Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أم قصر"... هل يلتئم آخر جرح حدودي بين العراق والكويت؟

توافق رسمي حول ترسيم المنطقة وحكومة بغداد تؤكد لمواطنيها تماشيه مع القرارات الأممية ومراقبون البعض يستغل الأمر سياسياً

نقطة حدودية بين العراق والكويت في أم القصر تعود لعام 1994 (غيتي)

ملخص

يرى متابعون أن الكويت والعراق مرتبطان بشكل لن يتمكن فيه أي طرف أن يتقدم خطوة إلى الأمام إلا بتقدم الطرف الآخر معه

لا يزال العراق والكويت يلملمان خلافاتهما العالقة منذ عقود، لا سيما في ملفات مصيرية من شأنها أن تبعدهما من الدخول في صراعات جديدة تؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين، التي اتسمت خلال الأعوام الأخيرة بالهدوء والتمهيد لتصفية الخلافات من أجل التعاون في مجالات سياسية واقتصادية وتنموية.

العلاقات الكويتية - العراقية شهدت خلال الأشهر الماضية تطوراً في المستوى الرسمي على رغم أن كثيراً من الملفات العالقة لا تزال تكدر صفو المحادثات بين حين وآخر، وتتعالى ردود الأفعال على المستوى الشعبي، وكذلك التكتلات والأحزاب السياسية في قضايا مختلفة، أبرزها ما أثير أخيراً حول تسليم العراق منطقة أم قصر الحدودية إلى الكويت.

أثار موضوع ترسيم الحدود بين العراق والكويت كثيراً من الجدل السياسي والشعبي في بلاد الرافدين، بعدما كشف وزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد نهاية الشهر الماضي عن تسلم بلاده منازل في منطقة أم قصر جنوب محافظة البصرة.

تنازل ونفي

أثار العراقيون الجدل عقب تصريحات وزير خارجية الكويت، التي تحدث فيها عن وعود الحكومة العراقية في شأن إزالة منازل عراقيين في ناحية مدينة أم قصر الحدودية. 

وعقب زيارة المسؤول الكويتي وجهت بغداد بإبعاد الأسر والعائلات من ناحية أم القصر الموازية للحدود العراقية - الكويتية، وإسكانهم في مجمع سكني جديد خصص لهم بعيداً من الخط الحدودي، مما أثار جدلاً بلغ حد وصف الشارع العراقي لمحمد شياع السوداني بأنه قدم تنازلات حكومية إلى الكويت في ملف ترسيم الحدود وتخلى عن المدينة.

وبعد تصعيد شعبي وسياسي في شأن مزاعم تنازل العراق عن جزء من أراضيه للكويت، أصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً صحافياً يوم الأربعاء 2 أغسطس (آب) أكدت فيه أن الحكومة "ملتزمة بقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بترسيم الحدود مع الدولة الجارة، ونفت "التفريط في سيادة العراق البرية أو البحرية، لا سيما في ما يتعلق بمدينة أم قصر".

وأوضحت بغداد في بيان الخارجية أن "الترسيم الحدودي البري مع الجانب الكويتي جاء وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 833، وأن الحكومة تبدي التزامها التام في شأنه وإيفاءها بالالتزامات الدولية ذات الصلة".

ولفتت الوزارة إلى أن "المساكن الحكومية الكائنة بمحاذاة الدعامات الحدودية بين العراق ودولة الكويت، تقع على أرض عراقية قبل تشييدها وبعد انتقال ساكنيها من المواطنين العراقيين إلى الحي السكني الذي شيد ليكون بديلاً أكثر استقراراً لهم، بما لا يمس حرمة السيادة العراقية، التي لا تعد خياراً، بل مساراً تعمل الوزارة على تأكيده".

الابتزاز السياسي

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي عبر بيان صحافي إن ترسيم الحدود "أمر محسوم منذ عام 1994، ولم يتغير شيء في الإجراءات"، لافتاً إلى أن هذا الملف تحول منذ عام 2003 إلى ملف داخلي سياسي، وأن الأزمة التي أثيرت أخيراً تستخدم للابتزاز السياسي".

من جهته، أوضح محافظ البصرة أسعد العيداني في تصريح تلفزيوني أن "المساكن كانت تقع في منطقة يمر بها الشريط الحدودي، وكان يجب نقلها إلى عمق الأراضي العراقية". لكن النائب عن البصرة رفيق الصالحي اعتبر في تصريح لقنوات عراقية أن "الكويت تحاول التقدم في العمق العراقي بحراً وبراً بموافقات وقرارات أممية جائرة".

دعاية انتخابية

ويشير باحثون في الشأن العراقي لـ"اندبندنت عربية" إلى أن أطرافاً داخلية استغلت موضوع ترسيم الحدود بين العراق والكويت لتحقيق أهداف سياسية حيث تجد في تسويق هذا الموضوع دعاية انتخابية مبكرة، خصوصاً وأن الانتخابات المحلية على الأبواب، إذ وجدت في ذلك فرصة مناسبة لكسب صوت الشارع البصري، مؤكدين أنه كان هناك قرار أممي لتشكيل لجنة لترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت.

وأضاف الباحثون أن العراق يستشعر أن كل مأساته أتت من غزو الكويت في عام 1990، وهذه القضية تأخذ بعداً إعلامياً وشعبياً في كل مناسبة.

