Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معدلات الرسوب و"الغش" يشغلان كليات القمة في مصر

علامات استفهام حول رسوب أغلب طلبة كليتي طب أسيوط وجنوب الوادي وكلمة السر في "لجان أولاد الأكابر" بالثانوية العامة

تزايد حالات الرسوب بعدد من كليات القمة على غير المألوف آثار جدل واسعا بين رواد مواقع التواصل في مصر (الصفحة الرسمية لجامعة القاهرة على فيسبوك)

ملخص

بلغت نسبة الرسوب بين طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب بجامعة أسيوط نحو 60 في المئة، فيما بلغت معدلات الرسوب لدى طلاب الفرقة الأولى من كلية الطب البشري بجامعة جنوب الوادي أكثر من 70 في المئة، وأكثر من 80 في المئة من طلاب الفرقة الأولى من كلية طب الفم والأسنان بالجامعة نفسها.

أثارت وقائع رسوب أعداد كبيرة من الطلاب بكليتي طب بجامعة أسيوط وجنوب الوادي (جنوب مصر) صدمة كبرى في الأوساط الأكاديمية، صاحبها ردود أفعال وتفاعل واسع من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أعربوا عن دهشتهم وتعجبهم من تزايد حالات الرسوب بتلك الكليات على غير المألوف والمتعارف عليه، بخاصة أن تلك الكليات لا يلتحق بها إلا المتفوقون والحاصلون على درجات مرتفعة في شهادة الثانوية العامة.

وكان لافتاً بلوغ نسبة الرسوب بين طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب بجامعة أسيوط نحو 60 في المئة، فيما بلغت معدلات الرسوب لدى طلاب الفرقة الأولى من كلية الطب البشري بجامعة جنوب الوادي أكثر من 70 في المئة، وأكثر من 80 في المئة من طلاب الفرقة الأولى من كلية طب الفم والأسنان بالجامعة نفسها.

تلك الوقائع فجرت بدورها تساؤلات عدة حول الأسباب الرئيسة وراء تلك الظاهرة، وأسباب ظهورها في عدد من كليات الطب أو ما يعرف باسم كليات "القمة"، ومدى ارتباطها بظاهرة الغش في الثانوية العامة وما اشتهر إعلامياً وعلى منصات التواصل الاجتماعي بـ"لجان أولاد الأكابر"؟.

"اندبندنت عربية" حاولت التوصل إلى إجابات عن تلك التساؤلات من خلال متخصصين في الجانب الأكاديمي ومسؤولين، للكشف عن تلك القضية من مختلف جوانبها وزواياها.

"الراسبون من طلاب السودان" كلمة السر

وفي هذا الصدد يقول عميد كلية الطب بجامعة أسيوط (جنوب مصر) الدكتور علاء عطية إن رسوب هذا العدد الكبير من طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب كان مفاجئاً وغير متوقع، بخاصة أنها الواقعة الأولى التي تشهدها الكلية، إذ كانت نسب النجاح خلال السنوات السابقة تتراوح ما بين 80 إلى 85 في المئة، موضحاً أن عدد الراسبين في الكلية خلال العام الحالي بلغ 720 طالباً من إجمالي 1207 طلاب مقيدين بالفرقة الأولى للعام الجامعي 2022-2023 بنسبة رسوب تصل إلى 60 في المئة.

يفسر عطية خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" الأسباب الرئيسة وراء تلك الواقعة إلى رسوب أعداد كبيرة من الطلاب السودانيين الوافدين، إذ رسب 339 من إجمالي 350 سودانياً ولم ينجح سوى 11 سودانياً فقط، مؤكداً أن هؤلاء السودانيين لم يلتزموا منذ بداية العام الدراسي بمواعيد الحضور للمحاضرات وهو ما أثر في قدرتهم على فهم المواد والإلمام بتفاصيلها وأدى في النهاية إلى رسوبهم، مشيراً إلى أن نسبة النجاح كانت ستكون 60 في المئة وليس 40 في المئة إذا ما نجح الطلاب السودانيون.

واستدرك حديثه قائلاً: "غياب الطالب أسبوعاً عن كلية الطب يفرق كثيراً في مستواه التعليمي ومن يرسب في مادة واحدة ينطبق عليه لفظ راسب، وإذا رسب في أكثر من مادة يتوجب عليه إعادة السنة الدراسية، وكلية الطب لها نظام دراسة وتقييم ثابت وغير المميز لا يستطيع أن يكمل فيها".

