Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذاكرة السودان الأثرية تحت رحمة قذائف الحرب

تدشين مبادرة لحماية التاريخ الثقافي للبلاد ومسؤولون يعلنون أن بعضه لا يزال بعيداً من متناول المعارك

موقع أثري تضرر أثناء القصف في السودان  (اندبندنت عربية)

ملخص

تضرر العديد من مواقع التراث السوداني بعد تبادل القذائف بين طرفي النزاع  ولا يزال بعضها في مرمى الخطر

لا أحد يدري على وجه الدقة ما حجم التدمير والأضرار التي حلت بمواقع التراث الثقافي السودانية جراء الحرب المندلعة في البلاد منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي والمستمرة حتى اليوم، غير أن الثابت أن كثيراً من تلك المواقع تعرض لأضرار وبعضها ما زال في مرمى الخطر، والآخر بات مكشوفاً في ظل غياب الحماية ويواجه خطر النهب والتدمير والحريق، في هذه الأثناء وإزاء هذا الواقع تتسارع الخطى والتحركات المحلية والدولية والإقليمية لحماية الممتلكات الثقافية والإرث الحضاري للبلاد.

جهود مشتركة للحماية

ضمن تلك الجهود الوطنية والدولية لصون التراث القومي السوداني من تهديدات وأخطار الحرب، دشنت مطلع  الشهر الجاري في متحف "فكتوريا أند ألبرت" بالعاصمة البريطانية لندن مبادرة حماية التراث السوداني بالشراكة مع منظمة التراث من أجل السلام التي تتطلع إلى تأمين حماية سريعة مع وضع خطة وطنية متكاملة لحفظ التراث الثقافي والطبيعي على المدى البعيد بعد نهاية الحرب.

وتحدث أحد مؤسسي المبادرة سليمان النور عن اعتماد خطة عمل تسترشد بتوجيهات اتفاق حماية الممتلكات الثقافية لعام 1973، بالارتكاز على التجارب الإنسانية في مواجهة معضلة صون الممتلكات الثقافية خلال الصراعات المسلحة بالنسبة إلى الشعوب التي واجهت المصير نفسه مع مراعاة خصوصية التجربة السودانية. 

تعرف المبادرة الممتلكات الثقافية بأنها التي تشمل الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي مهما كان أصلها أو مالكها، كالمباني المعمارية ذات القيمة الفنية منها أو التاريخية والمواقع الأثرية والتحف الفنية والمخطوطات ذات القيمة التاريخية والأثرية، إضافة إلى التاريخ الطبيعي.

خطط الاستجابة الطارئة

وأضاف النور أن المبادرة تعتمد في جوهرها على جهود المهتمين بقطاع التراث الثقافي جنباً إلى جنب مع العاملين والمتضامنين من داخل وخارج السودان، ويرتكز عملها على التعريف بحجم الأضرار للممتلكات الثقافية المترتبة جراء الصراع المسلح الدائر في البلاد، إضافة إلى وضع خطط تعمل لإنقاذ وحماية وتأمين الممتلكات الثقافية من أخطار الضياع والتخريب والحد من  الآثار السالبة للصراع المسلح عليها، من خلال توثيقها وتأمينها ونقلها متى ما دعت الضرورة.

يتركز عمل المبادرة على مجموعات عمل  متخصصة من أجل التواصل مع المنظمات بالتنسيق مع ممثلي المبادرة في الخارج وتحديد طبيعة الحاجات وخطط التعامل بالتنسيق مع مجموعة المتاحف الإقليمية والمواقع الإقليمية باستخدام مناهج وأدوات الحماية والإنقاذ على ضوء التهديدات والواقع الذي تعانيه الآن في العاصمة ومناطق السودان الأخرى.

