ملخص
ما الخطيئة الرئيسة للإعلانات الهجومية المسيئة للسمعة التي ينشرها الآن #حزب_العمال في #بريطانيا ضد الحكومة و #حزب_المحافظين
ليست لدي مآخذ على الحملات السياسية السلبية الشرسة وغير المبدئية (لأسباب ليس أقلها أنها لن تتوقف فجأة)، لكن إذا ما كان يجب المضي قدماً فيها، فمن الحري القيام بها على النحو الصحيح. هذه هي الخطيئة الرئيسة الحقيقية للإعلانات الهجومية المسيئة للسمعة التي ينشرها الآن حزب "العمال".
هذه الإعلانات وقف ضدها نحو خمسة نواب من الحزب البريطاني المعارض، إضافة إلى عدد كبير من الناشطين الذين أعربوا عن استيائهم منها، مما يعد أمراً مفهوماً بما فيه الكفاية.
إلا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى حزب "العمال"، هو أن عدداً قليلاً للغاية من رفاق زعيم الحزب كير ستارمر في المقاعد الأمامية في البرلمان (الذين يتولون مناصب في حكومة الظل)، قد أعربوا عن أي دعم على الإطلاق، واختاروا في الواقع التزام موقف هادئ للغاية.
حتى وزير العدل في حكومة الظل ستيف ريد، ذهب إلى حد الإدلاء بتعليق معقول حول حقيقة أن نحو 4 آلاف شخص كانوا قد دينوا بارتكاب جرائم اعتداء جنسي على أطفال، قد تفادوا السجن، وتركوا "أحراراً يتجولون في الشوارع" في ظل عهد حزب "المحافظين" منذ عام 2010. وقال في هذا الإطار إن "هذه الأرقام ستبث الهلع في أرجاء البلاد. فالضحايا مرتعبون، ويطغى عليهم قلق دائم من احتمال حدوث أمر سيئ لهم. هذا هو الواقع في ظل حكم حزب ’المحافظين‘". لكن ريد لم يقل إن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك نفسه يعتبر أن هذا هو المنحى السليم للأمور، لأن من الواضح هو ليس كذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد سادت على الأثر، حال من الفوضى الواضحة على المقاعد الأمامية للحزب، ونشبت حرب من التصريحات والإحاطات الإعلامية، في وقت نفت فيه وزيرة الداخلية في حكومة الظل "العمالية" إيفيت كوبر علمها بالإعلان، فيما أفادت إحاطة مضادة مجهولة المصدر، بأنها كانت عديمة الفائدة وتواجه احتمال الخسارة في التعديل الوزاري المقبل لمصلحة ويس ستريتينغ (وزير الدولة لشؤون الصحة والرعاية الاجتماعية في حكومة الظل).
في المقابل، أشارت لوسي باول وزيرة الثقافة في حكومة الظل، بأسلوب ماهر، إلى أن الإعلانات لا تروق لأذواق الجميع، في حين أن إميلي ثورنبيري المستشارة القانونية لحكومة الظل "العمالية"، تخبطت في ديباجة قانونية معقدة، في شأن من كان يدير سياسة إصدار الأحكام قبل عقد من الزمن، في الوقت الذي كان فيه [زعيم الحزب الحالي] كير ستارمر مديراً للادعاء العام في إنجلترا وويلز. وبالتالي، انتهى النقاش بجر ستارمر إلى خانة الارتباك.
ومن المفارقات وفقاً لإحاطات أخرى، أن ستارمر أيضاً لم يكن على دراية بما هو آت: وهو نشوب جدال آخر على التفاصيل الدقيقة لسياسة العدالة الجنائية خلال الأعوام الأولى لإدارة ديفيد كاميرون (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق)، ودوره فيها.
فقد كان لديه خيار: إما أن يقيل أي شخص مسؤول عن تلك الفوضى، أو أن يدعي بأنها كانت فكرته الرائعة والمؤثرة في المقام الأول، وبأنه يتحمل مسؤولية كل كلمة يقولها ويتمسك بها.
فضل الخيار الثاني، في سعيه إلى استقطاب الناخبين، وفك ولائهم التقليدي المعهود (لحزب "المحافظين"). وعلى هذا النحو، بدت سلسلة الأخطاء الفادحة كأنها استراتيجية "مانديلسونية" ماكرة (نسبة إلى بيتر مانديلسون وزير الخارجية "العمالي" الأسبق).
وعلى رغم ذلك، لم يخدم هذا الإعلان حزب "العمال" كما يجب، حتى لو تمكن من تسليط الضوء على سجل حزب "المحافظين" في القانون والنظام. وقد قام بذلك بكلفة ضئيلة، وبأقصى مقدار من التضخيم على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسة.
لكن، تسبب هذا الإعلان بحدوث انقسام داخل حزب "العمال" بلا داع، وأدى في نهاية المطاف في ما يخص الناخبين إلى إحداث مجرد "ضوضاء". ويسود في الواقع شك في أنه ساهم في تغيير آراء كثير من الناخبين، وربما تسبب في نفور مؤيدي حزب "العمال" الذين كانوا يتوقعون أداء أفضل. كانت هناك بالتأكيد أمور أخرى أفضل يمكن القيام بها في عيد الفصح.
مع ذلك، فإن الحملات السلبية في الواقع تنجح، وهي حقيقة من حقائق الحياة. وهذا هو أحد أسباب نجاح حزب "المحافظين". فهؤلاء وحلفاؤهم في الصحافة البريطانية، اعتمدوا تلك التكتيكات الدنيئة لفترات طويلة من الزمن.