صدمة أكاديمية جديدة

صدمة أخرى تلقاها المجتمع الأكاديمي في جامعة جنوب الوادي، عقب رسوب أعداد كبيرة من طلاب كلية الطب بالجامعة، إذ يقول رئيس جامعة جنوب الوادي الدكتور يوسف الغرباوي خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" إنه تقدم لامتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية الطب البشري بقنا من طلاب الفرقة الأولى 512 طالباً وطالبة، نجح منهم 146 فقط بنسبة 28.51 في المئة بينما رسب البقية، وبلغ عدد المقيدين بالفرقة الأولى في كلية طب الفم والأسنان نحو 249 طالباً وطالبة نجح منهم في الفصل الدراسي الأول 52 طالباً وطالبة فقط، وهو أيضاً العدد نفسه الناجح في الفصل الدراسي الثاني، بخلاف أن عدد المتقدمين لأداء امتحانات الفصل الدراسي الثاني كان 238 طالباً وطالبة، أي بلغ معدل الرسوب نحو 80 في المئة.

وفقاً لـ"الغرباوي" فإن نسب الرسوب العالية لهؤلاء الطلاب ترجع إلى الوافدين الجدد من الثانوية العامة، ووجود شريحة من الطلاب لم ينخرطوا سريعاً في دراسة الطب ولم يمكنهم مستواهم التعليمي من النجاح، علاوة على أن بعضهم لغته الإنجليزية ضعيفة وتعلم الطب في الكلية يعتمد في الأساس على اللغة الإنجليزية، مؤكداً أن 70 طالباً من الملتحقين بالدور الأول والراسبين في مختلف المواد أدركوا أن مستواهم لن يؤهلهم للاستمرار في دراسة الطب ولم يكملوا الدراسة، مؤكداً أن جميع الراسبين من المصريين ولا يوجد بينهم وافدون.

ويؤكد أن نسبة النجاح في كليات الطب بالجامعة العام الماضي بلغت 84 في المئة، وهي النسبة المعتادة بالكلية ولا تقل عن ذلك، مشيراً إلى أن كلية الطب حائزة على اعتماد الجودة ومعتمدة وتقدم تعليماً منضبطاً وفقاً لأطر جودة التعليم العالي سنوياً وتسعى إلى تقديم خدمة تعليمية مميزة تتماشى مع متطلبات الجودة، مشيراً إلى أنه لا مجال للخطأ في التقويم والتقييم وتصويب الامتحانات، موضحاً أنه يحق للطالب التظلم على النتيجة في مادة أو جميع المواد حال ظنه أنه ظلم في التصحيح، وفقاً لقانون تنظيم الجامعات.

وفي تصريحات تلفزيونية كشف الدكتور علي عبدالرحمن غويل عميد كلية طب قنا بجامعة جنوب الوادي عن أن معدلات الرسوب لطلاب الفرقة الأولى بالكلية بلغت 70 في المئة، مشيراً إلى أنه حاول البحث عن أسباب تلك المشكلة بخاصة أن جميع العوامل ثابتة في المنظومة سواء طريقة التقييم والتدريس ولم يكن هناك متغير سوى الطالب نفسه فقط، موضحاً أن نسبة النجاح منذ إنشاء الكلية لم تقل عن 90 في المئة.

ويوضح أنه قام بعمل إحصاء في محاولة للتعرف على أسباب الرسوب لهذا العدد الكبير من طلاب الطب، واكتشف أن 95 في المئة من الطلاب الراسبين قادمون من "مدارس بعينها ومراكز بعينها"، وهو ما يؤكد أنه لم يكن هناك تقييم صحيح لهؤلاء الطلاب قبل التحاقهم بالتعليم الجامعي، موضحاً أنه قام بتسليم نتائج الإحصاء إلى جهات التعليم قبل الجامعي لمتابعة تلك النتائج.

وقائع سابقة

ولم تكن تلك الوقائع هي الأولى من نوعها، ففي أغسطس (آب) من العام الماضي أثارت نتائج طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب جامعة سوهاج (جنوب مصر)، ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد رسوب ثلث الطلاب، وأظهرت النتائج رسوب 229 طالباً بالفرقة الأولى بكلية الطب جامعة سوهاج، من إجمالي 671 طالباً مقيدين بالفرقة الأولى بالكلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي يناير (كانون الثاني) من عام 2018 شهدت جامعة المنصورة أزمة كبرى، بعدما خرج طلاب الفرقة السادسة بكلية الطب بقسم الجراحة الذين يزيد عددهم على 1200 طالب من امتحان الورقة الثالثة للمادة بدعوى صعوبة الامتحان، مما أدى إلى حدوث حال من الهرج داخل اللجان، وانتهت لجنة تقصي الحقائق التي شكلت إلى توصية بحصول 1200 طالب بالسنة السادسة في الكلية على درجة صفر في مادة الجراحة، بعد رفض الطلاب الإجابة عن أسئلة الامتحان بحجة صعوبتها، وخروجهم من لجان الامتحان وتجمهرهم بالكلية مطالبين بإعادته.

