ملخص
ما هو مصير القارتين الأوروبية والآسيوية في حال استمرار معدلات التناقص البشري؟
على العكس من كافة القراءات الإحصائية التي توقعت زيادة عدد سكان العالم، بنهاية القرن الحادي والعشرين، تظهر العديد من البيانات حول العالم تراجعاً واضحاً في عدد السكان، ويكاد يشمل بنوع خاص القارتين العتيقتين الأوروبية والآسيوية.
هل هناك تناقض ما بين بيانات الأمم المتحدة التي توقعت تجاوز عدد سكان العالم المليارات العشر بحلول عام 2100، وبين الواقع الديموغرافي القلق لدول كبرى تهرم وتتناقص مثل الصين وروسيا واليابان، عطفاً على تقهقر مخيف في نسبة عالية من دول الاتحاد الأوروبي؟
الثابت أن التساؤل المتقدم يحتاج إلى مزيد التفكيك، وتبيان علاقة التراجع السكاني، بالأوضاع الاقتصادية العالمية، لا سيما حال استمر نقصان عدد سكان الصين بنوع خاص، حيث أنه من المرشح أن تكون الصين هي قيادة اقتصاد العالم في العقود الآتية.
عطفاً على ذلك، تبقى هناك أسئلة مثيرة عمن له مصلحة في تناقص عدد سكان قطاعات جغرافية بعينها حول الكرة الأرضية، وهل يصب ذلك في مصلحة القارات الجديدة - ولو أن التعبير مجازي – مثل أستراليا وأميركا الشمالية بشقيها، أي الولايات المتحدة الأميركية وكندا؟
أما القضية الأكثر إثارة فترتبط ببعد الإحلال والتغيير، أي من سيملأ فراغات تلك الدول، لا سيما أن الأمر لن يكون قاصراً على الرجل الأبيض، كما قال أصحاب نظرية "الاستبدال أو الإحلال الكبير"، بل سيشمل كذلك الرجل الأصفر... إلى أين تمضي القضية السكانية وما تبعاتها في الحال والاستقبال؟
تراجع سكاني عالمي منذ عام 1950
في الحادي عشر من يوليو (تموز) من العام الماضي 2022، أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى تراجع معدل نمو السكان عالميا إلى أقل من 1 في المئة سنوياً للمرة الأولى منذ عام 1950.
وبحسب إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، فإن عدد سكان العالم ينمو حالياً بابطأ وتيرة له منذ سبعة عقود، وقد يصل إلى نحو 8.5 مليار نسمة عام 2030، و9.7 مليار عام 2050، مع توقع أن يبلغ ذروته مع نحو 10.4 مليار نسمة في سنوات 2080 على أن يبقى بهذا المستوى حتى عام 2100.
ترى ما هو السبب الرئيس في هذا التباطؤ؟
من الواضح أن معدل الخصوبة في دول عدة تعتبر متطورة، تراجع بشكل واضح، وهذا على العكس من الزيادة المتوقعة في عدد سكان الأرض والتي سيتركز نصفها في ثماني دول حول العالم هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر وإثيوبيا ونيجيريا وباكستان والفيليبين وتنزانيا، والعهدة على الأمم المتحدة نفسها.
هل يعني ذلك أن نصف الكرة الأرضية الجنوبي هو المرشح باقتدار لتضاعف عدد سكانه، فيما النصف الشمالي الأوروآسيوي سيصاب بالتراجع؟
ربما يكون ذلك صحيحاً بصورة أو بأخرى، لا سيما في ظل انخفاض معدلات المواليد في أوروبا بنوع خاص، مع تزايد شيخوخة السكان بشكل عام بسبب مستوى الرعاية الطبية المتميز، ما سيرفع متوسط العمر المتوقع من 72.8 سنة في 2019 إلى 77.2 سنة في عام 2050.
هل أخفقت توقعات عالما الأحياء في جامعة ستانفورد "بول وآن أرليش"، والتي وردت في كتابهما المعنون "القنبلة السكانية"، والصادر عام 1968، وفيه رسما صورة لملايين البشر الذين يموتون جوعاً بسبب الزيادة السكانية؟
في مقال لها عبر صحيفة "غارديان" البريطانية في 25 يناير (كانون الثاني) 2021، تذهب الكاتبة البريطانية "كال فلين" إلى القول، إنه في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون نبؤاتهم السوداء كان العالم في ذروته من النمو السكاني، وكان في ذلك الوقت يتزايد بمعدل 2.1 في المئة سنوياً، ومنذ ذلك الحين إزداد عدد سكان العالم من 3.5 مليار إلى 6.67 مليار.
