أثار إعلان رئيس الحكومة الوطنية عبدالحميد الدبيبة أخيراً إعادة فتح المعبر الحدودي بين ليبيا والسودان انقساماً داخل الشارع الليبي، فمن جهة يرى البعض أن "تفعيل العلاقات مع دول الجوار يعد أمراً مهماً بالنسبة لليبيا حتى لا تبقى في عزلة اقتصادية وأمنية وسياسية"، ومن جهة أخرى يؤكد البعض الآخر أن "قرار الدبيبة غير صحيح باعتبار أن الشريط الحدودي المشترك بين البلدين تستغله مجموعات مسلحة لتهريب البشر والسلاح وللتجارة الموازية".
وكان الدبيبة قد أعطى إشارة فتح الحدود بين البلدين خلال افتتاحه منتدى اقتصادياً في العاصمة طرابلس بعنوان "المنطقة الحرة لتجارة العبور" نظمته الغرفة الاقتصادية الليبية - السودانية المشتركة، الإثنين الماضي، وفق ما جاء على منصة "حكومتنا" التابعة للحكومة الوطنية.
كر وفر
وكان قائد القوات المسلحة بالشرق الليبي المشير خليفة حفتر قد سبق وأمر بإغلاق الحدود الليبية - السودانية التي تمتد لمسافة 382 كم (237 ميلاً) من النقطة الثلاثية مع مصر في الشمال إلى النقطة الثلاثية مع تشاد بالجنوب في يناير (كانون الثاني) الماضي، على خلفية ما وصف بتصاعد خطر نشاط فصائل المعارضة المسلحة السودانية على الشريط الحدودي مع ليبيا.
ويذكر أن المنفذ الحدودي بين البلدين يخضع لسيطرة قوات حفتر باعتباره يقع جنوب البلد وسبق وتم توقيع اتفاقية رباعية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر في مايو (أيار) عام 2018، بهدف تأمين الحدود المشتركة للحد من الجرائم العابرة للحدود، لكن هذه الاتفاقية بقيت حبراً على ورق بسبب عدم الاستقرار السياسي للبلدان المذكورة.
ويتساءل مراقبون عن "أهمية هذا القرار الذي لا يعدو أن يكون سوى مجرد قرار سياسي طوعه الدبيبة لتلميع صورة حكومته"، في حين يؤكد آخرون أنه "حان الوقت لتفتح ليبيا خطوط تعاون جديدة مع جيرانها من الناحية الجنوبية لأن كل المعاملات الاقتصادية والأمنية لا تتجاوز كل من تونس في الجهة الغربية ومصر في شرق البلد، وبخاصة أن السودان يتمتع بثروات مائية عذبة يمكن أن تسهم في تغذية النشاط الفلاحي في مدن الجنوب الليبي".
قفزة دعائية
وفي الصدد، قال المحلل السياسي محمد قشوط لـ"اندبندنت عربية" إن "الحدود الليبية مع السودان تخضع لسيطرة القوات المسلحة بالشرق، حيث تم تكليف كتيبة سبل من مدينة الكفرة الحدودية بتأمينها ومكافحة الهجرة غير الشرعية أو أي ظواهر سلبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع أن "حكومة الدبيبة لا تملك أساساً أي سلطة لإصدار قرارات بفتح الحدود لسقوط شرعيتها وانتهاء ولايتها وفق الاتفاق السياسي، فتصريح الدبيبة الأخير شبيه بالذي منح شيئاً وهو لا يملكه، وهو لا يعدو أن يكون سوى قفزة في الهواء".
وتساءل المحلل السياسي عن "أهمية هذا القرار، بخاصة في الوقت الحالي الذي يتميز بعدم الاستقرار السياسي والأمني في كل من البلدين، والأهم أنه لا توجد لليبيا شراكة اقتصادية حقيقية مع السودان".
ووصف قشوط في حديثه لـ"اندبندنت عربية" تصريح الدبيبة بـ"إعادة فتح حدود بين ليبيا والسودان بالدعاية السياسية لمحاولة إثبات وجوده بنقل صورة مزيفة بأنه الحاكم الفعلي الذي بإمكانه توقيع الاتفاقيات مع الدول وفتح أو غلق المعابر الحدودية، بينما على أرض الواقع لا يمتلك أي أداة من أدوات الشرعية، فحتى داخل المنطقة الغربية لم يعد بإمكانه التنقل لبعض المدن نظراً إلى عدم رغبة أبنائها باستمراره في المشهد السياسي".
قنوات اقتصادية
في المقابل، رحب المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية محمود الرملي بـ"تفعيل كل ما يتعلق بالاتفاقيات بين ليبيا ودول الجوار على غرار السودان الذي يتمتع بثروة حيوانية مهمة ومائدة مائية عذبة لكي تتشكل قوة حماية أمنية مشتركة بين البلدين تهيئ المجال لفتح قنوات اقتصادية جديدة".
وتابع أن "هذا القرار ولد من رحم اللقاءات الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين، والتي يأتي على رأسها الحوارات التي جمعت بين كل من وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش ونظيرتها السودانية مريم الصادق المهدي في عدة محافل دولية أبرزها مؤتمر (جنيف 2) ومؤتمر الجوار الليبي في الجزائر، حيث اعترف السودان بوجود مقاتلين له على الأراضي الليبية، ومن هنا ربما يكون هذا المعبر وسيلة لتسهيل عودة هؤلاء المقاتلين السودانيين بحيث لا يشكلون أي خطر على الاستقرار في ليبيا أو في السودان".
واستدرك الرملي قائلاً، "هل ليبيا فعلاً جاهزة لتأمين الحدود المشتركة بين البلدين، بخاصة أن الجنوب الليبي أضحى بوابة للهجرة غير النظامية وبيئة خصبة لنشاط الجماعات الإرهابية، لأن الواقع العملي يقول إن ليبيا تمر بإشكاليات عميقة في ما يتعلق بالبرنامج السياسي وتحتاج إلى خريطة زمنية واضحة، لذلك أصبح لزاماً على المجتمع الدولي، وبخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، أن يجدوا حلاً للأزمة الليبية التي يجب أن تبدأ بإنهاء جميع الحكومات المتصارعة والذهاب إلى تشكيل حكومة مصغرة تذهب بالبلد نحو انتخابات وطنية مبكرة".