لا يزال السباق لخفض الكلفة وزيادة الكفاءة وتحقيق الفعالية مستمراً في قطاع البناء الذي يعد من القطاعات الأعلى استهلاكاً للطاقة على مستوى العالم، إذ وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة "تستخدم المباني حوالى 40 في المئة من الطاقة العالمية، و25 في المئة من المياه العالمية، و40 في المئة من الموارد العالمية، وينبعث منها ثلث الغازات الدفيئة".
ومن المؤكد أن الاستدامة والراحة من أهم أولويات أي مشروع بناء، سواء كان جديداً أو تم تجديده، كما تعد الرفاهية عاملاً رئيساً داعماً في أي نوع من أنواع المباني، سواء كان منزلاً أو فندقاً أو مجموعة مكاتب، فتوفير الظروف المناسبة للحياة اليومية والعمل والحركة له تأثير مفيد في صحة الناس وإنتاجيتهم.
لذا يعنى أسلوب البناء الأخضر باتخاذ تدابير للحد من الانبعاثات وتحقيق درجة عالية من كفاءة الطاقة، سواء أثناء عملية البناء أو في ما يتعلق بالاستخدامات اللاحقة للمبنى.
التبريد وبيئة العمل
واليوم باتت معايير كفاءة الطاقة (مجموعة من الإجراءات واللوائح التي تحدد أداء الطاقة للمنتجات المصنعة)، تلحظ قضية عزل المباني بشكل جيد، من خلال إعداد هياكل المباني الحديثة لتحافظ على الحرارة بالداخل، في حين أن هذا الأمر يوفر أجواء دافئة في الشتاء إلا أنه يؤدي أيضاً إلى ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، وبالتالي أصبحت درجات الحرارة الأعلى من عتبة الدفء والبالغة 26 درجة مئوية أكثر انتشاراً في المساحات الداخلية.
وتظهر الدراسات أن لدرجة الحرارة المحيطة تأثيراً كبيراً على الإنتاجية الشخصية، حتى إن الغرف شديدة الحرارة تكاد تكون أكثر إزعاجاً من تلك الشديدة البرودة، وبذلك يعد التبريد في الصيف الطريقة الأجدى لضمان درجات حرارة مريحة على مدار السنة.
وتتمثل إحدى طرق دمج جوانب الاستدامة والراحة والرفاهية في الحياة اليومية في استخدام التبريد بالإشعاع خلال فصل الصيف، إذ يعد عاملاً موفراً للطاقة من جهة، ويضمن درجات حرارة مريحة وممتعة من جهة أخرى.
جودة البيئة الداخلية
وتنتج معظم أنظمة التبريد التقليدية التي تستخدم تقنيات التحكم بالهواء درجات حرارة متفاوتة في المساحات الداخلية، وكذلك من المحتمل أن تسبب خفضاً في جودة الهواء من خلال توزيع الملوثات المحمولة جواً، مما يجعل فضاء المساحة ضاراً بالصحة وغير مريح، ومن هنا يعد خيار التبريد "بالإشعاع المستدام" حلاً مثالياً، إذ إنه وعلى عكس أنظمة التبريد القائمة على التكييف أو على نظام نفث الهواء، يحسن التبريد بالإشعاع جودة البيئة الداخلية، فهو لا يحتاج إلى تحريك تيارات هوائية أو نشر دوامات من الغبار.
كما تعمل هذه الأنظمة على نشر البرودة بالتساوي ما يضمن درجات حرارة لطيفة معظم الأوقات، فهي تبرد سطح الغرفة أولاً ثم تبث البرودة إلى باقي أنحائها، مما يضفي جواً خاصاً ولطيفاً على المساحة.
التبريد بالإشعاع
ويعد التبريد بالإشعاع أسلوباً مبتكراً للتبريد المريح العالي الكفاءة باستخدام تقنية خاصة تعمل على تدوير المياه المبردة عبر أنابيب مدمجة في هيكل المبنى، إذ يستخدم نظام التوزيع الخاص به مجموعة من الأنابيب الخاصة والمضخات وصمامات التحكم التي تركب داخل الأرضيات أو الجدران أو الأسقف، لتبرد المياه الباردة التي تدور عبرها الجدران من طريق امتصاص الحرارة المنبعثة من باقي أنحاء الغرفة بشكل متساو، وبالتالي تطرد التيارات الهوائية والبقع الساخنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتيح هذه الأنظمة أقصى قدر من الحرية الإبداعية في ما يتعلق بالتصميم الداخلي بفضل تركيبها داخل الجدران، مما يخلق راحة بصرية ويوفر مساحة وخيارات حرة أوسع أثناء العمل على التصاميم.
كما يحصل التبريد بالإشعاع على درجات تقييم عالية عندما يتعلق الأمر بالاستدامة، فهو يعد خياراً موفراً للطاقة على نحو ممتاز بسبب التوزيع المتساوي للحرارة وحرارة التدفق المنخفضة، وفي الوقت نفسه يمكن دمجه بسهولة مع الطاقات المتجددة أو الأنظمة الأخرى الموفرة للطاقة مما يزيد فاعليته.
ونظراً إلى أن حلول التبريد بالإشعاع يمكنها تحسين جودة الهواء، فهي مثالية في المباني مثل المستشفيات ودور رعاية المسنين، حيث تكون جودة الهواء أمراً بالغ الأهمية.
في المناخات الرطبة
وعلى رغم أن التبريد بالإشعاع يعد خياراً مناسباً جداً للمناخات الجافة، إلا أنه يشكل معضلة بالنسبة إلى المنازل في المناخات الأكثر رطوبة، بسبب التكثف (التحول من الحال الغازية إلى السائلة) على الألواح، في حال أصبحت درجة حرارتها أقل من درجة تكثف الهواء في الغرفة، ولتحقيق أقصى درجة من الفاعلية يتوجب الحفاظ على الألواح عند درجة حرارة قريبة جداً من نقطة التكثف داخل المنزل، وكذلك الحفاظ على المنزل خالياً من الرطوبة، إذ يمكن أن يؤدي مجرد فتح باب المنزل إلى دخول رطوبة كافية لحدوث التكثف.
وخلال سنوات طويلة ماضية شكلت المخاوف حول أدائها في المناخات الرطبة والكلفة الأولية لهذه الأنظمة، رادعين رئيسين لاعتمادها على نطاق واسع، لكن بدأت بعض الأدلة المهمة تظهر اليوم لتثبت أن هذه المخاوف من الماضي، وأن هذا النظام خيار مثالي في معظم المناخات في حال صمم بشكل جيد.