تعطي "فلين" رؤية أخرى وأسباباً مغايرة لتراجع معدل المواليد منها على سبيل المثال دخول المرأة مجالات العمل والقيادة، واستخدام وسائل منع الحمل، وتفضيل حالة المساكنة من غير زواج أو إنجاب أطفال، ما أدى إلى الوصول لمعدل 2.1 طفل لكل امرأة، وهو الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على الاستقرار الأسري.
هل كانت نظرية الانفجار السكاني إذن قائمة على أسس غير صلبة؟
غالب الظن ذلك كذلك، الأمر الذي من شأنه أن يضع بعض الدول على مسار لم تسر فيه من قبل، لتدخل مرحلة الشيخوخة وتستنزف من الابتكارات وطاقة الشباب، ما يعني تحديداً أن التباطؤ السكاني في معظم الدول الغنية ستكون نتيجته الشيخوخة والانحدار في نهاية المطاف.
فرنسيس والشتاء الديموغرافي الأوروبي
في منتصف مايو (أيار) الماضي، وخلال مؤتمر جرى في العاصمة الإيطالية روما حول معدلات المواليد، افتتح البابا فرنسيس اليوم الثاني من أعمال المؤتمر الذي شارك فيه سياسيون ومسؤولون من قطاع الأعمال والمجتمع، بهدف بحث إشكالية التراجع الكبير في عدد الولادات في إيطاليا، والذي انحدر إلى أرقام بات معها الخبراء يحذرون من أنه سيؤدي إلى إفقار الدولة.
للمرة الأولى العام الماضي 2022، تراجع عدد المواليد في إيطاليا إلى ما دون عتبة 400 ألف، ليبلغ 393 ألفاً بحسب معهد الإحصاء الوطني "إيستات".
هذا الرقم يقارن بـ 713499 وفاة من عدد سكان يبلغ حوالي 58 مليون نسمة.
فرنسيس، وهذه ليست المرة الأولى، دعا إلى إيجاد حلول لوقف تراجع معدل الولادات محذراً من "شتاء ديموغرافي"، ومن أن الشباب باتوا في مواجهة "جهود جبارة" لتأسيس عائلات في بيئة صعبة.
ما الذي يعنيه فرنسيس بتلك الكلمات؟
في كلمته التي ألقاها بجوار رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، فسر فرنسيس بالقول: "إن الأجيال الشابة اليوم تعيش في مناخ اجتماعي يتحول فيه تكوين عائلة إلى جهد جبار، بدلاً من كونه قيمة مشتركة يعترف بها الجميع ويدعمونها".
أكثر من ذلك أوضح فرنسيس قائلاً: "الأجيال الشابة تعاني أكثر من أي شخص آخر من شعور بعدم الاستقرار، بحيث يبدو المستقبل كأنه جبل من المستحيل تسلقه. صعوبة في العثور على عمل مستقر، صعوبة في الحفاظ عليه، بيوت باهظة الثمن، إيجارات مرتفعة وأجور غير كافية، جميع هذه الأمور مشكلات حقيقية".
هل الإقصاء الاجتماعي الذي تسببت فيه الرأسمالية المتوحشة هو أحد أسباب عزوف الشباب الإيطالي عن الزواج، وبالتالي تراجع عدد المواليد؟
عند بابا الفاتيكان، أن إيطاليا بداية الأمر، في حاجة إلى تهيئة أرض خصبة لكي يزهر فيها ربيع جديد، يترك وراءه "الشتاء الديموغرافي" وداعياً إلى "إطلاق عمليات تعطي الزخم والحياة لإيطاليا للمزيد من الولادات" ومن ثم مجابهة الشتاء الديموغرافي المقلق...
التساؤل هل إيطاليا فقط في الداخل الأوروبي في حاجة إلى هذا الربيع، أم هناك غيرها بين دول الاتحاد الأوروبي من هو في مسيس الحاجة إلى زخم مماثل؟
الاتحاد الأوروبي وعواقب انهيار الولادات
بالنظر عن قرب للصورة الكلية لأوضاع الديموغرافيا في أوروبا، يجد المرء أن غالبية دول القارة تقترب من وضعية تحقيق التعادل بين معدلات المواليد والوفيات، الأمر الذي يتهددها بحالة من الركود في النمو السكاني الطبيعي.
