سيطرت قوات النظام السوري، الخميس الثامن من أغسطس (آب)، على قريتين جديدتين شمال غربي سوريا في إطار حملتها المستمرة ضدّ فصائل المعارضة المسلّحة، بعد إعلانها الاثنين الماضي سقوط الهدنة واستئناف العمليات العسكرية في المنطقة، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتواصل قوات النظام عملياتها العسكرية على محاور عدة في ريف حماة الشمالي، جنوب محافظة إدلب، حيث تدور معارك عنيفة يرافقها قصف جوي وبري كثيف.
وأورد المرصد السوري أن "قوات النظام حققت تقدماً جديداً تمثّل بالسيطرة على قريتي الصخر والجيسات، شمال حماة عند الحدود الإدارية مع محافظة إدلب"، ويأتي هذا التقدّم غداة سيطرة النظام على قرية الأربعين وبلدة الزكاة في شمال حماة.
قتلى من الطرفين
وأسفرت المعارك، الدائرة منذ الأربعاء وفق المرصد السوري، عن مقتل 18 عنصراً من الفصائل المعارضة، بينهم 11 مقاتلاً، فضلاً عن سبعة عناصر من قوات النظام والمسلّحين الموالين لها.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على غالبية محافظة إدلب ومناطق محاذية لها في شمال حماة وغرب حلب وشمال اللاذقية، إضافة إلى تواجد فصائل إسلامية ومعارضة أقلّ نفوذاً في المنطقة.
وتردّ الفصائل المقاتلة على تصعيد النظام العسكري باستهداف مناطق سيطرته بالقذائف الصاروخية. وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، الاثنين، بأن "المجموعات الإرهابية المسلحة تستهدف ريف اللاذقية الشمالي بعدة قذائف صاروخية"، ما أسفر عن إصابة خمسة مدنيين بينهم طفلان.
سقوط الهدنة واستئناف العمليات العسكرية
وكان جيش النظام استأنف الاثنين عملياته القتالية في إدلب ومحيطها، بعد اتهامه الفصائل المقاتلة فيها برفض "الالتزام بوقف إطلاق النار"، الذي أعلنت عنه دمشق ليل الخميس الجمعة في الأول من أغسطس، وبقصف قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية المجاورة لإدلب، والتي تتّخذها روسيا مقراً لقواتها الجوية.
واشترطت دمشق لتنفيذ الهدنة التزام الفصائل بتنفيذ مضمون اتفاق سوتشي، الذي توصلت إليه تركيا وروسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي، ونصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب.
وفي هذا السياق، انتقد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، الخميس، رئيس النظام السوري بشار الأسد لاستئنافه العمليات العسكرية في شمال غرب البلاد، واصفاً الوضع هناك بالـ "مروّع". وكتب راب على تويتر "روعني الوضع في إدلب. الأسد ألغى بدعم من روسيا وقفاً مشروطاً لإطلاق النار بعد أيام فقط من إعلانه. إنه نمط سلوك متكرر". أضاف "الهجمات على أهداف مدنية تمثّل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. هذا الأمر يجب أن يتوقف".
وشهدت المحافظة المعنية ومحيطها هدوءاً بموجب الاتفاق، قبل أن تتعرّض منذ نهاية أبريل (نيسان)، لقصف شبه يومي من طائرات سورية وأخرى روسية، لم يستثن المستشفيات والمدارس والأسواق.
وتسبّب التصعيد بمقتل أكثر من 800 مدني في القصف السوري والروسي، فضلاً عن حوالى 80 آخرين في قذائف الفصائل، وفق المرصد السوري، كما أحصت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 400 ألف شخص إلى مناطق أكثر أمناً في إدلب، منذ نهاية أبريل.
اتفاق أميركي تركي بشأن شرق الفرات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمّا شرقاً، فأبدت دمشق الخميس رفضها "القاطع" للاتفاق الأميركي- التركي الرامي إلى العمل على إنشاء "منطقة آمنة" في شمال سوريا، محملة الأكراد، الذين أبدوا حذراً في مقاربة الاتفاق الذي لم تتّضح تفاصيله، مسؤولية ذلك.
وبعد ثلاثة أيام من المحادثات المكثّفة لتفادي هجوم تركي جديد ضدّ أكراد سوريا شرق نهر الفرات، أعلنت واشنطن وأنقرة، الأربعاء السابع من أغسطس، الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك "لتنسيق وإدارة منطقة آمنة" في مناطق سيطرة الأكراد قرب الحدود التركية.
وبدا الاتفاق محاولات جديدة لكسب الوقت، إذ لم يتضمّن أي تفاصيل معلنة حول حجم تلك المنطقة الآمنة أو موعد بدء إنشائها أو كيفية إدارتها، بل اكتفى بالإشارة إلى أنها ستكون "ممراً آمناً" مع التأكيد على ضرورة عودة اللاجئين السوريين في تركيا.
رفض "قاطع" من دمشق والأكراد حذرون
وأكّد مصدر في وزارة خارجية النظام السوري "رفض سوريا القاطع والمطلق للاتفاق الذي أعلن عنه الاحتلالان الأميركي والتركي حول إنشاء ما يسمى بالمنطقة الآمنة"، مضيفاً أن "بعض الأطراف السورية من المواطنين الأكراد التي فقدت البصر والبصيرة وارتضت لنفسها أن تكون الأداة والذريعة لهذا المشروع العدواني الأميركي التركي تتحمّل مسؤولية تاريخية في هذا الوضع الناشئ"، وفق ما جاء في وكالة سانا.
وتعليقاً على الاتفاق، قال القيادي الكردي البارز ألدار خليل، لوكالة الصحافة الفرنسية "قد يكون هذا الاتفاق بداية أسلوب جديد، لكن نحتاج لمعرفة التفاصيل وسنقوم بتقييم الأمر بحسب المعطيات والتفاصيل وليس اعتماداً على العنوان". أضاف "في جميع الأحوال لا يزال (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) مصراً على إنهاء وجودنا".
قلق ومخاوف
مستشارة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا نجاة رشدي عبّرت بدورها عن أسفها لانهيار وقف إطلاق النار في شمال غرب البلاد، وقالت إن تجدّد العنف يهدّد حياة الملايين من الناس. كما أشارت رشدي، مستشارة غير بيدرسن، إلى الاتفاق الأميركي التركي، قائلةً في بيان "هناك مخاوف متزايدة لدى جهات الإغاثة من التصريحات التي تشير إلى تدخل عسكري محتمل والذي ستكون له تبعات إنسانية فادحة في منطقة شهدت بالفعل على مدى سنوات عمليات عسكرية ونزوحاً وموجات جفاف وفيضانات".
ومع توسّع دور الأكراد في سوريا وإنشائهم إدارة ذاتية في شمال وشمال شرقي البلاد، زادت خشية تركيا من إقامتهم حكماً ذاتياً قرب حدودها. ولمواجهة توسّعهم، شنّت أنقرة، منذ عام 2016، عمليتين عسكريتين في سوريا، وتمكّنت عام 2018 من السيطرة، مع فصائل سورية موالية لها، على منطقة عفرين، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية.
ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ تهديدات أنقرة بشنّ هجوم جديد على مناطق الأكراد شرق نهر الفرات، حيث ينتشر مئات العناصر من القوات الأميركية الداعمة للأكراد.