يهدر الأردنيون 34 في المئة من طعامهم سنوياً، وفق إحصائيات رسمية، وغالباً ما تنتهي الولائم الكبيرة في المناسبات الاجتماعية إلى حاويات القمامة في بلد يفتقر بطبيعة الحال إلى الموارد ويعاني من نقص الغذاء، وسط تقديرات بهدر يقدر بنحو مليار طن طعام سنوياً حول العالم.
وفي وقت تحاول الحكومة تفعيل ضوابط رادعة لوقف هذا الهدر والتلويح بسن قوانين وعقوبات، تبرز مبادرات إيجابية تطوعية للاستفادة من الطعام المهدور وتوجيهه للفئات الفقيرة والمحتاجة، بموازاة دعوات لتغيير السلوك الاستهلاكي وتعزيز ثقافة الحياة المستدامة وزيادة الوعي بالعواقب على البيئة.
مبادرات مجتمعية
وسط هذه الأرقام المقلقة عن هدر الطعام في الأردن، تبرز عديد من المبادرات التطوعية التي تقدم الطعام المهدر إلى عائلات فقيرة ومحتاجة. ويهدف مشروع "حفظ النعمة" الذي تأسس كمبادرة تطوعية عام 2008 لحفظ ونقل الأكل الفائض عن الحاجة في الفنادق الكبرى إلى الأسر المحتاجة التي لا تجد قوت يومها بطريقة تحفظ كرامتها وتقدم لها وجبة ساخنة ونظيفة. ويشير القائمون على هذه المبادرة إلى أن أكثر من ربع مليون شخص استفادوا من المشروع حتى الآن.
أما بنك الطعام الذي تأسس عام 2012 فيهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والقضاء على الجوع في الأردن، ونشر الوعي وتثقيف الأردنيين بضرورة حفظ الطعام وعدم هدره. ومن بين النشاطات الهادفة التي قام بها "بنك الطعام"، حملة توزيع مليار وجبة في كل أنحاء المملكة، وتقول مديرة البنك كوثر قطارنة إن الفكرة جاءت بعد رصد حجم الفائض من الطعام والشراب الذي يهدر في الفنادق والمطاعم والمؤتمرات والمناسبات على رغم وجود عديد من جيوب الفقر والعوز في مناطق الأردن المختلفة.
وقبل ثلاث سنوات، وعلى صعيد مجتمعي محلي، أطلق أهالي مدينة السلط مبادرة بعنوان "المنسف بالصحن" لوقف هدر هذا الطبق الشعبي الذي يكون حاضراً دائماً في المناسبات الاجتماعية. وهدفت المبادرة إلى تناول المنسف من خلال الأطباق منعاً لهدره وتقديمه للأسر الفقيرة بحيث لا يكون من بقايا الطعام إكراماً للأسر.
في الأثناء، تعالج إحدى الشركات الأردنية مشكلة الهدر في مرحلة الزراعة، إذ تستخدم تحليل البيانات لمساعدة المزارعين على إنتاج الفاكهة والخضروات وفقاً للمعايير العالمية. وعادة ما يهدر المزارعون في الأردن كثيراً من محاصيلهم بسبب الاستخدام الزائد للمبيدات الحشرية.
إفراط في الاستهلاك
وترجع دراسة دولية السبب الرئيس لهدر الطعام في الأردن إلى الإفراط في شراء واستهلاك المواد الغذائية من قبل المواطنين بخاصة في المواسم كشهر رمضان المبارك. وتقول الدراسة الصادرة عن مكتب غرب آسيا التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنه في ظل النمو السكاني السريع الذي يشهده الأردن، ارتفع الإنفاق على الغذاء، وبالتالي هدر الطعام، لكن من دون معالجة أو وضع سياسات واستراتيجيات وبرامج تحد من هذا الهدر. وتشير الدراسة إلى مسؤولية بعض العادات والثقافات المتبعة عن هدر الطعام، ففي شهر رمضان على سبيل المثال، يزيد حجم الطعام الذي يتم التخلص منه في حاويات القمامة على 50 في المئة.
تلويح بالعقوبات
ويلقي وزير الزراعة الأردني خالد حنيفات باللائمة على المناسبات الاجتماعية التي تشهد هدراً كبيراً للطعام، ويقول إن هذه العادة السلبية لا تتواءم مع الجهود الرسمية لتحقيق الأمن الغذائي الذي برزت مخاطره بشكل كبير منذ جائحة كورونا، داعياً إلى تغيير العادات المتعلقة بطريقة استهلاك الأردنيين للطعام كونها لا تتوافق مع متطلبات العصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الوزير الأردني، إن بلاده من أوائل الدول التي أعدت ونفذت استراتيجية وطنية للأمن الغذائي، ملوحاً بإمكان فرض عقوبات على مهدري الطعام، كما هي الحال في بعض الدول المتقدمة.
وكان تقرير الأمم المتحدة أشار إلى أن نفايات الطعام الصالحة للأكل تمثل نحو ثماني وجبات لكل أسرة أسبوعياً، وأفاد التقرير بأن فائض الطعام في المطاعم والمتاجر يمثل 17 في المئة من مجموع الطعام الملقى.
هدر كبير للخبز
وتشير دراسة محلية إلى وجود هدر كبير في سلعة الخبز، بنسبة 95 في المئة، على رغم أن النمط الغذائي لنحو 84 في المئة من الأردنيين يعتمد على استهلاك هذه السلعة بشكل أساسي. وثمة تقديرات تشير إلى أن سكان الأردن يستهلكون ما يقارب ثمانية ملايين رغيف من الخبز المدعوم يومياً، بمعدل يقارب 90 كيلوغراماً سنوياً للفرد.
ويقدر خبراء أن وقف هدر الخبز سيعود بالنفع على سعره وتحسين جودته، كما أن الأمر سيحسن شكل العادات الغذائية للأردنيين، بخاصة أن الحكومة الأردنية تنفق ما يقارب 300 مليون دولار على دعم الطحين من أجل الإبقاء على سعر الخبز في متناول الجميع.