخر"، وأوضح أنه "مع استبدال الإنجليزية بالفرنسية في المنهج الدراسي، ولا شك في ذلك، فاللغة الفرنسية لغة ميتة ولا تستعمل كثيراً في العالم، لكن لا يجب جعلها ثقافة بديلة للفرنسية وكأننا بلا هوية ولا لغة ولا ثقافة، إذ يجب أن تكون اللغة العربية هي الأساس".