امتحان التطبيق العملي لجوهر "اتفاق بكين"

ما هو "التغيير الجوهري في الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط" الذي رآه الدكتور هنري كيسنجر، بحسب مقال للمعلق الأميركي ديفيد إغناتيوس في "واشنطن بوست"؟ هل هو قوله إن "السعوديين باتوا يوازنون أمنهم من خلال اللعب على التوترات الأميركية - الصينية"؟ أم هو في الترجمة العملية للاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية وإطلاع أميركي؟ ماذا عن تركيز أطراف محددة في قراءة الاتفاق على ما تريده، وهو التركيز على إبعاد الرياض عن واشنطن؟ وماذا عن الانطباع السائد إقليمياً ودولياً أن أميركا زرعت في بغداد وعُمان بجهود رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي والسلطان هيثم وأن الصين حصدت في بكين؟

لا مجال للخطأ في قراءة الاتفاق، وإن كان الخطأ المقصود سهلاً، ولا ضرورة لانتظار ما لم يتم الإعلان عنه لرؤية الصورة وهي تتبلور. ففي البنود المعلنة من الاتفاق واحد هو حجر الأساس في البنية المرشحة للتغيير، وهو ميزان الامتحان العملي لتطبيق الاتفاق في إطار "التغيير الجوهري"، إنه بند "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، والكل يعرف أن المشكلة كانت المشروع الإقليمي لإيران على حساب سيادة الدول العربية وشؤونها الداخلية، في حين أنه ليس لدى السعودية مشروع على حساب إيران، ولا للهيمنة على أحد بل للتنمية والتطور وضمان المستقبل الجيد للجميع. فإلى أي حد يمكن تطبيق هذا البند الجوهري؟ وهل تتخلى طهران عن مشروعها الإقليمي الذي تعمل له منذ 40 عاماً وتنفق عليه وتخوض من أجله كل أنواع المعارك؟

ليس سراً أن طهران فاخرت غير مرة بأنها تحكم أربع عواصم عربية، ولا أن تصدير "الثورة" هو من مهام الحرس الثوري بحسب دستور الجمهورية الإسلامية، وليس نفي "حزب الله" في لبنان مثلاً أي تدخل لإيران في شؤون لبنان سوى محاولة لتغطية الشمس بالأصابع، فلا قوة إقليمية فعلت مثل ما فعلته إيران، لا مصر أيام الرئيس جمال عبد الناصر وزعامته العربية الواسعة أنشأت ميليشيات مسلحة تابعة لها في أي بلد عربي، ولا سوريا أيام الرئيس حافظ الأسد ودوره كلاعب إقليمي أقدمت على تسليح فروع حزب البعث في البلدان العربية، ولا العراق أيام الرئيس صدام حسين سلّح وموّل ميليشيات في أي بلد عربي، لكن إيران أنشأت "حزب الله" في لبنان وموّلته وسلّحته، و"الحشد الشعبي" في العراق، وميليشيات في سوريا أضافت إليها بعض فصائل "الحشد" ومعها لواء "زينبيون" من باكستان و"فاطميون" من أفغانستان، وسلحت ميليشيات الحوثيين في اليمن. وإذا لم يكن هذا تدخلاً في الشؤون الداخلية على حساب سيادة الدول، فماذا يسمى، وكيف يكون التدخل؟

المرشد الأعلى علي خامنئي قال بصراحة أخيراً إن "محاولات القضاء على النظام هي بسبب الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية التي أخرجت المنطقة المهمة والمملوءة بالفوائد من قبضة الغرب". فهل دقت ساعة الانتقال من الدور الإقليمي الذي يسبب الخطر على النظام إلى دور بناء الدولة وحل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب الإيراني؟

"اتفاق بكين" هو نظرياً خطوة على هذا الطريق الذي يضمن مصلحة الدولة والشعب، والرهانات على نقلة سعودية من مكان الى آخر رد عليها مسؤول سعودي بالقول إن "استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران لا يعني أننا حليفان"، وإن "الولايات المتحدة والصين شريكان مهمان للغاية ونأمل بالتأكيد في ألا نكون طرفاً في أي منافسة أو نزاع بين القوتين". وقد تم "إطلاع المسؤولين الأميركيين قبل سفر الوفد السعودي إلى بكين، وقبل الإعلان عن الاتفاق".

والكلام للوقائع خلال شهرين، ولما بعدهما على مدى سنين، والزمن هو للحوار والتفاعل بين الشعوب والأديان، وليس لما سماه خامنئي "التركيز على الخط الفاصل بين العالم الإسلامي وعالم الكفر والاستكبار".