مواجهة برلمانية

ودخل البرلمان المصري على خط الأزمة بعد وقائع الرسوب في كليات الطب، إذ طالبت النائبة البرلمانية سميرة الجزار من الدكتور محمد أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي بتشكيل لجنة من كبار الأساتذة بكلية الطب في جامعة القاهرة باعتبارها واحدة من أعرق الجامعات على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا للتحقيق العاجل في نتيجة نجاح سنة أولى في كلية الطب بجامعة أسيوط التي بلغت 40 في المئة فقط.

ووجهت الجزار في سؤال تقدمت به لرئيس مجلس النواب حنفي جبالي قائلة: "هل هذه المشكلة التعليمية غير المسبوقة في تاريخ كل الجامعات المصرية الحكومية والأهلية والخاصة محصورة في تدني مستوى الطلاب بكلية الطب في جامعة أسيوط؟ وهل هذه الكارثة التعليمية لها علاقة بظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة في الأعوام السابقة؟ وهل ظاهرة لجان الأكابر لا تزال مستمرة في امتحانات الثانوية العامة؟ وهل إذا استجاب وزير التعليم العالي لاقتراحي الخاص بتشكيل لجنة من كبار الأساتذة من كلية طب القصر العيني بجامعة القاهرة يسمح لهذه اللجنة بإجراء مقابلات مع الطلاب الراسبين لمعرفة أسباب رسوبهم؟".

وفي طلب إحاطة آخر للبرلماني أحمد عبد السلام قورة بشأن ما تداولته الصحف والمواقع الإخبارية بخصوص رسوب 625 طالباً بالفرقة الأولى بكلية الطب جامعة أسيوط منهم 600 طالب من محافظة سوهاج، قال "إنه سبق وتقدم إلى وزير التربية والتعليم بأكثر من طلب على مدار السنتين الماضيتين، عرض في كل منها عدداً من الأمارات والدلائل الخطرة على تحويل محافظة سوهاج بصفة عامة ومركز دار السلام بصفة خاصة إلى بؤر تستغل لتسهيل الغش في امتحانات الثانوية العامة، وطالب مراراً وتكراراً أن تجفف منابع هذه البؤر من خلال وقف سيل التحويلات غير المبرر إلى محافظة سوهاج من خارج أبناء المحافظة، وفي داخل نطاق المحافظة من مركز إلى مركز من دون وجود أي مبرر منطقي وبما يزيد على الطاقة والكثافة العددية للمدارس المحول إليها".

ضعف منظومة الامتحانات و"لجان الأكابر"

ومن جهته يرى الخبير التربوي وأستاذ القياس والتقويم الدكتور محمد فتح الله أن وقائع الرسوب في عدد من كليات الطب التي برزت خلال الآونة الماضية أظهرت أمرين رئيسين، الأول أن هناك جدية حقيقية في الاختبارات والتقييمات في التعليم الجامعي بينت القدرات الحقيقية لهؤلاء الطلاب، وهو إصلاح في محله، والأمر الثاني أنها عكست ضعف منظومة امتحانات الثانوية العامة وحال من التضخم في المجاميع بشكل غير شرعي، مما تسبب في دخول طلاب غير أكفاء ولا يمتلكون القدرة على دراسة تلك المقررات والمناهج، مؤكداً أنه كان لافتاً ما أشيع على منصات التواصل الاجتماعي خلال امتحانات الثانوية العامة حول وجود مدارس بعينها تبلغ نسبة النجاح فيها 95 في المئة أو ما عرفت بـ"لجان أولاد الأكابر" ولم تخرج أية جهة رسمية لتؤكد أو تنفي هذا الأمر.

يشار إلى أن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق كان أكد في تصريحات له أن نسبة الغش في الامتحانات وصلت إلى 85 في المئة نظراً إلى فقدان الرغبة في التعلم، موضحاً أن الدولة تتكلف مليار و300 مليون لمواجهة ظواهر الغش.

يضيف "فتح الله" خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الحل يكمن في تطوير منظومة التقويم في التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي فهي بحاجة إلى مراجعة حقيقية، كما يجب أن يتولى تلك المنظومة المتخصصون لأنه علم له أصوله وأدبياته، مشيراً إلى أن منظومة التقويم تؤثر في منظومة التعليم ككل، علاوة على ضرورة تدريب القائمين على منظومة وضع الامتحانات، وتدريب المعلمين على إعداد الاختبارات، وهو ما سيطور آليات الحكم على كفاءة الطلاب.

المزيد من تقارير