في ظل الانقسامات السياسية والفوضى الأمنية وغياب القوانين التشريعية لحماية الصحافيين في ليبيا، بات العمل الصحافي في ذلك البلد خطيراً جداً، مقارنة بالدول المجاورة، الأمر الذي تؤكده المراتب التي سبق واحتلتها ليبيا على قائمة التنصيف العالمي لحرية الصحافة.
وحلت ليبيا هذه السنة في المرتبة 122 على المستوى العالمي، بعدما كانت في الترتيب 165 من بين 180 دولة في عام 2021 وفق التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" الذي يصدر كل سنة تزامناً مع اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق 3 مايو (أيار) من كل عام.
منع التصريحات الصحافية
في سياق متصل، صدر قرار لافت عن "حكومة الوحدة الوطنية" في طرابلس، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، تزامناً مع احتضان ليبيا فعاليات "أسبوع الإعلام العربي" ضمن إطار نشاطات احتفالية "طرابلس عاصمة الإعلام العربي 2022 "التي انطلقت في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وتمتد حتى 28 منه، بالقبة الفلكية بالعاصمة الليبية بمشاركة أساتذة إعلام وأكاديميين بعدد من الجامعات الليبية والعربية.
وينص القرار الذي يحمل توقيع وزير الدولة لشؤون رئيس الحكومة ومجلس الوزراء عادل جمعة، صادر بتاريخ 18 من الشهر الحالي على أن "تعليمات رئيس الوزراء تقضي بعدم إجراء أي مؤتمرات أو لقاءات صحافية إلا بإذن رسمي من رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة"، ما زاد من مخاوف الصحافيين من التخبط في دائرة البيروقراطية الإدارية للقيام بأعمالهم الصحافية التي تتطلب السرعة والدقة.
ووصف عدد من المسؤولين والصحافيين الليبين ذلك القرار بـ"الديكتاتوري، الذي لا يتماشى والأهداف التي قامت من أجلها ثورة 17 فبراير 2011، التي يأتي في مقدمتها مبدأ حرية التعبير"، بينما رأى البعض الآخر أنه "إجراء تنظيمي للعمل الصحافي".
وفي هذا الصدد تشير "اندبندنت عربية" إلى محاولة التواصل مع الناطق الرسمي باسم حكومة الوحدة، محمد حمودة، للتحدث عن هذا القرار، من دون جدوى.
"نكبة جديدة"
من جهة أخرى، وصفت رئيسة تحرير وكالة "ليبيا 24" ريم البركي القرار بـ"النكبة الجديدة التي تُضاف إلى ملف الحريات في ليبيا". وقالت إن "قرار الدبيبة منع المسؤولين في حكومته المنتهية ولايتها من الإدلاء بأي معلومات أو تصريحات صحافية، يأتي ضمن إطار التضييق على عمل الصحافيين ويكشف أيضاً عن العبودية التي يتخبط فيها الوزراء، فبحسب القانون كل وزير مسؤول عن وزارته وتصريحاته". وأضافت البركي أن "هذا القرار أعطى صورة سيئة عن البلد المستضيف لفعاليات طرابس عاصمة للإعلام العربي، في حين أن رئيس الحكومة غير ملم بالقوانين الدولية وعلى رأسها الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه ليبيا ويضمن حرية التعبير وحق الإنسان في المعرفة والوصول إلى المعلومة".
وتساءلت البركي "هل يعلم رئيس الحكومة الوطنية أن الصحافي يمارس عمله بتكليف ضمني من المواطنين، حيث يسأل بلسانهم ويضطلع بمسؤولية نشر الحقائق، وأنه من حق أي مواطن ليبي معرفة ما يدور في بلده ومساءلة أي مسؤول حتى وإن كان رئيس البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إجراء تنظيمي
في المقابل، رأى عضو اللجنة التأسيسية لنقابة الصحافيين في ليبيا محمد الصريط، أن "قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية يأتي في إطار تنظيم العمل بين المسؤولين والصحافيين". وأكد أنه يساند هذه الآلية "شرط ألا تحد من مساحة العمل الصحافي"، مضيفاً أن "هذا القرار الذي يراه البعض في شكله الخارجي عائقاً أمام العمل الصحافي، ولكنه على العكس يعطي فرصة للصحافيين في الحصول على المعلومة من المصدر نفسه مباشرة".
وأوضح الصريط "نحن لن نقف ضد أي شكل إجرائي متعارف عليه ينظم العمل الإعلامي مع الشخصيات المسؤولة في الدولة، ولكن في المقابل يجب مراعاة جزئية ألا يدخل العمل الصحافي والحصول على المعلومة في حالة من العبثية". وقال إن "جميع القطاعات في البلد مرت بحالة من الفوضي حيث شاهدنا في أكثر من مناسبة رئيس الحكومة يدلي بتصريحات ليست في محلها ليخرج علينا بعدها وزير وينفي هذه الأمور، فالصحافي بحاجة إلى معرفة الحقيقة فقط".
حجب للشفافية
وتعليقاً على الموضوع، أكد عضو مجلس الدولة الاستشاري عادل كرموس أن "هذا القرار يتعارض والقوانين المحلية والدولية التي تكفل حرية التعبير وتنص على مبدأ الشفافية الذي يجب أن تلتزم به أي حكومة أو أي وزارة". وأوضح كرموس لـ"اندبندنت عربية" أن "المسؤول بصفة عامة، وزيراً كان أو رئيساً للحكومة مطالَب بالإفصاح عن أي معلومة تطلبها أي جهة إعلامية باعتبار أن الإعلام هو الوسيلة الرئيسة التي تنقل مشاكل وتساؤلات المواطنين، فالوزير أو المسؤول مطالب بإجراء أي تدخلات صحافية من دون الحاجة إلى موافقة رئيس الحكومة".
وأشار إلى أن "الهدف من هذا القرار هو حجب الشفافية عن المواطن الليبي، لأن الدبيبة بهذا القرار سيعود بالبلد إلى عهد الديكتاتورية التي انتفض ضدها الشعب الليبي في 2011، فالحكومات الديكتاتورية هي من تريد إخفاء المصداقية عن أعمالها. وقرار الدبيبة غير مقبول وسيبقى حبراً على ورق باعتبار أن بعض الوزراء لم يلتزموا به نهائياً منذ صدوره".