"ضممت بين يدي كوباً من القهوة ليدفيني من لسعات الهواء الباردة، في منطقة متسعة تكسوها الرمال الذهبية، ليتسلل ضوء الشمس وقت الغروب بين خرطوم وجسد الفيل".
هكذا بدأت السائحة الكولومبية الشهيرة على "يوتيوب" كاتالينا كارلوس توثيق تجربتها وسط وقوعها في سحر "غروب جبل الفيل" في العلا السعودية، حيث تلتقي الرمال والجبال والشموع على أنغام الطبيعة الخلابة، وتضيف أنه "حينما ترسم الطبيعة لوحتها لا تكون كأية لوحة، بل تتحول إلى نموذج شامخ لا يمكن أن نعبر أمامه إلا بخضوع واستلهام".
وتروي كارلوس عبر مدونتها الإلكترونية كيف أن زوجها أبلغها بزيارة السعودية وخصوصاً العلا، وكانت غير متحمسة للفكرة بسبب آلاف الأميال بين كولومبيا والسعودية، "إلا أن بعض الأصحاب ممن سبق لهم زيارة المدينة والعمل في السعودية أغرونا بوصفهم المنطقة على أنها ذات رهبة وعظمة تراثية، تعود لآلاف السنين مما شجعنا على المضي نحوها، وكان ما شاهدنا أروع من أي وصف".
وأكملت السائحة تدوين تجربتها قائلة، "لم أصدق الآن أنني أحتسي قهوتي في مكان كقطعة ذهب في النهار وأمامي لوحة فنية طبيعية رسمتها الرياح وصقلتها الأيام، إذ ينهض هذا الجبل في قلب الصحراء على شكل فيل شامخ وسط محيط غني مثل بحر رملي ناعم مرصع بالنتوءات الصخرية الضخمة المذهلة التي تتخذ العديد منها أشكالاً كأنها كهوف، وكأننا نعيش في أحد العصور القديمة، ومع كل رشفة قهوة نستعيد تاريخها بخيالنا لنعيش لحظة جمالية من الماضي بينما نحن في غفلة من ضجيج المدنية المعاصرة".
رهبة المكان
ولم تكن السائحة الكولومبية وحدها من استوقفتها رهبة المكان، إذ عبرت الصحافية البريطانية في قناة "بي بي سي" ماجوري ودفيلد عن رهبتها منذ مشاهدة العلا من على متن طائرة مروحية، ووصفت منظر الجبال الشاهقة والسمعة التي كانت تطالها وترافق أي مكان تراثي في السعودية.
وتسرد ودفيلد قصتها عن زيارتها للعلا منذ وصولها والرهبة تسري بين أطرافها، إلا أنها ما إن فرشت بساطاً صغيراً ذو رسوم وألوان زاهية على الرمل في مقهى حول جبل الفيل والجبال تحفها من جميع الجوانب وقت غروب الشمس، حتى تسللت خيوط الشمس بين فتحات الجبل لترى المنظر البديع وهي تحتسي قهوتها في أعماق الرمال، وقالت "هذا مشهد لن أنساه أبداً، فما إن خيم الصمت والسكون على المكان وأرخى الليل سدوله بين الجبال حتى أدركت أني بحاجة إلى هذه العزلة عن ضجيج المدن، والاسترخاء لوحدي مع قهوتي لأعيش تاريخ المكان".
أهرامات السعودية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مارجوري إن "مدائن صالح" في العلا من أهم آثار الشرق الأوسط منذ القدم، حتى إن مؤرخين عرباً وغربيين وصفوها بـ "أهرامات السعودية"، كما استغربوا إهدار الفرصة السياحية لهذا الموقع الأثري العظيم الذي قد يدر على الموازنة السعودية ملايين الدولارات إذا تم استغلاله جيداً، وهو الأمر الذي تنبهت له البلاد أخيراً فأنشأت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، التي سيكون على عاتقها تحد كبير في تحويل هذا الموقع إلى مرجع سياحي عالمي، نظراً لافتقاره للبنية التحتية المناسبة. بحسب قولها.
تسلل بين الجبال
ووصفت مدونة السفر الفرنسية إيميلي شابانت الممر الضيق المؤدي إلى أحد مقاهي محافظة العلا بأنه "الطريق الذي ليس له شبيه، لقد شعرت خلال عبوري من الطريق الذي احتجنا كثيراً للانحناء كي لا تصطدم رؤوسنا بالصخور التي تضلله، وكأننا مستكشفون لكنز خفي، لنصل إلى نهاية الممر ونكتشف مساحة واسعة بين الجبال تحت أضواء الشموع، مما خلق لدينا شعوراً درامياً".
وتحدثت عن الأجواء الساحرة في مقهى "شلال كافيه" الذي يستحيل الوصول إليه بالسيارة، بسبب وجود ممر واحد بين الجبال بطول 300 متر، وتحتضن أرضه ما يزيد على 3 آلاف نخلة مثمرة، و1000 شجرة من الفاكهة، بخاصة الحمضيات التي تشتهر بها العلا، وقالت "أحببت فكرة المقهى المخفي بين الجبال، وسعدت أنهم لم يختاروا طريقاً سهلاً".
المحافظة على تضاريس المكان
وكذلك ذكرت المدونة الروسية نتالي عثمان بأن تجربة شرب القهوة في المقاهي المخفية بين جبال العلا تذكرها بمسكن الإنسان القديم بين الكهوف منذ آلاف الأعوام، إذ لم تحاول محافظة العلا تغيير أو تطوير المكان، فقط وضعت طاولات على أضواء الشموع وتركت لنا الطبيعة والتاريخ والتراث.
وقالت "لم نتوقع أن تكون بهذه الروعة، فنحن نسمع دائماً قصصاً من الناس لكن هذا أعظم بكثير مما توقعنا"، مضيفة "إنه مذهل وجميل".
وتقع محافظة العلا شمال غربي السعودية، حيث تقف على آثار حضارة قديمة تأمل السعودية في تحويلها وجهة سياحة عالمية في إطار سعيها إلى الانفتاح على العالم وتنويع اقتصادها بعيداً من النفط.
لماذا العلا؟
وباستثمارات بلغت مليارات الدولارات تقودها الدولة وشراكة ثقافية فرنسية، تتوقع السلطات أن تجذب منطقة العلا ملايين الزوار من السعوديين والأجانب على السواء في إطار برامج "رؤية السعودية 2030."
ويأتي تطوير العلا ضمن حملة لصيانة مواقع تراثية تعود لفترة ما قبل الإسلام بهدف جذب السائحين من كل الثقافات وتعزيز الهوية الوطنية وتخفيف النزعة المتزمتة التي هيمنت على السعودية لعقود، إذ سجلت قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) مدائن صالح، وهي مدينة يعود تاريخها لـ 2000 عام حين نحتها الأنباط في الصخور الصحراوية.
والأنباط قبائل عربية عاشت قبل الإسلام وشيدت أيضاً مدينة البتراء في الأردن.
وتؤدي واجهات متعددة الطوابق منحوتة بإتقان على الصخور الرملية الحمراء إلى غرف داخلية كانت تحتضن الجثث في السابق، وخلال الليل تتلألأ النجوم في الصحراء الشاسعة.
ولا يزال سكان العلا الأصليون يقومون بفتح المقاهي والمطاعم بين الجبال، لمشاركة تجربة الإحساس بعظمة المكان مع زوارهم، مما ساعدهم في توظيف بيئتهم الصخرية النادرة لجلب السياح.