ملخص
ارتفع عدد العملات الرقمية من سبع عملات في بداية انطلاقها قبل أكثر من 10 سنوات إلى أكثر من 2500 عملة في الوقت الحالي.
تصاعدت مساع دولية في السنوات الأخيرة إلى إنهاء هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي والمعاملات التجارية والاحتياطات النقدية، عبر انتهاج وسائل حديثة وإدخال التكنولوجيا المالية كأحد الأسلحة في هذه الحرب.
وجاءت تلك المساعي في ظل استياء بعض الدول، لا سيما الصين وروسيا، من استخدام العملة الخضراء كسلاح سياسي، بدلاً من كونها عملة تجارية دولية.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022 انتعشت الآمال نحو التخلص من الدولار الأميركي، في ظل تزايد حدة الصراع وتفعيل عقوبات مالية كبدت الاقتصاد الروسي خسائر فادحة، وهو ما طرق الباب أمام إتاحة بدائل لا تخضع لهذه العقوبات مثل التكنولوجيا المالية و"البلوكتشين".
وتحركت البنوك المركزية في عدد من دول العالم نحو استخدام العملات الرقمية في المعاملات المالية، وبدأت تظهر في الآونة الأخيرة تحركات ملموسة من بكين وموسكو مع طول أمد الحرب في أوكرانيا، وتغلل العقوبات التي فرضت على روسيا لتهدد التجارة الدولية للنفط التي تتم بالدولار.
وفي هذا الصدد قال محللون لـ"إندبندنت عربية" إن تفعيل العملات الرقمية أحد أبرز الحلول الممكنة المتاحة للتغلب على العقوبات المفروضة على أية دولة وسط هيمنة أحد أطراف الصراع التجاري (المتمثل في الصين) على التكنولوجيا المالية، بالتالي يتهدد معها وضع الدولار الأميركي وإمكان فقدانه مكانته في وقت قريب، لا سيما مع تزايد تنافسية الشركات الصينية في مجال التكنولوجيا المالية، التي يعد المستهلكون الصينيون أكثر مستخدميها.
توسع مرعب
وتتوسع سوق العملات الرقمية بشكل مرعب بعدما ارتفع عددها من نحو سبع عملات في بداية انطلاقها قبل أكثر من 10 سنوات من الآن، ليقترب عددها في الوقت الحالي من 2500 عملة، ومع إعلان بعض الدول والحكومات إطلاق عملات رقمية ودخول شركات مثل "فيسبوك" فإن المخاوف بدأت تحاصر الدولار الذي يعد العملة الأقوى عالمياً، لكن ينتظره مصير غامض مع هذا التوسع الكبير في سوق العملات الرقمية.
ويأتي ذلك في وقت يشهد النظام المالي العالمي تحولاً جوهرياً مع اكتساب العملات الرقمية مزيداً من القوة والجاذبية بين الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم.
وعلى رغم أن البنوك المركزية تصدر بالفعل أحد أشكال النقود الرقمية للبنوك التجارية، فإن فكرة "رقمنة" العملات الوطنية تغير قواعد اللعبة بشكل تام، إلا أن الآثار المترتبة عليها قد تكون ضخمة لتشمل التجارة وأسعار الفائدة والخدمات المصرفية والخصوصية الفردية.
حرب العملات
وهذا الأمر قد يزيد من صعوبة الوضع الحالي للدولار، إذ إن نمو العملات الرقمية الوطنية التي تعد أسرع وأرخص من النقود التقليدية يهدد بتقويض وضع الدولار باعتباره العملة المعتمدة في احتياطات البنوك المركزية، وهو ما قد يشعل نوعاً جديداً من حرب العملات لتقف العملات الرقمية في مواجهة الدولار.
وكانت هيمنة الدولار على التجارة العالمية لها ما يبررها عندما كانت الولايات المتحدة تسهم بما يزيد على ربع التجارة العالمية، فإن الوضع الراهن اختلف مع تراجع حصة الولايات المتحدة من صادرات العالم إلى 8.8 في المئة فحسب.
بداية التخلي عن الدولار
من جانبه أشار رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي غروب" العالمية ومقرها لندن رائد الخضر، إلى أنه "على رغم التقلبات التي تعانيها العملات الرقمية وعلى رأسهم البيتكوين، إلا أن كثيرين أصبحوا يعتقدون أن تلك العملات أصبحت المستقبل وأن تقنية ’البلوكتشين‘ ستكون بمثابة بداية للتخلي عن الدولار وهيمنة الاقتصاد الأميركي".
