اتفقت مطالب أحزاب سياسية وهيئات حقوقية مدنية في المغرب على ضرورة تشديد ورفع مدة العقوبات السجنية ضد جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، من أجل ردع مظاهر الاستغلال الجنسي للقاصرين.
وفي وقت تفيد إحصاءات حديثة بأن العنف الجنسي يشكل أكثر من الربع في مجموع العنف الذي يتعرض له الأطفال المغاربة، يرى مراقبون ضرورة إعادة النظر في طبيعة العقوبات الحبسية من أجل التضييق على جرائم "البيدوفيليا"، وكذلك استحداث "شرطة متخصصة للتحقيق في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال".
العنف الجنسي
وأوردت دراسة حديثة لجمعية "أمان" المغربية ومنظمة "عايدة" الإسبانية إن العنف الجنسي يمثل 25.3 في المئة من العنف الممارس على الأطفال في المغرب، وبلغت نسبة العنف الجنسي المسلط على البنات 61 في المئة، بينما الأطفال الذكور 39 في المئة.
وسجلت الدراسة ذاتها تزايد ظاهرة العنف بشكل عام وضمنه العنف الجنسي ضد الأطفال خصوصاً في فترة جائحة كورونا، وأنه على رغم الإنجازات المحققة لحماية الأطفال في المملكة لكن تستمر تحديات يتعين مواجهتها لصيانة كرامة الطفولة.
وفي آخر الأحداث المتعلقة بموضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال فر متهم من جنسية عربية خارج المغرب بعد إخلاء سبيله الموقت في قضية هتك عرض طفلة قاصر، ما دفع المحكمة قبل أيام قليلة إلى تأجيل النظر في هذا الملف.
وأثارت هذه القضية حفيظة جمعيات حقوقية من بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تعد أكبر جمعية حقوقية في البلاد، إذ انتقدت عدم التشدد في الأحكام ضد متهمين في ملفات الاعتداء الجنسي على أطفال، داعية السلطات إلى ضرورة إحضار المتهم من البلد العربي الذي ينحدر منه.
مقترح قانون في مجلس النواب
توالي أحداث الاعتداء الجنسي على أطفال وقاصرين مغاربة دفع حزب التقدم والاشتراكية إلى اقتراح قانون تقدم به إلى مجلس النواب، يتضمن اقتراحاً رئيساً برفع العقوبات السجنية ضد المعتدين جنسياً على الأطفال بالخصوص.
وينص الفصل الـ484 من القانون الجنائي المغربي على أنه "يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس من هتك من دون عنف أو حاول هتك عرض قاصر يقل عمره عن 15 سنة، سواء كان ذكراً أو أنثى".
وبدوره يقضي الفصل الـ485 من القانون الجنائي المغربي على أنه "يعاقب بالسجن من خمس إلى 10 سنوات من هتك أو حاول هتك عرض شخص ذكراً كان أم أنثى مع استعمال العنف، وإذا كان المجني عليه قاصراً يقل عمره عن 15 سنة يعاقب الجاني بالسجن من 10 إلى 20 سنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقترح قانون حزب التقدم والاشتراكية (المعارض) ينص من جهته على رفع عقوبة (من سنتين إلى خمس سنوات)، إلى عقوبة (من 10 إلى 20 سنة سجناً)، وغرامة مالية تصل إلى 100 ألف درهم (10 آلاف دولار) ضد كل من اعتدى جنسياً أو حاول الاعتداء الجنسي على قاصر يقل عمره عن 18 سنة، أو عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية سواء كان ذكراً أو أنثى.
وعزا الحزب السياسي ذاته تقديمه مقترح القانون الجديد الذي يطالب بتشديد ورفع العقوبات السجنية على المعتدين جنسياً على الأطفال، إلى "تفاقم مظاهر الاستغلال الجنسي للأطفال بالمغرب"، واصفاً هذه الجريمة بكونها "شاذة تمس الشعور الإنساني العام".
