Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في مديح بروس ويليس وأفلامه التي صنعت تاريخا

الممثل الذي خاله الجمهور العالمي بطلاً أبدياً يعاني الخرف

بروس ويليس في "بالب فيكشن" في إداردة كاونتن تارانتينو (ملف الفيلم)

ملخص

الممثل الذي خاله الجمهور العالمي بطلاً أبدياً يعاني الخرف

مَن لا يحب بروس ويليس؟ حتى الذين يكرهون الكثير من أفلامه، قد يحبون في الرجل ابتسامته أو قسوته الرقيقة أو حتى صلعته التي لا يمكن تخيله من دونها، تماماً كالأصلع الآخر يول براينر الذي سبقه إلى النجومية. بروس ويليس خفيف على روح المُشاهد، وقد صنع التسعينيات من خلال سلسلة أفلام تغلبت عليها الحركة المتواصلة والإيقاع السريع والسباق ضد الزمن. قبل نحو سنة، اعتزل ويليس السينما بعد إصابته بمرض الحبسة، ومذذاك راحت صحته تتدهور أكثر فأكثر. المرض الذي أصيب به يسبب فقداناً جزئياً أو كلياً للقدرة على التعبير والكلام أو فهم اللغة المنطوقة أو المكتوبة وله تأثير على طاقته الإدراكية. ينجم هذا المرض عن تضرر مناطق الدماغ التي تتحكم في اللغة.

وكانت الضربة القاضية تشخيص بروس ويليس في مطلع هذا العام بـ"الخرف الجبهي الصدغي" الذي يعيق قدرته على التواصل. في بيان نشرته العائلة، قالت: "على رغم كون التشخيص الجديد مؤلماً، فإن التوصل أخيراً إلى تشخيص واضح لمرضه أمر يبعث على الارتياح. الخرف مرض قاس، لم يسبق لكثيرين منا أن سمعوا به، ويمكن أن يصيب أي شخص".

نجم شباك التذاكر

هذا مرض نادر يعاني منه الممثل الأميركي البالغ من العمر 68 سنة الذي انطلقت مسيرته الفنية في الثمانينيات، فأضحى أحد أشهر نجوم شباك التذاكر في التسعينيات، خصوصاً في مجموعة من الأفلام الناجحة التي ذاع صيته من خلالها، منها سلسلة "داي هارد"، بأجزائه الخمسة حيث لعب دور جون ماكلاين، شرطي نيويوركي. بلغت إيرادات الأفلام التي مثّل فيها نحو 5 مليارات دولار وكرسته بطلاً أبدياً ينقذ العالم من المخاطر التي تحدق به، ويخرج من المعركة ببعض الرضوض والكدمات.

بطلاً أبدياً... أو هكذا خلناه، وهكذا أرادته المخيلة الأميركية الخصبة المدعومة بالمؤثرات البصرية والصوتية، وها أنه آن أوان العودة إلى الواقع حيث يكتشف المشاهد بأن الممثلين هم أشخاص من لحم ودم يمرضون ويموتون، بعيداً من أدوارهم على الشاشة التي تنطوي على مبالغات وحيل. صحيح أن المرض قد يصيب أي شخص، لكن عندما يمنع ممثل من أداء دوره واستخدام أهم ما يملكه لتجسيده على الشاشة، معطلاً أدواته ومشلاً حركته، فالأمر يأخذ بُعداً تراجيدياً، خصوصاً أن اللغة المنطوقة والحركة هما رأسمال ممثلين من طينة بروس ويليس.

كان الاعتزال والحال هذه هو الحل الوحيد أمام ويليس الذي خسر أهم أدوات عمله: الكلام. موت مبكر لفنان كان يمكن أن يواصل عمله وهو على مشارف السبعين، شأنه شأن كلينت إيستوود الذي قدم أدواراً بارزة عدة بعدما تجاوزه العقد السابع. وعلى رغم أنه كان بهت وتراجعت شعبية في السنوات الأخيرة، ولم يكن صائباً في خياراته، فكان يمكن لويليس أن يعود إلى الشاشة في واحد من تلك الأدوار التي تعيد الممثل إلى السينما بعد غياب، كالتي تحبها السينما الأميركية وسبق أن أُعطيت هذه الفرصة لممثلين أمثال مارلون براندو في "العراب" وجون ترافولتا في "بالب فيكشن" وغيرهما. للأسف، لن يمشي ويليس على خطاهم.

لكن مَن هو بروس ويليس الذي في رصيده أكثر من 60 فيلماً؟ فعلاً وهل يمكن اعتباره خسارة لفنّ التشخيص، بعيداً ممّا يمثله من قيمة على المستوى الإنساني؟ هناك اعتقاد عام بأنه من الممثلين متوسطي القيمة والموهبة، وهذا صحيح إلى حد ما، فهو لا يملك حضور آل باتشينو ولا موهبة دانيال داي لويس ولا كاريزما روبرت دنيرو. لكن علينا أن نفهم أنه ينتمي إلى نوع مختلف من الممثلين الذين لا يستند المخرج إلى قوة أدائهم لاختيارهم. ويليس حضور جسدي قبل أن يكون أي شيء آخر، قدرة إقناعية تخدم الحبكة أكثر من أي خدمة أخرى.