هل يمكن للجنس الأوروبي أن ينقرض خلال المئة عام المقبلة، إذا ظلت الاتجاهات الديموغرافية ماضية في هذا السياق؟
نظرياً بالفعل يمكن حدوث ذلك، وبخاصة بعد أن انطبق معدل الولادات المتراجع على غالبية إن لم يكن كل الدول الأوروبية، فلأكثر من ثلاثين عاماً لم يتم تجديد الأجيال في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، وبسبب ديناميكية الظواهر الديموغرافية، على مر السنين، سيزداد هذا العجز، إلى حد أنه إذا استمر سوف يختفي الجنس الأوروبي عند نقطة تاريخية بعينها.
يقدم لنا البروفيسور "ألبان دينتريممونت" أستاذ الجغرافيا في جامعة نافارا رؤية عن مستقبل أوروبا الديموغرافي فيؤكد أن أسباب انهيار معدل المواليد في البلدان الأوروبية الغنية، متجذر أساساً في القضايا الأخلاقية والنفسية، بما في ذلك القضايا الثقافية والدينية، وأن التدهور الخطير لهذه القيم هو ما ولد ظهور وتعميم القيم المضادة... هل من أمثلة؟
يمكن فهم كلمات البروفيسور دينتريممونت عبر تيار يرفض الزواج، ويقدس الحرية الشخصية، وهناك ما ييسر مساراته، وهو ما يتمثل في "الثورة الجنسية" المنافية والمجافية لتقاليد العائلة التي بح صوت فرنسيس في الحديث عنها والمطالبة بعودتها.
هل ستنجح مجموعة السياسات التشجيعية التي أطلقتها حكومات أوروبية عدة، لا سيما ذات الاقتصادات الناشئة في حث مواطنيها على المزيد من الإنجاب؟
تتضمن حزمة المحفزات على مزايا مالية وإعفاءات ضريبية لمن ينجب عدداً أكبر من الأطفال، وذلك على رغم الأزمات الاقتصادية التي تمر بها القارة العجوز مع ارتفاع عدد العاطلين من العمل.
فقد الاتحاد الأوروبي 378 ألف شخص ليصل إلى 447.2 مليون نسمة خلال 12 شهراً، حددت حتى آخر يناير (كانون الثاني) 2021، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب الإحصاءات الأوروبي "يورستات"، وقد نشرت النتائج في منتصف مايو 2022.
يشكل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة الآن خُمس سكان الاتحاد الأوروبي، بينما تضاعف عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 سنة خلال العقدين الماضيين من 3 في المئة في عام 2001 إلى 6 في المئة.
كما تكشف بيانات مكتب الإحصاءات الأوروبي "يورستات" أيضاً عن وجود عدد أكبر من النساء بحوالي 5 في المئة أكثر من الرجال... هل مستقبل أوروبا السكاني في خطر؟
روسيا ومخاوف بيسكوف الديموغرافية
في منتصف شهر مايو الماضي كذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، إن "الوضع الديموغرافي في روسيا لا يزال صعباً، ولم تسفر بعد الإجراءات المتخذة لتحسينه عن النتيجة المرجوة".
بيسكوف شدد على أنه لم يتم حتى تحقيق النجاح المنتظر في هذا المجال، وأضاف: "وهذا هو المكان الذي لم ننجح فيه".
تبدت من تصريحات بيسكوف أن روسيا في معارك على جبهات متعددة، وهذا صحيح غالباً، ومع ذلك فعلى رغم ترسانتها العسكرية والنووية تحديداً، تلك التي لا تسمح بهزيمتها عسكرياً، إلا أنه من الممكن هزيمتها ديموغرافياً، عن طريق تناقص عدد سكانها، ما تمثل في قول بيسكوف كذلك: "الديموغرافيا بالذات هي النقطة التي لم نحقق فيها النجاح المطلوب حتى الآن. ولهذا الواقع أسبابه المعروفة والمفهومة تماماً. نحن الآن في وضع صعب للغاية من حيث التركيبة السكانية من وجهة النظر الديموغرافية".
ما الذي يحدث في روسيا على صعيد الأزمة عينها؟
باختصار غير مخل، تقف أسباب مختلفة وراء هذا الانخفاض القياسي في عدد السكان بروسيا، لا سيما ارتفاع معدلات الوفيات الطبيعية، مع تزايد الانخفاض الطبيعي في عدد المواليد، هذا على رغم تعافي المؤشرات الاقتصادية في البلاد على رغم الحرب مع أوكرانيا.
