لطالما كانت العمارة أداة للسياسيين لترك بصمة أثناء فترات رئاستهم، ومن هنا انطلقت الحكاية. عندما انتُخب فرانسوا ميتران رئيساً لفرنسا في عام 1981، وضع خطة طموحة لمجموعة متنوعة من مشاريع البناء. كانت أحداها تجديد متحف اللوفر الذي كان يفتقد الكثير من الخدمات ويعاني التهالك العمراني وتكدس الزائرين.
اختار الرئيس فرانسوا ميتران، المعماري الأميركي ذا الأصول الصينية " أي إم بي" للمشروع. فقد كان ميتران معجباً جداً بامتداده الحداثي للمعرض الوطني للفنون في واشنطن لدرجة أنه أصرّ على اختياره لتلك المهمة.
الرحلات السرية
عيّن ميتران موظفاً مدنياً اسمه إميل بياسيني للإشراف على المشروع. بعد زيارة المتاحف في أوروبا والولايات المتحدة، بما في ذلك المتحف الوطني الأميركي، طلب من "بي" الانضمام إلى الفريق.
قام المعماري "بي" بثلاث رحلات سرية إلى باريس، لتحديد جدوى المشروع؛ كان هناك موظف واحد فقط في المتحف يعرف سبب وجوده هناك. وافق بي أخيراً على أن مشروع إعادة الإعمار لم يكن ممكناً فحسب، بل ضروري لمستقبل المتحف. وهكذا أصبح أول معماريّ أجنبي يعمل على متحف اللوفر.
قرّرت حكومة ميتران في ترميم هذا الهرم دمج الحداثة بالكلاسيكية، الأمر الذي واجه الكثير من النقد والجدل وهي جدلية قديمة تمرّ على معظم المجالات الفنية والحياتية وهي بين الأصل والحداثة
هرم اللوفر (Pyramide du Louvre) هو هرم زجاجي ومعدني كبير، محاط بثلاثة أهرامات صغيرة، في الفناء الرئيس فناء نابليون (Cour Napoléon) في قصر اللوفر (Palais du Louvre) في باريس. ووقف ميتران إلى جانب المهندس المعماري ضد الاحتجاج الضخم الذي واجه هذا الهرم الزجاجي، الذي كان يطلق عليه ذات يوم بالتصميم "الفظيع" من قبل صحيفة لو فيجارو الفرنسية، قد تغلب مؤخراً على برج إيفل كصورة مثالية على البطاقات البريدية لباريس. وصفه جان لوك مارتينيز، مدير رئيس متحف اللوفر، بأنه "الرمز الحديث للمتحف".
تحمّل المصمم الصيني الأميركي الكثير من النقد قبل افتتاح الهيكل الزجاجي العملاق في عام 1989، حيث قيل إن ما يصل إلى 90 في المئة من الباريسيين عارضوا المشروع في وقت ما.
مع ذلك، في النهاية، حتى الناقد الصارم للحداثة، الأمير البريطاني تشارلز، أعلن أنها "رائعة".
الجدل
واحتفلت صحيفة لو فيجارو الفرنسية أخيراً، التي قادت الحملة ضد التصميم "الوحشي"، في ملحق في الذكرى العاشرة لافتتاحه.
في العام الماضي، استقبل متحف اللوفر أكثر من 10 ملايين زائر.
وقام المتحف مؤخراً بالتعاون مع تطبيق إير بي أند بي (airb&b) بإتاحة الفرصة لقضاء ليلة تحت الهرم، والعشاء بين أبرز الأعمال الفنية شرط الإجابة عن السؤال "لماذا تعتقد أنك الضيف المناسب للموناليزا؟!".
ويثار جدل معماري هذه الفترة حول كيفية ترميم كاتدرائية نوتردام بعد أن أصابها حريق كارثي هناك قبل بضعة أشهر، إذ انهار السقف وأجزاء من الكنيسة.
هل يجب إعادة بناء الكاتدرائية تماماً كما كانت؟ أو يجب أن تكون هذه فرصة لبناء شيء معاصر وجديد؟ فقد أشيع عن بدء محادثات مع المعماري الشهير سانتياغو كالاترافا ذي الأسلوب الحداثي المبهر. وهنا سيواجه ماكرون السيناريو نفسه الذي عاشه ميتران لوضع بصمة خالدة تحت صراع الحفاظ على الإرث المعماري والابتكار والحداثة.
نعود للمعماري المخضرم أي إم بي الأميركي ذي الأصول الصينية وعن شجاعته للقيام بمثل هذا العمل فقد قال "لقد تلقيت العديد من النظرات الغاضبة في شوارع باريس"، معترفاً بأنه "بعد متحف اللوفر اعتقدت أنه لن يكون هناك أي مشروع صعب للغاية".
توفي أي إم بي في مايو (أيار) الماضي وقد خلّف من بعده الكثير من الأعمال العظيمة ذات الأثر المجتمعي والتحوّل الوطني.