تدافعات ما بين التسوية السلمية والتصعيد تسود أزمة تيغراي، فبعد مرور ما يزيد على عامين تدخل الحرب في شمال إثيوبيا منعطفاً جديداً بعد إعلان الحكومة عزمها الاستيلاء على "المطارات والمرافق الفيدرالية والمنشآت الأخرى" في إقليم تيغراي. فهل يفسر الإعلان الحكومي كخطوة نحو حرب شاملة بين الطرفين أم يدل على تكتيك لسلام مقبل؟
تدرج المواجهة
تدرجت المواجهة بين حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بزعامة دبرصيون جبر ميكائيل من غزو الحكومة للإقليم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بعد خلافات واتهامات متصاعدة بين الطرفين وكان نجاح الحكومة في دخول الإقليم والاستيلاء على العاصمة ميكيلي بمشاركة الجيش الإريتري، وفي 29 يونيو (حزيران) 2021 استردت قوات الجبهة الإقليم وأعلنت الحكومة الإثيوبية وقفاً لإطلاق النار من طرف واحد.
في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 استطاعت الجبهة دخول مناطق عدة بإقليمي عفر وأمهرا والاستيلاء على مدينة دسي الاستراتيجية وعدد من المدن لتبدأ زحفها نحو العاصمة أديس أبابا قبل أن تتراجع عن ذلك وتسحب قواتها تدريجاً عائدة إلى الشمال نتيجة لأسباب ميدانية وضغوط دولية.
تخللت التحركات العسكرية للطرفين نداءات دولية وإقليمية أعقبها الإعلان الحكومي عن الحوار الوطني، إلى جانب دعوات متبادلة من الجانبين إلى سلام لم تحدد معالمه أو يتبعه شروع جاد بتحقيقه.
وكان آخر نداء للسلام أطلقته جبهه تيغراي في سبتمبر (أيلول) الماضي وأشادت به جهات دولية وإقليمية، لكن الحكومة الإثيوبية لم تتخذ موقفاً واضحاً منه ليعقب ذلك الانفجار الحالي للحرب وشمولها مناطق واسعة من الشمال الإثيوبي وسط اتهامات ونداءات واستغاثات في ظروف لا تزال تدفع بآثارها الإنسانية السلبية.
ظروف غير واضحة
جاءت دعوة لجنة سلام الاتحاد الأفريقي إلى الطرفين في أكتوبر الحالي للتفاوض من أجل السلام بجنوب أفريقيا وفي ظل موافقة جبهة تيغراي على الوسيط الأفريقي (تحفظت عليه في السابق) وافق الطرفان مجدداً على المبادرة الأفريقية التي شجعتها الولايات المتحدة الأميركية وأطراف إقليمية وعقد لقاء في إطار التحركات لإنجاحها بين المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايكل هامر والرئيس الكيني وليم روتو في السابع من أكتوبر الحالي، إلى جانب مشاوراته مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي وأولوسيغون أوباسانجو، الممثل الأعلى للاتحاد بالقرن الأفريقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم الجهود المتباينة التي كان آخرها لقاء بين نائب رئيس الوزراء الإثيوبي والمبعوث الأميركي في العاصمة أديس أبابا، ما زالت الحرب مشتعلة ولم يتبع الدعوة الأفريقية للسلام أي تنفيذ أو وقف لإطلاق النار كدليل عملي نحو هذه الغاية وسط ظروف ميدانية غير واضحة في مسار الحرب.
وكان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية دمقي مكونن أكد خلال لقائه هامر في 14 أكتوبر الحالي التزام حكومته الحل السلمي للنزاع، إلى جانب تصريح المبعوث الأميركي بمواصلة بلاده تعزيز دعمها لمحادثات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
من جهتها دعت جبهة تيغراي في بيان حديث لها إلى وقف إطلاق النار مؤكدة التزامها الحل السلمي وأصدر الاتحاد الأفريقي بياناً يدعو فيه الطرفين إلى وقف الاقتتال والجلوس إلى طاولة الحوار.
مغزى البيان الحكومي
في ظل هذه الأجواء يجيء الإعلان الحكومي عن عمليات عسكرية يسيطر بموجبها الجيش الإثيوبي على جميع المطارات والمرافق الفيدرالية والمنشآت الأخرى في إقليم تيغراي، وقال بيان مكتب خدمات الاتصال الحكومي إنه "وفق ما يمليه الواجب الدستوري للحكومة الإثيوبية فإنها ستعمل على حماية سيادة إثيوبيا وسلامتها الإقليمية، لا سيما في ما يتعلق بمجالها الجوي علاوة على حماية مواطني إقليم تيغراي".