وفقاً لدائرة الإحصاءات الحكومية "روستات"، وصل عدد الوفيات في البلاد في الفترة بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى نحو مليوني شخص، متجاوزاً الرقم في الفترة ذاتها من عام 2020، بنحو 20 في المئة، وفي عام 2019 بأكثر من 30 في المئة، ما أدى إلى انخفاض قياسي في عدد السكان منذ عام 2005.
علاوة على ذلك، بلغ الانخفاض الطبيعي في عدد السكان أكثر من 800 ألف شخص من بداية 2021 حتى الشهر العاشر منه، وهو ما يزيد 1.7 مرة عن الفترة نفسها من عام 2020 و3 مرات أكثر مما كان عليه في الفترة نفسها من 2019.
بدت روسيا قبل تفشي فيروس "كوفيد- 19" خائفة جداً من تناقص عدد سكانها، الأمر الذي دعا نائبة رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا لأن تصرح في 2019 بالقول "نحن نخسر سكان البلاد بشكل كارثي" و"معدل المواليد لدينا آخذ في الانخفاض، مقابل ارتفاع معدل الوفيات".
جاء عام 2020 ليحمل نذير شؤم للروس، فقد كانت غالبية الوفيات المصابة بالفيروس القاتل من كبار السن، ولهذا أعلنت وزارة الصحة الروسية وقتها حتمية تحقيق "مناعة القطيع" على مستوى 60 في المئة من السكان البالغين في الاتحاد الروسي.
هل كانت الحرب الروسية - الأوكرانية سبباً مباشراً مضاعفاً لزيادة الأزمة السكانية الروسية؟
يبدو أن هذا ما توصلت إليه شبكة "بلومبيرغ" والتي أشارت إلى أن الحرب الأوكرانية "أدت إلى تسريع الانهيار الديموغرافي لروسيا، ما تسبب، وسوف يتسبب في دخول الاقتصاد الروسي مرحلة الخطر، لا سيما في ظل استمرار الهجرة إلى الخارج".
هل سيكون للبعد الديموغرافي الروسي دوراً في تراجع دور روسيا - الفينيق العائد بقوة في سماء القطبية الدولية؟
اليابان تناقص يهدد فاعلية المجتمع
من أوروبا مروراً بروسيا لا بد للمرء من أن يتوقف عند اليابان، والتي تحدث رئيس وزرائها، فوميو كيشيدا، أوائل العام الجاري منذراً ومحذراً من أن مجتمع بلاده يوشك أن يفقد فاعليته وقدرته على العمل جراء انخفاض معدل المواليد، وخلص إلى نتيجة مؤداها "حالة البلاد... إما أن تعالج الآن وإما فقدنا الأمل".
تشير التقديرات إلى أن اليابان التي يبلغ عدد سكانها 125 مليون نسمة، شهدت أقل من 800 ألف ولادة العام الماضي، أما في السبعينيات فكان هذا الرقم أكثر من مليوني شخص.
تبدو المشكلة في اليابان أكثر حدة بشكل خاص، حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع في العقود الأخيرة، ما يعني أن هناك عددا متزايداً من كبار السن، وأعداداً متناقصة من العمال لدعمهم.
الأرقام اليابانية لا تكذب ولا تتجمل، فطوكيو وسائر كبريات المدن اليابانية تعاني انخفاضاً حاداً في عدد سكانها وهي ثالث اقتصاد في العالم.
ما هو الرقم الذي يخيف اليابانيين خلال عقود قليلة؟
من المتوقع أن ينخفض عدد السكان من 125 مليوناً حالياً، إلى ما يقدر بنحو 88 مليوناً في عام 2065، أي انخفاض بنسبة 30 في المئة في أربعة عقود ونصف.
عمدت حكومة كاشيدا إلى طريقين للتعامل مع الأزمة:
** التوسلات والتنهدات وذرف الدموع، بهدف العودة إلى المنازل والتكاثر الطبيعي كما كانت الحال قبل عقود.
** الحوافز المالية للأزواج الذين يستجيبون لهذه الدعوة.
فشلت جهود الحكومة اليابانية سابقاً في دفع اليابانيين نحو إنجاب المزيد من الأطفال.
تشارك صحيفة "يوميوري شيميون"، وهي الحليف الطبيعي لحزب كيشيدا، المواطنين هواجسهم، وتقول في افتتاحية أخيرة لها: "إذا استمر معدل المواليد المنخفض، فإن عدد العمال في المستقبل سيستمر في الانخفاض، وسيفقد المجتمع حيويته".