 

 

في إطار البحث عن تدابير للحماية، نظمت الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية خلال الفترة الماضية ورشة عمل بالعاصمة المصرية القاهرة هدفت إلى وضع خطة للاستجابة الطارئة في ظل الوضع الراهن في السودان، حشدت من خلالها عدداً من ممثلي المنظمات الدولية ومديري المشاريع الأثرية الدولية ووكالات التمويل من أجل التعاون ووضع الاستراتيجيات للتخفيف من الأخطار التي تواجه المواقع الأثرية والتاريخية في السودان حالياً.

وأعربت خلال الورشة منظمات وجمعيات أثرية دولية إقليمية عدة وأخرى مهتمة بمجال الاستجابة للطوارئ الثقافية، على رأسها منظمة "يونيسكو" والمركز السوداني- الأميركي للبحوث الأثرية والجمعية الدولية للدراسات النوبية وجمعية علماء الآثار الأفارقة، عن قلقها إزاء الوضع الحالي للممتلكات الثقافية السودانية، كما أكدت التزامها المشترك حماية التراث الثقافي السوداني والحفاظ عليه وتسليط الضوء على الضرورة الملحة للتصدي للتحديات التي يواجهها في هذا الوقت الصعب.

أضرار مباشرة

على صعيد متصل كشف مصدر في الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية لـ"اندبندنت عربية" عن تعرض كثير من المواقع الأثرية لأضرار مباشرة لم يتسن حتى الآن حصرها على وجه الدقة، لكن أضرار بعضها كانت جسيمة بفعل النهب والتخريب والحريق وعلى رأسها كبريات المكتبات العريقة في الجامعات بينها مركز محمد عمر بشير في جامعة أم درمان الأهلية.

وأوضح المصدر أن أحدث الأضرار على المواقع الثقافية والتراثية الأثرية ما تعرضت له السرايا التاريخية للشريف حسين الهندي في منطقة بري بالخرطوم جراء قصف جوي طاولها وأدى إلى تهدم أجزاء كبيرة من مبنى الضريح، كما تعرض مبنى جراب الفولة الأثري في مدينة الأبيض شمال كردفان أيضاً إلى أضرار بسبب القصف وكذلك متحف بيت الخليفة في أم درمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على صعيد متصل، أوضح مصدر بدار الوثائق القومية في تصريحات خاصة تعرض المبنى إلى أضرار غير محددة أو محصورة حتى الآن إذ إنه يجاور منطقة الخرطوم العسكرية ويصعب الوصول إلى هناك لتقصي الأضرار، لكن المعلومات الأولية تشير إلى أن الدار تعرضت لأضرار في بوابتها الجنوبية الخارجية ومبنى التدريب المجاور لها، كما تضرر أيضاً جزء آخر من المبنى منفصل عن مستودع الوثائق الرئيس، وأدت الاهتزازات العنيفة إلى تهشم زجاج الطوابق العليا للمستودع، لكن وحتى إخلاء الدار من قوة التأمين التي تقع بين تقاطع نيران الطرفين لم تسجل أضراراً على الوثائق المحفوظة حتى اليوم الرابع من الحرب، لكن يتعذر تأكيد حقيقة الوضع في الدار بعد هذا التاريخ لصعوبة الوصول حتى إلى محيطها.

ذاكرة السودان

يضيف المصدر أن دار الوثائق القومية تمثل ذاكرة السودان، إذ يقدر عدد الوثائق المحفوظة في مستودعها بنحو 30 مليون قطعة وثائقية وأرشيفية، تقع موزعة على حوالى 200 مجموعة وثائقية وأرشيفية، تغطي كافة حقب السودان التاريخية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

كما تضم الدار أيضاً نحو 80 ألف وثيقة تغطي الفترات التاريخية لحكم سلطنات الفونج والفور وفترة الثورة المهدية والسكرتير الإنجليزي الإداري والقصر الجمهوري، وتتضمن كذلك مجموعات توثيقية للمؤسسات التشريعية منذ تشكيل المجلس الاستشاري لشمال السودان وصولاً إلى آخر مجلس وطني شهدت البلاد قيامه، والغازيتة والصحافة السودانية ومجموعة الماسونية، وأخرى كثيرة تمثل في مجموعها تراث وذاكرة البلاد المرجعية.

