إذا كنتم من محبي ارتياد صالات الفن ولديكم الرغبة في الاستمتاع بتجارب مختلفة، فغاليريهات القاهرة عامرة دائماً بالجديد. إليكم سبعة معارض فنية استضافتها غاليريهات حي الزمالك في العاصمة المصرية أخيراً لعدد من الفنانين. ونبدأ بمعرض الفنان محمد عبلة في غاليري مصر الذي أقيم تحت عنوان "ليالي المدينة". وكما يشير عنوان المعرض فللأعمال علاقة وطيدة بالمدينة وشوارعها. هنا القاهرة بزحامها ودفئها وألقها المعتاد، وتناقضاتها أيضاً. وها هو ذا محمد عبلة يرصدها وهي ساهرة، تلمع في شوارعها أضواء النيون والإعلانات. في اللوحات بشر عابرون في عجالة وعاشقون يستأنسون بمشهد النيل فوق الجسور، ودراجات نارية نكاد نسمع ضجيجها. هي لوحات مرسومة بمزيج من العشق والشجن وبخطوط سريعة وضربات فرشاة تشكل ملامح هذه المدينة، ذات الألف وجه. الأمر ليس غريباً على محمد عبلة، فرصده المدينة يشكل مساراً محورياً ومهماً في تجربته، وهو مؤرخ بصري للقاهرة عن جدارة كما يصفه الكاتب الصحافي المصري سيد محمود.
على بعد خطوات قليلة من غاليري مصر ثمة مساحتا عرض متجاورتان ومحتوى مختلف في غاليري أبونتو. المعرض الأول للفنان السوداني معتز الإمام، والآخر للفنان مينا ميلاد. معرض معتز الإمام تحت عنوان "عميقاً في الجذور" وهو يضم عدداً كبيراً من الأعمال التصويرية. على رغم وفرة الأعمال لا يترك لنا الفنان هنا مجالاً للسأم، فكل لوحة تمتلك عالمها الخاص، في تنوع معتاد لأعماله ومعارضه، وهو تنوع سخي حتى في مساحات اللوحات. في المعرض ثمة أعمال بعرض يزيد على الأمتار الخمسة، وأعمال أخرى لا تتجاوز مساحتها نصف المتر. لوحات معتز الإمام هذه المرة متخمة بالأخضر ومزينة بإضاءات من البرتقالي المزهر والأزرق والأصفر، وثمة وجوه مطلة وأجساد غير مكتملة تتداخل تفاصيلها مع تشكيلات النباتات في الخلفية، ويفرض حضورها أجواء غامضة على المشهد.
تفاصيل فنية
المعرض الآخر للفنان مينا ميلاد بعنوان "مكان الحق"، في هذا المعرض تستقبلك لوحة كبيرة لمشهد يتصدره رجل وحمار. تستوقفك براعة الفنان هنا في رسم التفاصيل، وحين تستمر في مطالعة بقية الأعمال تدرك أنك أمام رسام موهوب وبارع يعرف جيداً كيف يصوغ المشهد وينتقي من بين التفاصيل الهامشية ما يحقق المعنى. تسلط الأعمال الضوء على العاملين في أحد المواقع الأثرية. "مكان الحق" في الحروف المصرية القديمة هو الاسم المصري القديم لقرية دير المدينة في صعيد مصر، والكائنة على الضفة الغربية لنهر النيل مقابل مدينة الأقصر الحديثة أو طيبة القديمة. تعرف القرية بأنها موطن الحرفيين والعمال الذين قاموا ببناء وتزيين مقابر وادي الملوك والملكات في العصر المصري القديم. الأعمال المعروضة تعكس تجربة الفنان مينا ميلاد كعضو في فريق البعثة الأثرية التابعة للمعهد الفرنسي للآثار الشرقية في هذه المنطقة الأثرية.