البيان فسره بعضهم كنوع من التهديد وعدم الرضا بأن يواجه إقليم دولة وهو ما يصب في الرؤية الإثيوبية التي ترفض من خلالها أديس أبابا التحاور مع إقليم تيغراي إلا بعد تسليم سلاحه وركونه إليها باعتباره إقليماً يتمتع بوضع فيدرالي كغيره من الأقاليم ضمن نظرة الحكومة السيادية، ومن هنا يمكن تفسير عقدة تباطؤ مسيرة المفاوضات وعدم انطلاقها، على رغم التأكيد الحكومي على تأييد السلام.
تدابير دفاعية
يس أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يشرح المواقف الأخيرة للطرفين بالقول إن "الجولة الحالية من الصراع في شمال إثيوبيا اندلعت بسبب الهجوم الشامل الذي شنته جبهة تيغراي في 24 أغسطس (آب) 2022، مما أدى إلى انتهاك الهدنة الإنسانية التي أعلنتها الحكومة الإثيوبية في مارس (آذار) 2022. الأمر يستحق أيضاً ملاحظة أن هذه هي المرة الثالثة التي تجر فيها الجبهة البلاد إلى صراع خلال عامين".
ويضيف "هذه الجولة الثالثة من الهجوم جاءت بعد أن أعلنت الحكومة الفيدرالية استعدادها لمحادثات سلام برعاية الاتحاد الأفريقي من دون شروط مسبقة تعقد في أي وقت وفي أي مكان، لكن الجبهة أعلنت في الوقت ذاته لمجموعة المبعوثين الخاصين والدبلوماسيين المقيمين في أديس أبابا نيتها شن الهجوم في رسالة موجهة إلى شخصيات دولية عدة، ثم كررت تأكيد هذه النوايا، بالتالي فهي المسؤولة الوحيدة عن الوضع الحالي وإذا أتيح لها الوقت والمكان فسوف تقوم بذلك مرة أخرى كما هو موضح في أحدث اتصالاتها".
متى يتوقف القتال؟
وعن إعلان الحكومة الإثيوبية نيتها الاستيلاء على المرافق الحيوية في إقليم تيغراي يقول أحمد "سبقت الهجوم الهائل الذي شنته الجبهة انتهاكات جسيمة ومتكررة للمجال الجوي الإثيوبي من قبل جهات أجنبية معادية تدعم الجبهة، وهكذا فإن حكومة إثيوبيا مجبرة على اتخاذ تدابير دفاعية لحماية سيادة وسلامة أراضيها. وهذه التدابير لازمة ولا تقتصر فقط على التصدي للهجمات المتكررة من قوات الجبهة ولكن أيضاً لتواطئها النشط مع هذه القوى الأجنبية المعادية، إذ من الضروري أن تتولى الحكومة الإثيوبية السيطرة الفورية على جميع المطارات والمنشآت الفيدرالية الأخرى لحماية سيادة إثيوبيا وسلامة أراضيها وحتى تتمكن هذه الحكومة من تسريع المساعدات الإنسانية للمحتاجين".
الكاتب الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم يرى في إعلان الحكومة نوعاً من توضيح موقف القوة الذي تحاول الظهور به في وقت بدأت تحركات المجتمع الدولي تشكل ضغطاً على الطرفين، ويشرح أن "القبول السريع لجبهة تحرير تيغراي للدعوة الأفريقية للسلام جعل الجانب الحكومي يتوقع أن الجبهة في موقف ضعف، ومن هنا ربما حاول كسب بعض المواقف. كما أن بيان الحكومة في ما يخص الجلوس للحوار إلى جانب إعلانها دخول مدن الإقليم قد يثيران ضدها المجتمع الدولي، بخاصة أن التقارير الواردة تفيد بتطور الأزمة الإنسانية في المنطقة نظراً إلى المدة الزمنية التي استمرت فيها الحرب منذ المعارك الأخيرة قبل شهرين ومن المتوقع أن يتم تشكيل ضغط دولي كبير لإجبار الطرفين على وقف القتال".