ويقع متحف القصر الجمهوري الموجود داخل مبنى القصر الرئاسي بالخرطوم في دائرة خطر التدمير الوشيك، سيما بعد تعرض أجزاء من صالاته الخارجية للتدمير، فيما لا تتوافر معلومات دقيقة موثوقة حول مدى الأضرار على المحتويات داخل المتحف.

 في الولاية الشمالية حيث تقع مواقع عدة مصنفة على أنها تراث عالمي في جبل البركل وجزيرة مروي ومنطقة نبتة، على رغم بعدها عن مناطق الاشتباكات المباشرة، لكنها تظل تحت خطر النهب والسرقة في ظل ضعف التدابير الأمنية، بخاصة بعد لجوء عدد كبير من النازحين إلى المناطق المحيطة بها، مما قد يؤدي إلى استخدامها كملاجئ للنازحين، ونتيجة للمخاوف الأمنية، تم إغلاق متحف كرمة أمام الجمهور، بينما لا يزال نصب دفوفة في كرمة وموقع دنقلا الأثري القديم مفتوحين أمام الزوار.

في هذا الخصوص أوضح مدير هيئة الآثار والمتاحف بالولاية الشمالية عبدالماجد عبدالرحمن أن المواقع الأثرية بالولاية بصفة عامة في وضع أمني لا غبار عليه، وقد تدخلت أخيراً بعض المنظمات الدولية وقدمت لنا بعض المساعدات في شأن التأمين ومساعدة العاملين في المجال.

احترازات أمنية

أشار عبدالرحمن إلى وضع احترازات أمنية إضافية تجنباً لحدوث أي أخطار على المواقع الأثرية بالولاية، خصوصاً بعد ظهور بعض العوامل السلبية كالحفر والنبش نتيجة التدخلات الحديثة بسبب الهاربين من الحرب في الخرطوم إلى جانب بعض مشكلات التعدين العشوائي.

في دارفور تواجه المتاحف الأربعة في الإقليم (متحف السلطان بحر الدين بالجنينة ومتحف السلطان علي دينار بالفاشر ومتحف نيالا ومتحف شيكان بالأبيض) تهديدات كبيرة بالتدمير والنهب بسبب استمرار التوتر والنزاعات في المنطقة، وتأكد تعرض بعض تلك المتاحف لأضرار جزئية بسبب التفجيرات ومقذوفات القصف العشوائي.

من جانبه يأمل الباحث الأثري فوزي بخيت في أن تكون المبادرات الوطنية والعالمية المشتركة المطروحة الآن لحماية وصون التراث القومي ذات فاعلية أكبر في المستقبل القريب، خصوصاً بعد انعقاد ورش الحماية في القاهرة تحت رعاية "إيكروم" و"يونيسكو" ومركز آثار الشارقة لحماية وصون التراث القومي السوداني الذي يحتاج إلى وقوف الجميع من المجتمع المحلي والمنظمات الدولية ذات الصلة معه ومساندته.

وأشار إلى حسرة المعنيين بالتراث الإنساني إثر ما يحدث الآن من تهديد واضح وكبير على مواقعنا الأثرية والتاريخية ومتاحفنا ومراكزنا الحضرية في ظل عدم اكتراث الأطراف المتحاربة منذ أكثر من شهرين.

واندلع القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل الماضي مع إحباط مساعي المبادرات الدولية أو الإقليمية الأفريقية والعربية في إقناع طرفي القتال بالجلوس إلى طاولة التفاوض أو الحوار مباشر.

وتمددت معارك من العاصمة الخرطوم إلى ولايات دارفور وجنوب كردفان وأخيراً النيل الأزرق، مما ينذر بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة فضلاً عما خلفته من أزمة إنسانية كارثية جعلت نصف السودانيين في حاجة ماسة إلى معونات غذائية عاجلة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات