ملخص
التغيرات المناخية أدخلت العراق في أزمة كهرباء ودفعته للتوجه إلى الطاقة النظيفة عبر استثمارات خارجية لسد العجز في الكهرباء عبر طاقة الشمس والرياح وضربة البداية من النجف.
بعد صبر على أزمات الكهرباء، يخطو العراق نحو الطاقة المتجددة لتكون أحد مصادر سد العجز الكبير في توفير التيار الذي تنتج غالبيته محطات تعمل بالغاز الطبيعي المستورد من إيران، إذ لم يعد الوضع محتملاً في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء، خصوصاً في الصيف الحار الذي تتجاوز الحرارة فيه 50 درجة مئوية.
ويسعى العراق الذي يعاني أزمة جفاف كبيرة نتيجة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، إلى الاتجاه نحو الطاقة النظيفة، بخاصة الشمسية التي تزخر البلاد بلهيبها اليومي خلال فصل الصيف، علاوة على بعض المصادر الطبيعية مثل الرياح لتكون أحد مصادر الطاقة الرئيسة لتعويض النقص الحاصل بالكهرباء.
ونبه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال لقائه وفد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، برئاسة مدير البرنامج الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوكالة زهير حامدي، إلى "اهتمام بغداد واستمرار توجهها نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة ومجالاتها، نظراً إلى أهميتها في منظومة الطاقة الحالية والمستقبلية، من أجل مواجهة التحديات المناخية التي باتت تهدد البيئة في أغلب دول العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال السوداني إن "الحكومة العراقية لن تدخر جهداً في عملية صياغة السياسات والتشريعات المطلوبة لتسريع عملية الانتقال نحو الطاقة المتجددة، خصوصاً مع توافر قدرات وإمكانات كبيرة ومتاحة في هذا المجال".
وأضاف أن "حكومته وضعت مكافحة التصحر والتغيرات المناخية والذهاب نحو الطاقة المتجددة على رأس أولويات برنامجها الوزاري في مجال الطاقة"، لافتاً إلى استعداد العراق إلى "التعاون مع الوكالة الدولية، والاستفادة من خبراتها الكبيرة، إضافة إلى تطوير البرامج العاملة".
قوانين جديدة
يسعي العراق إلى تشريع قوانين خاصة للطاقة المتجددة حديثة العهد، إذ وافق مجلس النواب على مشروع قانون تنظيم الطاقة المتجددة، الذي دققه مجلس شورى الدولة، وأحاله إلى البرلمان.
وبدأت البلاد بخطوات فعلية في إنشاء منظومات للطاقة المتجددة بالاعتماد على الطاقة الشمسية، إذ أعلن وزير النفط العراقي حيان عبدالغني، في 12 مارس (آذار) الماضي، عن تعاقد بلاده على مشروع جديد للطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميغاواط، ضمن أهداف الحكومة للاستثمار.
وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل تحدث بدوره عن موقع إنشاء أول مشروع للطاقة النظيفة في البلاد، وكذلك الجهة التي ستتولى إنشاءه، ضمن خطة عام 2023، لافتاً إلى أنه سيكون في محافظة النجف ويجرى تنفيذه ضمن حزمة استثمارات سعودية بالبلاد.
وخلال تصريحات له منتصف أبريل (نيسان) الماضي، قال فاضل إن خطة الوزارة للصيف المقبل تستهدف الوصول إلى معدل إنتاج 24 ألف ميغاواط من الكهرباء، ما ينعكس على ساعة التجهيز وتحسينها.
وأقر بوجود نقص يقدر بـ13 ألف ميغاواط من الطاقة، ما دفع وزارة الكهرباء إلى العمل على خفض هذا العجز عبر اتجاهات مختلفة، أبرزها تنفيذ المحطات المركبة التي ستضيف 4 آلاف ميغاواط من دون وقود، والتوجه نحو استعمال الطاقة المتجددة والشمسية بدعم استثماري سعودي يضيف 1000 ميغاواط من الطاقة و250 ميغاواط ستنتجها شركة بور جاينا الصينية.
