توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يصل استهلاك الفحم في العالم كمصدر للطاقة هذا العام إلى مستويات تتجاوز الرقم القياسي للاستهلاك الذي سجل في عام 2013. وذكر تقرير للوكالة، ومقرها باريس، صدر الإثنين 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أن استهلاك الفحم يرتفع هذا العام 2022 بنسبة 1.2 في المئة عن العام السابق 2021. وهكذا يصبح هذا العام الثاني على التوالي الذي يشهد زيادة في استهلاك الفحم، على رغم التعهدات الدولية بالحد من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ باعتبار الفحم أكثر انبعاثاً للكربون من الغاز والنفط.
واتفقت الدول الموقعة على "اتفاقية الأطراف" للحد من التغيرات المناخية، وعددها 194 دولة من قبل، على الحد من استهلاك الفحم كمصدر للطاقة ضمن أهداف المناخ التي حددتها الأمم المتحدة، لكن العودة إلى تشغيل محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم بعد إخراجها من الخدمة زادت وتيرتها منذ العام الماضي. وجاءت الحرب في أوكرانيا لتزيد من هذا التوجه مع أزمة الغاز في أوروبا.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن تستمر الزيادة في استهلاك الفحم العام المقبل والعام الذي يليه 2024. ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن كيزوكي ساداموري من وكالة الطاقة الدولية قوله، "يظل الطلب على الفحم قوياً ويتوقع أن يصل إلى مستوى غير مسبوق هذا العام، مما يزيد من الانبعاثات حول العالم، وكان التقدير أن العالم وصل إلى ذروة استهلاك الوقود الأحفوري، وأن الفحم سيكون أول ما يشهد تراجعاً في الاستهلاك، لكن ذلك لم يحدث".
أزمة أوروبا
وبحسب تقرير الوكالة يتوقع أن تصل الزيادة في استهلاك الفحم في أوروبا الأكبر هذا العام، وذلك نتيجة توقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إما نتيجة استخدام الطاقة كسلاح في الصراع في أوكرانيا أو نتيجة العقوبات المتتالية التي تفرضها أوروبا على موسكو بسبب الحرب.
وارتفع الطلب الأوروبي على الفحم بقوة قبل فصل الشتاء، وبخاصة الاستيراد الأوروبي من أستراليا وجنوب أفريقيا وكولومبيا. وتقدر الوكالة أن يصل إنتاج الدول الثلاث الكبار في سوق الفحم، وهي الصين والهند وإندونيسيا إلى أعلى مستوى له هذا العام، وذلك بسبب زيادة الطلب المحلي لدى المنتجين الثلاثة الكبار.
ومع استمرار زيادة الدول الأوروبية استثماراتها في إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تبدأ التجارة في الفحم الحراري ليصل الانخفاض إلى نسبة 10 في المئة في الفترة من الآن، وحتى عام 2025.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المتوقع ألا يزيد إنتاج الفحم بالقدر الذي يلبي الطلب المتزايد عليه كمصدر للطاقة، بخاصة في أوروبا وأميركا إلى جانب الطلب المحلي في الاقتصادات الآسيوية. وتوقعت شركة "بومي ريسورسز" الإندونيسية الأسبوع الماضي أن يرتفع الطلب على الفحم الحراري المشحون بحراً بالناقلات العام المقبل 2023 بنسبة ما بين 3 و4 في المئة.
وأرجعت الشركة ذلك إلى تراجع الاستثمارات في إنتاج الفحم وتردد البنوك والمؤسسالت المالية في تمويل مشروعات إنتاج الفحم لتعارضها مع التزاماتها بالحفاظ على البيئة. ونقلت "غلوبال كوموديتيز إنسايتس" عن ديليب سريفاستافا المدير في الشركة الإندونيسية قوله، "تحد الهيستريا في شأن التغيرات المناخية من استعداد البنوك والصناديق الاستثمارية للدخول في قطاع الفحم، وهذا ما يجعل الإنتاج محدوداً في مقابل زيادة الطلب، بالتالي ستظل الأسعار مرتفعة في عام 2023".
وبحسب تقديرات "أس أند بي غلوبال" فإن متوسط أسعار الفحم منذ بداية هذا العام، وحتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) ارتفع بنسبة تزيد على 61 في المئة ليصل إلى أكثر من 181 للطن المتري بإضافة ستة آلاف كيلو سعر حراري لكل كيلوغرام. كان سعر الطن المتري من هذا النوع وصل إلى أعلى مستوى غير مسبوق في شهر يونيو (حزيران) عند 432.5 دولار.
أوكرانيا وما قبلها
وعلى رغم أن الحرب في أوكرانيا مطلع هذا العام زادت من الطلب على الفحم عالمياً بسبب ارتفاع الطلب الأوروبي، فإن العودة إلى استخدام الفحم تعززت في العام الماضي 2021، أي قبل الحرب. وارتفعت الأسعار العام الماضي بمعدلات وصلت إلى نسبة 137 في المئة في أوقات ذروة الطلب مع محدودية العرض.
وأعادت دول كثيرة، مثل ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم صيف العام الماضي مع أزمة طاقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتوقف الرياح، مما جعل إمدادات الشبكات من توربينات الرياح تنخفض إلى أدنى مستوى.
قدرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير سابق لها عن سوق الفحم العالمي منتصف هذا العام أن الزيادة في إنتاج الطاقة من محطات تعمل بالفحم وصلت إلى نسبة تسعة في المئة العام الماضي 2021. وزاد الطلب العالمي على الفحم، بما في ذلك المستخدم في توفير الطاقة لصناعات الصلب والأسمنت، بنسبة ستة في المئة في 2021 ليصل إلى ثمانية مليار طن متري من الفحم الحراري.
ومعروف أن الانبعاثات الكربونية من حرق الفحم لتوليد الطاقة تصل إلى ضعف تلك المنبعثة من الغاز ومشتقات، حيث إن إنتاج مليون وحدة حرارية بريطانية من الطاقة بحرق الفحم ينتج عنه 103 كغم من ثاني أكسيد الكربون، بينما هذا الرقم بالنسبة لحرق الديزل أو زيت التدفئة "مشتقات النفط" هو 74 كغم، وللبنزين عند 70 كغم أما بالنسبة إلى الغاز الطبيعي فهو 53 كغم فقط.
وكانت العودة إلى استخدام الفحم بدلاً من وقف استخدامه نهائياً في توليد الطاقة سبباً في زيادة تحذيرات خبراء المناخ في الأمم المتحدة من أن العالم يفوت الفرصة لمواجهة التغيرات المناخية إلى الأبد.