شارك ويليس في أنواع مختلفة من الأفلام، منها الكوميدية والرومانسية والخيالية في إدارة سينمائيين بعضهم من الأسماء الكبيرة، بعدما برز في منتصف الثمانينيات في مسلسل "ضوء القمر" الذي حاز عنه جائزة "إيمي" و"غولدن غلوب". هذا الذي ولد في ألمانيا الغربية في منتصف الخمسينيات، داخل قاعدة عسكرية أميركية ذلك أن والده كان يخدم في الجيش، وقضى طفولته في نيوجرسي، هوى أيضاً الموسيقى، فتعلم العزف على آلة الهرمونيكا من دون أن يلجأ إلى مدرس، وأصدر ألبومان في أواخر الثمانينيات. في المدرسة، لفت الأنظار بمزاجه المرح والمقالب التي كان يقوم بها لرفاقه، خلافاً لصورة القاسي التي صنعته له الأفلام. أما شغفه بالمسرح، فسمح له بالتغلب على تأتأته. في كل مرة كان يقف أمام الجمهور، كان يتغلب على التأتأة. وبعد دراساته الثانوية، عمل في مصنع، ولكنه تأثر بوفاة أحد أصدقائه في حادث، فتوقف عن العمل وعاد إلى الدراسة، وكانت بداية رحلة صعوده إلى الشهرة التي قال عنها لاحقاً: "لا بأس بالعمل في الورش، لكن هوليوود أفضل". في نيويورك، حيث كان استقر، عمل نادلاً في أحد المقاهي التي يرتادها المثقفون، وفيه وجد الحيلة للفت نظر الأشخاص الذين ساعدوه في الوصول.

لم يتطلب صعوده إلى الشهرة إلا أسابيع قليلة، في بلد تقدم فرصاً ذهبية لأبنائها وبناتها. فبعد ظهوره في "ضوء القمر"، راحت العروض تتدفق عليه. فانتقل من الكوميديا، مع كيم بازينغر في "موعد غامض" إلى الحركة في "داي هارد"، والأخير الذي كان من إخراج جون ماكتيرنان صنع مجد بداياته.

صانع تاريخ

أغلب الممثلين الذين ارتبطت أسماؤهم بأفلام الحركة، وستالون أفضل مثال في ذلك، يرغبون لو كان بإمكان المشاهد أن يأخذهم على محمل الجد ولو لمرة واحدة، من خلال أدوار أكثر جديةً، لكن قليلين يحصلون على هذه الفرصة. بعض الممثلين يصنعون تاريخهم ثم يحاولون هدم ما صنعوه، بمعنى أن الماضي يصبح عبئاً على حاضرهم، فيحاولون الهروب من الصورة التي تبدأ في الالتصاق بهم. في حالة بروس ويليس، هذه الصورة كانت صورة "رجل الحركة الذي يركض في الشوارع وفي يده مسدس". حاول الخروج منها لكن لم ترغب الصورة في أن تخرج منه، إذ إن العديد من المشاهدين حاصروه فيها إلى الأبد. بعضهم يستطيع التحرر من السجن الذي يزج فيه، وبعضهم الآخر يصبح أسيراً لجدرانه إلى الأبد، وقد يلعب التجديد والطاقة والموهبة والرغبة في تجاوز الذات وأيضاً لقاء مع مخرج يرى الممثل من زوايا أخرى، دوراً مهماً في الخروج من النمطية. في محاولة لتغيير جلده، سلك ويليس طريق الثريللر، فصوّر مرتين تحت إدارة المخرج م. نايت شيامالان، في "الحاسة السادسة" و"غير قابل للكسر". يدور الأول على قصة صبي يرى الموتى، أما الثاني فاضطلع فيه بدور شخص ينجو من حادث قطار ليكتشف انه أحد الذين "لا يُهزَمون". واستطاع المخرج أن يلعب على الخط الفاصل بين البطولة والهشاشة، مساهماً في رد الاعتبار إلى ويليس الممثل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن بسبب نجاح أفلام جماهيرية مثل "داي هارد" و"أرماغيدون"، وبعدما أنقذ العالم مرات عدة، توقع المشاهدون من ويليس أن يظهر في المزيد من هذه الأفلام، وكان الضغط عليه كبيراً في هذا المجال. فظل يفعل ما يتوقعه منه الآخرون، لكن مع الزمن بهتت صورة البطولة التي عكسها وحل مكانها البطل المضاد الذي نجده على حافة الهاوية. في "رهينة" مثلاً، حاول جاهداً بناء قصة تعترضها عوائق عدة، عاطفية ونفسية، حيث يلعب دور مفاوض يمتلكه الخوف والرعب عندما تُخطف عائلته. اعتبر ويليس أن تمثيله في هذا الفيلم المقتبس من رواية معقدة جداً تحد لقدراته، كونه لا يخرج من الأحداث منتصراً أو عملاً بمقولة نيتشه "الضربة التي لا تقتلك تقويك".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما