Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأخطاء الطبية... الموت في رحاب "العناية الفائقة"

الظاهرة تتصاعد في مصر والأسباب مختلفة وتباين حول العقوبة وسط "تدهور" أحوال القطاع الصحي

جددت وفاة وزير الصحة المصري الأسبق أحمد عماد الدين بعدما أجرى جراحة في القلب الشهر الحالي، الحديث عن الأخطاء الطبية وأسبابها ومن يتحمل تبعاتها (أ ف ب)

ملخص

جددت وفاة وزير الصحة المصري الأسبق أحمد عماد الدين بعدما أجرى جراحة في القلب خلال الشهر الحالي، الحديث عن الأخطاء الطبية وأسبابها ومن يتحمل تبعاتها، فيما تغيب بشكل كامل الإحصاءات الرسمية حول معدلات حوادث الخطأ الطبي في مصر.

كغيره من الناس كان محمد كمال يقرأ بين حين وآخر عن حادثة أودت بحياة مواطن أو أصابته بعاهة نتيجة الإهمال الطبي في أحد المستشفيات، لكن لم يكن الشاب الذي أنهى دراسته الجامعية حديثاً ويستعد لبدء حياته العملية يعلم أنه سيتعرض هو الآخر لإهمال طبي تسبب في نهاية المطاف ببتر أحد أصابع يديه بعد أن تعرض لحادثة كان يمكن تدارك تبعاتها لولا إهمال الطبيب المعالج في أحد مستشفيات مدينة أسيوط (380 كم جنوب القاهرة).

وأخيراً جددت وفاة وزير الصحة المصري الأسبق أحمد عماد الدين بعدما أجرى جراحة في القلب خلال الشهر الحالي، الحديث عن الأخطاء الطبية وأسبابها ومن يتحمل تبعاتها، فيما تغيب بشكل كامل الإحصاءات الرسمية حول معدلات حوادث الخطأ الطبي في مصر وإن عزا بعض المسؤولين وقوعها إلى قلة الإمكانات وتراجع مستويات تدريب الأطباء الجدد.

سبب رئيس للوفاة

تمثل الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفاة في الولايات المتحدة بعد الأمراض القلبية الوعائية والسرطان، إذ تحصد أرواح نحو 250 ألف شخص سنوياً، وفقاً لحسابات أجراها الباحثان مارتن مكاري ومايكل دانيال من كلية الطب في جامعة "جونز هوبكينز"، إذ أعدّا دراستهما على الوفيات التي حدثت في المستشفيات فقط، بينما تشير التقديرات إلى وفاة 400 ألف شخص سنوياً بسبب الأخطاء الطبية.

غياب التدريب

تقول عضو مجلس النقابة العامة للأطباء المصريين رانيا العيسوي إن نقابة الأطباء تحقق وبشكل فوري في شكاوى الإهمال الطبي التي تتلقاها من المريض أو أسرته أو من الجهات المعنية، بحيث تعرض الشكوى على لجنة التحقيق لبحث الواقعة وهي لجنة تضم عدداً من القضاة، وفي حال ثبوت الإهمال الطبي يحال الطبيب إلى لجنة التأديب التي تقدر العقوبة التي تتناسب مع حجم الضرر ويتم توقيعها على الطبيب، وهي عقوبات تتدرج من "لفت النظر" إلى "الإيقاف عن العمل أو الشطب" من جداول نقابة الأطباء، ويكون الشطب في حال ارتكابه خطأ جسيماً أو لأنه غير مؤهل للعلاج أو إجراء جراحات للمرضى.

وأوضحت العيسوي لـ"اندبندنت عربية" أن تكرار وقوع الأخطاء الطبية يعود لنقص تدريب الأطباء وظروف العمل ومنها نقص عدد الأطباء وقلة الإمكانات والأدوات التي تمكن الطبيب من القيام بواجبه على أكمل وجه، لافتة إلى أن الخطأ الطبي هو سبب رئيس للوفاة في الولايات المتحدة الأميركية بعد وفيات الأمراض المزمنة مثل السكري والقلب والأورام ومؤكدة أن الظاهرة ليست مصرية فحسب.