ويرى الحزب ذاته ضمن مقترح القانون المقدم حديثاً إلى مجلس النواب، أن ما سماه "هشاشة المنظومة القانونية المتعلقة بحماية الطفل" تعد سبباً رئيساً في تزايد حالات الاعتداءات الجنسية على الأطفال، مبرزاً أنه "في ظل غياب إحصاءات دقيقة حول هذه الظاهر، فإن الأرقام والمعطيات الصادرة مجرد تكهنات تقريبية لا تعكس الواقع المرير لهذه الطفولة".
صرامة القوانين
يقول رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات على الأطفال خالد الشرقاوي السموني إنه على رغم انخراط المغرب في اتفاقات دولية ذات صلة بحماية الطفولة والموافقة عليها، وعلى رأسها البروتوكول الاختياري الملحق باتفاق حقوق الطفل في شأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، الموقع بنيويورك في الـ25 مايو (أيار) 2000، إلا أن "التشريع الوطني لم يتلاءم مع هذه الاتفاقات، مما يقتضي إعادة النظر في القانون الجنائي لا سيما المواد المتعلقة بالعنف والاعتداءات على الأطفال".
وأرجع السموني في حديث مع "اندبندنت عربية" تزايد حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال (ذكوراً وإناثاً) إلى ضعف المنظومة القانونية المتعلقة بحماية الطفل، مما يقتضي ضرورة أن تكون القوانين الوطنية صارمة في مواجهة هذه الظاهرة وعدم التساهل مع جرائم الاعتداء الجنسي".
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة أن "يكون القانون سداً منيعاً أمام هذه الجرائم، من خلال الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه اغتصاب طفلة أو طفل، ووضع حد لكل السلوكيات المشينة التي تمس كرامة الطفولة".
وأشار المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات على الأطفال إلى أن الأحكام القضائية التي صدرت في ملفات تتعلق بالعنف على الأطفال أو باعتداءات جنسية عليهم كانت خفيفة، إذ تراوحت بين سنة وسنتين، وأحياناً تبرئة المتهمين لعدم وجود إثبات.
شرطة خاصة
وطالب السموني بتشديد العقوبات ضد المتورطين في اعتداءات جنسية على الأطفال، بتغيير فصول القانون الجنائي التي تنص على معاقبة كل من اعتدى جنسياً على طفل أو طفلة، ورفع العقوبة الحبسية الواردة في الفصل الـ486 من القانون الجنائي، لتصير من 10 إلى 15 سنة على كل من اعتدى جنسياً على شخص ذكراً كان أو أنثى، أما إذا تم الاعتداء باستعمال العنف أو الإكراه أو التهديد تكون العقوبة من 15 إلى 20 سنة، ومن 20 إلى 30 سنة إذا كان الطفل عاجزاً أو معاقاً أو معروفاً بضعف قواه العقلية، كما ينبغي تشديد العقوبة بحق المعتدي في حال إذا كان من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصياً عليها أو خادماً بالأجرة عندها".
ودعا السموني أيضاً إلى وضع قانون خاص يتعلق بالعنف والاعتداءات على الأطفال، والتنصيص على كل الأفعال التي تدخل في مجال الاعتداء الجنسي من دون الاقتصار فقط على جريمة هتك العرض.
ولفت المتحدث إلى مقترح آخر يتمثل في "إحداث شرطة متخصصة للتحقيق في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، تكون لها خبرة في علم النفس ومهارات في طرق استنطاق الأطفال الضحايا".
وزاد بأنه من الضروري أيضاً توسيع دائرة الإثبات من خلال الخروج تدريجاً عن صرامة القواعد القانونية التقنية للإثبات والتوجه نحو ليونة أكبر، تلاؤماً مع طبيعة الجريمة وأثرها النفسي في الضحية، إذ يشكل الإثبات أبرز العوائق أمام وصول ضحايا الجرائم إلى العدالة ومحاسبة المرتكبين.