وأضاف أنه "بعدما كانت نسبة الدولار في الاحتياط العالمي للعملات تبلغ 85 في المئة في سبعينيات القرن الماضي، بدأ يتراجع بشكل تدريجي حتى وصل الآن إلى 58 في المئة فحسب"، مشيراً إلى أن هذا الأمر بدأ ينذر برغبة الدول في التخلي عن "الدولرة" ومحاولة إيجاد بدائل أخرى، ومع تطور التكنولوجيا أصبحت العملات الرقمية أحد أهم البدائل التي يراقبها عديدون عن كثب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الخضر أنه لا يزال هناك عديد من التحديات التي تستمر في الهيمنة على تلك الصناعة، إذ إنه خلال الفترة الأخيرة تعرضت العملات الرقمية لثلاث أزمات ضخمة بداية من انهيار عملة "تيرا لونا" وانهيار منصة العملات الرقمية "إف تي إكس" وأزمة البنوك المرتبطة بتلك الصناعة.
وأشار رائد الخضر إلى أنه مع استمرار الضغوطات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي وارتفاع التضخم لمستويات قياسية، اضطرت البنوك المركزية إلى اللجوء إلى أكبر وتيرة تشديد نقدي وعلى رأسهم الفيدرالي الأميركي، مما أسهم في زيادة الطلب على العملات الرقمية كأحد الملاذات الآمنة.
ثورة تكنولوجية
وقال نائب رئيس إدارة البحوث والاستراتيجيات الاستثمارية في "كامكو إنفست" رائد دياب إن هناك ثورة تكنولوجية واضحة بالفترة الماضية وهناك توجه للحكومات والشركات والأفراد بالتعامل بشكل منظم وأسرع مع تلك التطورات، إذ هناك تغير بشتى المجالات ومنها التعاملات المصرفية والتجارية وغيرها.
وأكد دياب أن الدولار هو العملة الرئيسة المسيطرة بشكل كبير على التعاملات العالمية وهناك ثقة دولية في العملة تجعلها أقل عرضة إلى حد ما للتقلبات مقارنة بالعملات الأخرى، موضحاً أن "قيمة هذه العملة تعتمد على عوامل اقتصادية كمعدلات الفائدة والتضخم والبيانات الاقتصادية الرئيسة، إضافة إلى العوامل الجيوسياسية المحيطة".
وبين رائد دياب أن التقنيات الحديثة تعمل على رفع كفاءة العمليات المالية وتحسين عامل الوقت، وقد تقلل من الكلفة، لكن تأثير هذه التكنولوجيا والعملات الرقمية في الدولار الأميركي غير واضح في الوقت الراهن.
تذبذب كبير
وأشار محلل الاستثمار محمود عطا إلى أنه من غير المرجح أن تحل العملات الرقمية محل الدولار، وذلك مع التذبذب الكبير التي تشهده وعدم رواجها والتشكيك بأساسياتها من شريحة كبيرة من المستثمرين.
ولفت عطا إلى أن العوامل الأساسية كالتغيرات في العرض والطلب هي التي تتحكم بسعر الصرف، في الوقت نفسه فإن الابتكارات الحديثة قد توفر فرصاً اقتصادية وقد تكون فعالة لعدد من المشكلات التي تواجه الاقتصادات العالمية.
اهتمام متزايد
من جهته يعتقد المحلل الاقتصادي على حمودي أن "الاهتمام المتزايد بعملة البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى لا يشكل تهديداً خطراً للدولار باعتباره العملة الاحتياطية في العالم".
وأشار إلى أنه عند التفكير في ما إذا كانت العملات المشفرة تمثل تهديداً للدولار فإنه لا يعتقد أنه لا يوجد شيء جديد بشأن المنافس وإنه شيء استمر لعقود طويلة، مؤكداً أنها منافسة عملة والمستثمرون يريدون ملاذاً آمناً ويريدون مخزناً ثابتاً للقيمة، ويريدون إجراء استثماراتهم في مثل هذه العملة.
وبين حمودي أنه على سبيل المثال فإن كل من اليورو والين يعتبران عملات قوية ومع ذلك فإنه لن يحل أي منهما محل الدولار في المستقبل القريب على الأقل، إذ إنه سيكون من الصعب الحصول على عملة خاصة تشبه الذهب حقاً لتلعب هذا الدور بدلاً من الدولار، مرجحاً عدم وجود أي تغييرات في المستقبل المنظور.