 

وحول مساعي النقابة العامة للأطباء لحماية أعضائها في حالات الخطأ الطبي، كشفت عضو مجلس النقابة عن تقديم مشروع قانون يعرف بـ"قانون تنظيم المسؤولية الطبية" ويتضمن مقترحاً بتحرير وثائق تأمين على الأطباء ضد الأخطاء الطبية التي يتعرض لها المرضى، بحيث يتم تعويض المريض مباشرة من خلال شركات التأمين عقب انتهاء التحقيقات وثبوت وقوع خطأ من قبل الطبيب المعالج وأن تكون النقابة الجهة الوحيدة المنوط بها التحقيق في تلك الوقائع.

وأشارت رانيا العيسوي إلى أن هناك نسب خطأ طبي مقبول حدوثها في القطاع الصحي عالمياً، لكنها تختلف بحسب نوع العملية الجراحية والحال المرضية فهي ليست نسبة موحدة وتختلف باختلاف التخصصات الطبية وأنه يجب التفرقة بين الخطأ الطبي المقبول حدوثه بسبب ظروف مختلفة والمضاعفات الطبية التي لا يسأل فيها الطبيب وبين الإهمال الجسيم الذي يستوجب محاسبة الطبيب.

أكثر من 400 شكوى سنوياً

في أبريل (نيسان) 2014 قال الدكتور خالد سمير، رئيس لجنة التحقيق بنقابة الأطباء آنذاك، إن لجنة آداب المهنة تحقق في جميع الشكاوى التي تصل إليها من المرضى والأطباء والشخصيات الاعتبارية، مشيراً إلى أن عدد الشكاوى وصل خلال عام 2013 إلى 413 شكوى.

وأرجع سمير ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية إلى غياب التعليم الطبي الجيد في مصر، تحديداً مع وجود الجامعات الخاصة التي تجذب طلبة يدفعون مبالغ طائلة للحصول على الشهادة، مشيراً إلى أن بعض هذه الكليات تعتقد بأن سهولة الامتحانات جزء من عوامل جذب الطالب، بينما تنتهج بعض كليات الطب الحكومية العكس تماماً فتقدم أصعب الامتحانات.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 ناشدت نقابة الأطباء المصريين، الأهالي الذين تعرض ذووهم لحالات الإهمال الطبي بتقديم شكاوى إلى النقابة لإحالة المتهمين إلى التحقيق وطالبت النيابة العامة المصرية بإبلاغها بأي حالة للتحقيق مع الأطباء لتوقيع الجزاء عليهم في حال ثبوت خطئهم.

وفي سبتمبر (أيلول) 2019 قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن ملايين الأشخاص حول العالم يتعرضون للضرر بسبب المعالجة غير الصحيحة، مضيفاً "في كل دقيقة يموت خمسة أشخاص بسبب خطأ في المعالجة وهو رقم يتجاوز قتلى الانتحار أو الحروب أو الأمراض الفتاكة".

تخصصات خطرة

وحددت عضو مجلس النقابة العامة للأطباء رانيا العيسوي أقسام التخدير وجراحات القلب والصدر والعناية المركزة باعتبارها الأكثر عرضة للأخطاء الطبية، مما يدفع الأطباء إلى لعزوف عن هذه التخصصات على مستوى العالم بسبب المشكلات التي يعانونها واتهامهم بالتقصير في حال وفاة المريض.

وأشارت إلى أن عمليات الطوارئ يسمح فيها بنسب وفاة أعلى من العمليات التي يخضع لها المريض بميعاد محدد مسبقاً، إذ إن في حالات الطوارئ تكون نسب إنقاذ حياة المريض 50 في المئة نظراً إلى حاجته لتدخل جراحي بشكل مفاجئ.

ويبلغ معدل الأطباء في مصر 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، أي أقل من طبيب لكل 500 مواطن، في حين يصل معدل الأطباء العالمي إلى نحو 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن، مما يشير إلى عجز كبير في عدد الأطباء في مصر.

وأظهر معدل جداول الأخطاء البشرية ضمن إحصاء لمنظمة الصحة العالمية أن 10 في المئة من المرضى يتضررون بسبب الأخطاء الطبية وأشارت المنظمة إلى أن العالم يشهد 43 مليون خطأ طبي سنوياً.