وقبل أيام، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، تجاوز إنتاج البلاد من الكهرباء 24 ألف ميغاواط في خطوة وصفتها بغير مسبوقة.
شركات متعددة
من جهته، قال المتخصص في شؤون الطاقة كوفند شيرواني، إن العراق بات أكثر تركيزاً واهتماماً بالطاقة النظيفة، خلال السنتين الماضيتين، منبهاً إلى توقيع بغداد عدداً من العقود مع شركات استثمارية لإنتاج الطاقة المتجددة، لكن بناءها والاستفادة منها سيستغرق سنوات عدة.
وأضاف شيرواني أن "السنتين الماضيتين شهدتا اهتماماً بالطاقة النظيفة، لا سيما الشمسية باعتبارها ذات جدوى اقتصادية للبلاد"، مبيناً أن العراق اتفق مع شركة إماراتية بطاقة 1000 ميغاواط وكذلك الاتفاق مع "توتال إنيرجي" الفرنسية بعدة مشاريع من ضمنها الطاقة النظيفة.
وتمسك بأهمية التنسيق بين وزارتي النفط والكهرباء في العراق لتطبيق استراتيجية الطاقة المتجددة في الأماكن النائية، وكذلك ربطها مع الشبكة الأم وتكون منسجمة مع المحطات الأخرى بالبلاد.
وكانت بغداد وقعت في يونيو (حزيران) 2021 أضخم عقد في تاريخ البلاد لإنتاج الطاقة النظيفة مع شركة مصدر الإماراتية بطاقة 2000 ميغاواط بمناطق وسط وجنوب العراق. ثم في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه جرى توقيع عقد مع شركة "توتال" الفرنسية لإنشاء محطة تعمل بالطاقة الشمسية تبلغ طاقتها 1000 ميغاواط.
لكن هذه العقود لم يتم تنفيذها لعدم وجود تخصيصات مالية في حينها لتنفيذها، وتعمل الحكومة العراقية على البدء بتنفيذها، خلال الأشهر المقبلة، بعد أن أطلقت الموازنة العامة للبلاد جزءاً مهماً من المبالغ اللازمة لتشييدها.
هنا لفت المتخصص بشؤون الطاقة إلى أن عديداً من الدول بدأت باستخدام الطاقة المتجددة مثل السعودية والإمارات التي بدورها بنت مدناً مستقلة ذكية، والمغرب الذي بدأ بإنشاء محطات عن طريق الاستثمار، لكن في العراق لم تخصص مبالغ كبيرة للطاقة المتجددة على رغم موازنته الكبيرة، مشيراً إلى أن هناك موازنة استثمارية قليلة لا تتيح إنشاء مشاريع على نفقة الدولة ولكن ممكن الاتجاه بمساعدة المؤسسات العالمية.
ويعاني العراق – وفق شيرواني – نقصاً في الكهرباء يتراوح بين 11 و12 ألف ميغاواط، موضحاً أن الاستهلاك المحلي خلال فصل الصيف يمكن أن يصل إلى 35 ميغاواط، لافتاً إلى ضرورة استثمار الغاز الطبيعي لتشغيل المحطات الغازية وإنشاء محطات كهربائية أخرى، فضلاً عن الاستثمار بالطاقة النظيفة على حد سواء.
ومضى في حديثه بالإشارة إلى أن العراق يستورد كهرباء سنوياً من إيران مقابل ملياري دولار، ويحتل المرتبة الـ12 باحتياطات الغاز إلا أن تأخر استثماره أدى إلى عدم الاستفادة من هذه الثروة الطبيعية، إذ تستغرق مشاريع الطاقة النظيفة وقتاً ويمكن في عام واحد بناء 10 محطات تنتج 1000 ميغاواط، مختتماً حديثه بالإشارة إلى أن إنشاء محطات تعمل بالطاقة الشمسية يحتاج إلى مزيد من الدعم الحكومي وتخصيص مساحات لها في مختلف أنحاء البلاد.