وفي غاليري ديمي القريب يعرض الفنان محمد الدمراوي مجموعة من الأعمال تحت عنوان "الجاز". اللوحات هنا مزدحمة بتجمعات لأجساد بشرية مرسومة بخطوط سريعة ومختزلة. أعطى الفنان لكل لوحة اسماً مختلفاً مثل ليلة الحنة، ورقص أفريقي، وأم كلثوم. في اللوحة الأخيرة مثلاً تستطيع أن تلمح وجهاً لسيدة الغناء العربي محاطاً بجمهورها وفرقتها الموسيقية. وفي لوحة بعنوان "جاز" وهي التي استلهم منها اسم المعرض، يرسم الفنان مجموعة من عازفي الجاز على خلفية من اللون الأخضر، في هذه اللوحة عليك التفرس في التفاصيل جيداً كي تفك الاشتباك بين أجساد العازفين. فاللوحة كغيرها من اللوحات المعروضة مرسومة بخطوط سريعة تختزل الأشكال مع تقشف واضح في اللون.
مغامرة بصرية
وإلى غاليري الزمالك الذي استضاف معرضين للفنانين عماد إبراهيم وسام شندي. معرض عماد إبراهيم يحمل عنوان "دوامات الزمن" وهو هنا يخوض مغامرة بصرية مختلفة عن سياق تجربته. استغرق إبراهيم في هذه المغامرة البصرية الجديدة لفترة قبل عرض ثمارها. في هذه التجربة الجديدة اعتمد الفنان في تشكيل لوحاته على أوراق الشجر عنصراً وحيداً يتكرر وفق سياق يحدد هيئة المساحات. الأمر هنا ليس له علاقة بالطبيعة الزخرفية التي يفرضها التكرار أو التماثل، فمن طريق هذا العنصر النباتي يتشكل مشهد بازخ من الدرجات اللونية، وعبر التلاعب في حجم الورقة يتجلى الإيهام بالعمق والمساحة. تشاهد هنا تجربة جديدة لفنان صاحب حس بصري متميز، وهي تجربة تتشكل بداياتها في هذه اللوحات، وقد تتخذ مسارات مختلفة لاحقاً.
المعرض الآخر في الغاليري نفسه للفنان سام شندي بعنوان "صورة شخصية" وهو يحتفي بهيئة الوجه وتكوينه كجانب مهم من الهوية الشخصية، غير أن معالجات الفنان للوجه هنا لا تحفل بالملامح أو التفاصيل والتعبيرات، فهي تفرض ملمحاً محايداً مشتركاً. الاختلاف بين الأعمال في طريقة البناء والتمايز بين الدرجات اللونية التي يوظفها الفنان في لوحاته التصويرية. تتشارك أعمال التصوير مع المجسمات النحتية للوجوه في هذا الحياد، فجميع الأعمال تكاد تحمل تعبيراً واحداً يذكرنا بصور الوجوه على بطاقات الهوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المعرض الأخير في قاعة بيكاسو وهو معرض نحت للفنان محمود الدويحي تحت عنوان "كيان"، ويعرض فيه مجموعة متنوعة من أعماله النحتية على حجر الغرانيت الأسود. يمكن هنا أن نلمح تأثراً لافتاً بمعالجات المثال المصري الراحل آدم حنين، فصاحب المعرض هو واحد من تلاميذ حنين. محمود الدويحي فنان متمكن من أدواته ولديه القدرة على التعامل مع الخامة الصعبة لأحجار الغرانيت وتحويلها إلى مجسمات ذات أسطح مصقولة وبأحجام ونسب مختلفة. وعلى رغم تأثر الدويحي بأستاذه فثمة سعي للتميز يمكن ملاحظته أيضاً في بعض المعالجات، وهو سعي قد يؤشر إلى تجارب لاحقة مختلفة، فلننتظر تجاربه التالية، إذ يمكن أن تمثل انعطافة مهمة لفنان موهوب وقادر بالفعل على الخروج من عباءة معلمه.