وفي هذا الإطار، ماذا عن محاولة بوريس جونسون رئيس الوزراء الأسبق تشويه سمعة كير ستارمر بموضوع جيمي سافيل (أخطر متحرش جنسي متسلسل)، وتحريض الغوغاء على مهاجمته؟ وماذا عن أن إد ميليباند [الزعيم السابق لحزب العمال] وهو داخل جيب [الزعيم السابق لـ ’الحزب القومي الاسكتلندي’ SNP] أليكس ساموند؟ وماذا عن الهجمات الشخصية على رئيس الوزراء "العمالي" غوردون براون في عام 2010؟ وعن توني بلير "بعيون شيطانية"؟ (ملصق رئيس استخدمه "المحافظون" في الحملة الانتخابية ضد الزعيم "العمالي") وكذلك ماغريت ثاتشر عندما أطلقت على النقابات (بالتالي حلفاء الاتحادات) في الحركة الأوسع لحزب "العمال"، تسمية "العدو الداخلي"؟
ربما ينبغي ألا نتفاجأ بأن الإعلان الذي يهاجم ريشي سوناك (نشرت صورة لرئيس الوزراء البريطاني مع نص يتساءل عما إذا كان يعتقد بأن البالغين المدانين بالاعتداء الجنسي على الأطفال يجب أن يذهبوا إلى السجن) قيل إنه كان من عمل مجموعة "فصيل ديني" مؤلفة من مسؤولين سابقين في حزب "المحافظين" انقلبوا على حزبهم وهم على تواصل مع حزب "العمال" للمساعدة في صياغة استراتيجية الانتخابات. وهذا ما يفسر الافتراء غير المعهود في الإعلان.
حتى ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل، الذي كان من المفترض أن يكون مدركاً للأمور بشكل أفضل، قال في بث إذاعي في عام 1945 أن كليمانت أتلي (الذي كان نائب رئيس وزرائه في فترة الحرب وخاض حملة ضده في عام 1945) وحزب "العمال" سيحتاجان لـ "غستابو" (قوة الشرطة السرية النازية) لتنفيذ برنامجهما الاشتراكي. وفي الواقع، لقد قاما بذلك من خلال اللجوء إلى فرض ضرائب مرتفعة وإصدار قسائم تموينية، لكن من دون شرطة سرية.
إنها قصة قديمة ومألوفة للغاية. ففي السنة المقبلة تحل الذكرى المئوية لتأسيس أول حكومة "عمالية" أمسكت بزمام الدولة بقيادة رامزي ماكدونالد. لقد كانت حكومة أقلية ولم تعمر طويلاً. وقد ساهمت عوامل عدة في إسقاطها ومنها رسالة زينوفييف الغريبة.
ويقال إن الرسالة بعث بها السياسي الروسي (أو البولشيفي) غريغوري زينوفييف رئيس "الأممية الشيوعية" Communist International آنذاك، إلى سياسي شيوعي بريطاني. وقد طغى ما عرف بـ "الذعر الأحمر" على البلاد (مصطلح يستخدم لوصف فترة الذعر في مطلع القرن الـ20، من جهات ينظر إليها على أنها شيوعية أو اشتراكية) لكن تبين أن الرسالة كانت ملفقة. وكانت أشبه بتغريدة هجومية فيروسية في حينه، إلا أنها أحدثت بعض التأثير.
الحقيقة هي أن السياسة كانت دائماً موضع انتقاص من شأنها، ولطالما قلل جميع ممارسيها من مكانتها وقيمتها، حتى لو كان "المحافظون" - بتعاون وثيق مع أصدقائهم في الصحافة - هم الأكثر كفاءة في إتقان مثل هذه الفنون المظلمة.
وقد كان بطل حزب "العمال" الورع ناي بيفان هو الذي وصف "المحافظين" بأنهم "أقل من حشرات طفيلية"، تماماً كما تصفهم الآن أنغيلا راينر (وزيرة الخزانة في حكومة الظل) بـ"الحثالة". إلى ذلك، جاء ملصق نايجل فاراج [زعيم حزب الاستقلال البريطاني ’UKIP’] بعنوان "نقطة الانهيار" Breaking Point المناهض للاجئين، ليشكل لحظة مهينة في حياته السياسية.
كذلك كانت حافلة "بريكست" (وقف أمامها بوريس جونسون أثناء حملة الترويج لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) المطالبة "بتخصيص مبلغ 350 مليون جنيه استرليني التي تدفع لبروكسل أسبوعياً لقطاع ’الخدمات الصحية الوطنية‘"،التي تلقت حملة "صوتوا للمغادرة" Vote Leave توبيخاً على أثرها من قبل إحصائيين وطنيين. حتى منشورات الانتخابات المحلية لحزب "الليبراليين الديمقراطيين" ورسوماتها البيانية المضللة الشهيرة، عملت على دفع السياسات الانتخابية بعض الشيء نحو ممارسات مخزية وسيئة السمعة.
لا بد من القول أخيراً إن السياسة هي، في كثير من الأحيان، لعبة تتمثل في "الانحناء بهدف تحقيق الغلبة" Stoop to Conquer. إلا أنه نادراً ما كان القادة السابقون لحزب "العمال" البريطاني ينحنون، لكنهم نادراً أيضاً ما كانوا يحققون الفوز.
© The Independent