وفي أبريل (نيسان) 2022 عاقبت محكمة بمحافظة البحر الأحمر (452 كم شمال القاهرة) ممرضتين لمدة شهر بتهمة الإهمال الطبي في بلاغ مقدم من الفنانة منة شلبي تتهمهما فيه بالإهمال الطبي خلال رعايتهما لوالدتها.

عقوبة الخطأ الطبي

من جانبه يقول المحامي المصري محمد رجب إن الخطأ الطبي مجرم بنص عام، مشيراً إلى أن الخطأ الطبي هو فعل متجاوز من الطبيب، أما الإهمال، فهو عدم الدراية الكافية بأصول المهنة وموضحاً أن الطبيب يمكنه الدفع بحدوث الخطأ من طرف المريض كأن يرفض تناول الدواء أو عدم التزام تعليمات الطبيب، وهو ما يتم الفصل فيه من خلال الطب الشرعي الذي يحدد الحال المرضية والطريقة التي كان من الواجب اتباعها لعلاجها ومن ثم يثبت وقوع خطأ من عدمه.

وشرح في تصريحات خاصة أن هناك ثلاثة أركان يجب توافرها لتحقق حادثة الخطأ الطبي وهي وقوع خطأ بالفعل ولا يثبت ذلك إلا بصدور حكم جنائي نهائي في الواقعة والركن الثاني يتمثل في وقوع ضرر بالفعل والركن الأخير العلاقة السببية بأن يكون تصرف الطبيب سبباً في هذا الضرر.

 

وأكد رجب أن انحراف الطبيب عن الأصول العلمية في علاج المريض سواء بالإهمال أو عدم مراعاة القوانين تصدت له المادة 244 من قانون العقوبات المصري التي نصت على أن "من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته وعدم احترازه أو عدم مراعاة القوانين واللوائح، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز مئتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وتابع "في حال نتج من الإصابة حدوث عاهة مستديمة أو إذا ثبت وقوع الإصابة بسبب إخلال الطبيب إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته، أو تقاعس وقت الحادثة عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تتجاوز ثلاثمئة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين".

وأشار رجب إلى أنه إذا نشأت عن الإهمال الطبي إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات.

من جانبه يقول أمين الصندوق في اتحاد نقابات المهن الطبية أبو بكر القاضي إن أعداد خريجي كليات الطب كافية لتغطية حاجات الدولة، مشدداً على ضرورة إجراء دراسة للوقوف على حاجات مصر الفعلية في المستقبل في كل تخصص من تخصصات مهنة الطب البشري.

وأوضح في تصريحات صحافية سابقة أن أعداد الأطباء المقيدين بسجلات النقابة العامة للأطباء نحو 380 ألف طبيب، يعمل منهم في الحكومة فقط 125 ألفاً، بينما يعمل معظمهم بالخارج بسبب ضعف المقابل المادي في مصر.

مخصصات مالية

أظهرت بيانات وزارة المالية ارتفاع مخصصات الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة بالموازنة العامة الجديدة 2023/2024 بنسبة 30.4 في المئة لتصل إلى نحو 397 مليار جنيه مقارنة بـ304.5 مليار جنيه خلال العام المالي 2022/2023، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

وفي يونيو (حزيران) 2020 أوصت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري بتحسين الخدمة الصحية وضرورة مراجعة الرواتب والتدريب وإجراء مراجعة شاملة ومتكاملة وليست وقتية للأجور والبدلات التي يتقاضاها العاملون في القطاع الصحي بمصر.

كما أوصت اللجنة بتطوير واستحداث الوسائل والطرق اللازمة لإنتاج المستحضرات الدوائية وزيادة الاعتمادات المخصصة لهيئة الدواء المصرية بما يمكنها من القيام بدورها.

هجرة الأطباء

تعد هجرة الأطباء للعمل خارج مصر أحد أبرز مظاهر ضعف المنظومة الصحية وهو ما تجلى خلال أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، إذ قرر وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار تشكيل لجنة برئاسته لدراسة تحسين أحوال الأطباء ووقف هجرتهم إلى الخارج وسرعة إصدار قانون للمسؤولية الطبية.