تتساءل الصحيفة اليابانية الشهيرة: كم عدد الأشخاص الذين سيرغبون في إنجاب الأطفال إذا تم ببساطة توسيع المزايا النقدية الحالية؟ إن فعالية هذا الإجراء تدعو للتساؤل.
تبدو اليابان بدورها مرشحة للمزيد من الاختلال الوظيفي، والتراجع الاقتصادي، طالما تناقص عدد سكانها، ومن غير أمل في تصاعد عما قريب.
ما الذي يتبقى ضمن هذه الجولة من الشتاء الديموغرافي العالمي؟
النساء وتراجع سكان الصين المخيف
يحتاج الحديث عن الأزمة الديموغرافية في الصين إلى حديث قائم بذاته، وبما يتناسب مع وزنها القطبي القائم والمقبل، ناهيك عن تأثيرات تراجع عدد سكانها على أوضاع العالم الاقتصادي.
مع حلول عام 2023، دخلت الصين وللمرة الأولى منذ ستة عقود مرحلة تناقص عدد السكان، مع تراجع قياسي في عدد الولادات، بمعدل 6.77 ولادة لكل ألف شخص.
بلغ عدد السكان العام الماضي 1.4118 مليار نسمة، في انخفاض بمقدار 880 ألفاً عن عام 2021.
لم تفلح قرارات الحكومة الصينية الخاصة بإلغاء سياسة الطفل الواحد، ودخلت البلاد ما وصفه أحد المسؤولين بـ"حقبة النمو السكاني السلبي".
هل كان الأمر بمثابة مفاجأة للحكومة الصينية؟
بالقطع لا يمكن أن يحدث أمر جلل مثل هذا في دولة ذات ميول وتوجهات رقابية من الدرجة الأولى، فقد كانت الحكومات المتتالية بالفعل على علم بالأزمة الديموغرافية التي تمر بها الصين، لا سيما بعد نتائج التعداد الذي جرى عام 2021، وأظهر أن نمو سكان الصين يمر بأبطأ وتيرة منذ عقود.
تقول بو سو الخبيرة الاقتصادية الرئيسية في وحدة الاستخبارات الصينية الاقتصادية لمجلة "إيكونوميست" البريطانية: "سيستمر هذا الاتجاه وربما يزداد سوءاً بعد كوفيد". سو هي من بين الخبراء الذين يتوقعون أن يتقلص عدد سكان الصين أكثر خلال عام 2023.
وتضيف: "معدل بطالة الشباب المرتفع والضعف في توقعات الدخل قد يؤخر خطط الزواج والولادة أكثر مما يؤدي إلى انخفاض عدد المواليد الجدد".
هل لعب فيروس كورونا دوراً ما في تناقص عدد سكان الصين؟
من الواضح أن ذلك كذلك، ولهذا فإنه من المرجح أن يكون معدل الوفيات في 2023 أعلى مما كان عليه قبل الوباء بسبب عدوى "كوفيد"، وقد شهدت الصين زيادة في عدد الإصابات منذ أن تخلت عن سياسة "صفر كوفيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل النساء الصينيات مسؤولات عن هذا التناقص؟
ترى مو تشنغ الأستاذة المساعدة في قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة سنغافورة الوطنية: "أن الأزواج ينجبون عدداً أقل من الأطفال، أو يختارون عدم إنجاب أي طفل على الإطلاق".
فيما يقطع الخبير الاقتصادي أندي شي بأن "الصين بها أكبر عدد من الأمهات في القوة العاملة مقارنة بالدول الغربية".
هل الحصول على وظيفة يتعارض مع أمومة المرأة الصينية؟
غالب الظن أنه يعتبر عاملاً معوقاً، لا سيما أنه مع حصول المزيد من النساء على مؤهلات أعلى وترقيتهن في المراتب في محل عملهن، فإنهن يتوقعن أن يكسب أزواجهن أكثر منهن؟
وتبقى هناك تساؤلات عن بقية أرجاء العالم، وهل هناك تناقص أم زيادة سكانية على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأميركية، وما تداعيات وتجاذبات الأمر على أحوال الاقتصاد العالمي، عطفاً على حالة التضاد السياسي والعسكري لتراجع الصين ديموغرافياً، وصعود الهند الند أحياناً والضد أحياناً أخرى.
ثم تظل هناك أحاديث عن تصاعد المد اليميني في القارة الأوروبية بنوع خاص وهو أمر مرتبط بتراجع عدد سكانها، وإحساس الرجل الأبيض أنه سيصبح يوماً ما أقلية، وهو أمر ينسحب على الأوروبيين والأميركيين بنفس القدر.