وشهد عام 2022 أعلى معدل لاستقالات الأطباء والطبيبات بإجمالي 4261 طبيباً بمعدل 12 طبيباً وطبيبة يومياً، وفقاً لبيانات نقابة الأطباء التي أكدت أن العدد يزيد سنوياً، إذ تضاعف أربع مرات من 1044 استقالة عام 2016 إلى 4127 استقالة في 2021.

ويعتبر دخل الأطباء المصريين الأدنى بين عدد كبير من دول العالم، إذ يصل متوسط دخل الطبيب إلى 170 دولاراً شهرياً، ما قد يعادل أجر ساعة واحدة فقط في دول أخرى، إضافة إلى عدم وجود حوافز مالية تراعي خبرات الأطباء والإسهامات العلمية من أبحاث ودراسات التي يتحملها الأطباء وحدهم على رغم كلفتها المرتفعة.

ضحايا الخطأ الطبي

في يناير (كانون الثاني) 2007 توفيت الفنانة المصرية سعاد نصر إثر خطأ من طبيب التخدير أثناء خضوعها لعملية شفط دهون، لكنها توفيت إثر حقنة خاطئة وعاقبت المحكمة الطبيب بالحبس عاماً مع إيقاف التنفيذ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016 توفي الفنان أحمد راتب بسبب وصفة طبية خاطئة من الطبيب المعالج، إذ إنه كان يعاني مياهاً على الرئة وأعطيت له أدوية تسبب انتظامه في تناولها بحدوث الوفاة.

مارينا صلاح ضحية أخرى للخطأ الطبي، فقد توجهت في مايو (أيار) 2022 لإجراء أشعة بالصبغة على العين، لكن لم يخضعها المستشفى للفحوصات اللازمة قبل البدء بالأشعة التي من شأنها الكشف عن الحساسية في العين تجاه هذا النوع من الأشعة، مما أسفر عن وفاتها على الفور.

قانون المسؤولية الطبية

يعتبر مشروع "قانون تنظيم المسؤولية الطبية" المتداول داخل أروقة مجلس النواب المصري منذ أعوام خطوة جادة للحد من تبعات حوادث الخطأ الطبي في المؤسسات العلاجية، بحيث أكد وزير الصحة المصري الأسبق ورئيس لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب أشرف حاتم لـ"اندبندنت عربية" أن هناك خمسة مشاريع قوانين مقدمة في هذا الصدد بهدف تنظيم المسؤولية الطبية في مصر.

وأشار إلى أن هدف القانون هو حماية حق المريض في الحصول على العلاج والتعويض في حال تعرض لخطأ طبي، وكذلك حماية الطبيب مقدم الخدمة الصحية بأن يكون مؤهلاً علمياً وأن يعمل من خلال مكان مرخص لتقديم الخدمات الطبية، لافتاً إلى أن أقسام الجراحة بشكل عام هي الأكثر عرضة لمشكلات الخطأ الطبي.

ويشتمل مشروع قانون المسؤولية الطبية على نقاط عدة أبرزها إلغاء عقوبة الحبس في الضرر الطبي وهو الأمر الذي تتمسك به النقابة العامة للأطباء وكذلك إقرار التعويض المادي تبعاً لنسبة الضرر إذا كان هذا الخطأ من الطبيب والمنشأة الطبية وليس مضاعفات متعارفاً عليها طبياً، أو بسبب عدم اتباع المريض لتعليمات الطبيب وأن تكون من خلال لجنة مشكلة لهذا الغرض.

وأعلنت نقابة الأطباء المصريين مرات عدة رفضها الحبس الاحتياطي لأعضائها في ما يخص قضايا الخطأ الطبي، موضحة أنه لا يجوز القبض على مقدمي الخدمة الطبية أو حبسهم احتياطياً في الوقائع المتعلقة بأفعال منسوب صدورها إليهم أثناء أو لمناسبة أداء عملهم، إلا إذا أقرت هيئة تقرير المسؤولية الطبية بوجود شبهة مسؤولية جنائية تستوجب ذلك على أن تقتصر العقوبات في هذه القضايا على التعويض المدني وليس الحبس.

كما اقترحت النقابة إنشاء صندوق للتعويضات عن الضرر الطبي تكون موارده استقطاعات من مقدمي الخدمة والمنشآت الطبية ضمن وثيقة تأمين إجباري ضد الأخطاء الطبية.

المزيد من تحقيقات ومطولات