وقال وزير الخارجية الكويتي أثناء المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره العراقي فؤاد حسين، وبحضور محافظ البصرة أسعد العيداني، إن "الوعود التي أطلقها محافظ البصرة بشأن إزالة منازل عراقيين في أم قصر وتسليم مناطقها للكويت، تم تنفيذها"، موجهاً شكره "للمحافظ بشكل خاص".

سُوقت سياسياً

وتعليقاً على الانتقادات التي طالت محافظ البصرة، رأى العيداني أن "قضية ميناء أم قصر وترسيم الحدود سُوقت سياسياً. كما أن مسألة ترسيم الحدود مع الكويت أصبحت من ضمن الدعاية الانتخابية المبكرة".

وأضاف أن "نواباً يشوهون الحقيقة" ويدعون أن العراق يبيع أراضيه إلى الكويت، لافتاً إلى أن "العراق والكويت اتفقا في عام 2013 على بناء منازل خاصة للعوائل العراقية الساكنة على الحدود، وأن محافظة البصرة جهزت المنازل المتاخمة للحدود العراقية الكويتية بالماء والكهرباء"، متهماً جهات سياسية سعت إلى إسقاطه ضمن السباق الانتخابي.

وانتقد العيداني قائد المنطقة الرابعة السابق الذي أكد أنه يسعى لاستثمار ملف أم قصر انتخابياً، مبيناً أن "محافظة البصرة لا تمتلك صلاحية ترسيم الحدود مع الكويت"، ومشدداً على أنه "لن تذهب أي ذرة تراب من الحدود العراقية إلى الكويت".

وبحسب العيداني فإن "الشارع المحاذي للحدود العراقية – الكويتية، عراقي 100 في المئة، ومن يقودون الحملة ضدي حول بيع أراض عراقية إلى الكويت، لا يدركون الملف الحدودي مطلقاً".

ولفت محافظ البصرة إلى أن "الكويت شيدت 99 منزلاً على أراض عراقية وستوزع للعوائل التي تسكن على الحدود، ورئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) كلفني وفق القانون بتوزيع المساكن على العائلات العراقية الساكنة على الحدود"، التي أكد أنها "استلمت جميع المنازل ولم تسكنها حتى الآن"، منوهاً بأن "معارضي صدام حسين بيضوا صورته من خلال تشويه ملف بيع أراض عراقية للكويت".

وطالب محافظ البصرة بـ "لجنة من البرلمان العراقي لزيارة الدعامة 106 المتاخمة للحدود العراقية الكويتية".

ما هي أم قصر؟

على مدار الأيام الماضية، احتل اسم منطقة "أم قصر" (الترند) الأول على مواقع التواصل الاجتماعي، مع تبادل الاتهامات والانتقادات الحادة على المستوى السياسي والشعبي بأنها بيعت إلى الكويت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير مصادر إلى أن أم قصر التي تقع أقصى جنوب العراق ضمن محافظة البصرة وتضم ميناء أم قصر، كانت قبل بناء الميناء عبارة عن قرية صغيرة يمتهن سكانها صيد السمك، وأصبحت مدينة بعد عام 1958 بعد بناء الميناء.

وأثناء الحرب العراقية - الإيرانية برزت أهمية ميناء أم قصر، لأن الحرب منعت العراق من استخدام موانئه الأخرى القريبة من أجواء المعارك، حيث تعرضت أم قصر إلى تهديد خطير عندما نجحت إيران في عام 1986 في إحكام سيطرتها على قضاء الفاو، القريب جداً من الميناء الحيوي والرئيس للملاحة في العراق، لكن أم قصر لم تقع في أيدي القوات الإيرانية أثناء حرب الخليج الأولى.

لكن في حرب الخليج الثانية تعرضت أم قصر إلى قصف شديد مما أدى إلى شل الحركة فيها وتدمير البنى التحتية في المدينة الصغيرة.
تصور خاطئ

رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري يرى أنه "تم تصور الأمر بطريقة خاطئة، خصوصاً أن الموضوع لا يرتبط في بيع أم قصر مثلما يروج، بقدر ما هو مرتبط في سلسلة قضايا منها ما يرتبط بقرار مجلس الأمن والاتفاقات التي تعني الطرفين الكويتي والعراقي في موضوع الدعامات".

وأقر الشمري بأن "ما يحدث هو أن هناك أطرافاً داخلية استغلت هذا الموضوع لأهداف سياسية"، وقال إن "طبيعة الأحداث وقضية بناء مجمعات من قبل الكويت، وحتى الدعامات، لا تزال موجودة"، معتقداً أن "هناك من يحاول خلق فجوة شعبية ما بين العراق والكويت، وهي أطراف داخلية تعمل وفق أجندات داخلية وخارجية. ولا أتصور أن لهذه الأطراف تأثير في مستوى العلاقة بين البلدين".

وشدد على أن "هناك قناعة تامة لدى صانع القرار العراقي والنخبة الواعية وأيضاً لدى الكويت، بأن العلاقة يجب أن تستمر في أفضل حالاتها"، معتبراً أن "القضية برمتها سياسية داخلية وقد تكون مدفوعة خارجياً".

قال الباحث السياسي العراقي عصام الفيلي اعتبر أن "قضية العراق والكويت تأخذ بعداً شعبياً أكثر منه قانونياً نظراً لطبيعة الحساسية القائمة ما بين البلدين"، مبيناً أن "الكويت تشعر بالخطر الذي كان يهددها منذ عهد الملك الراحل غازي بن فيصل، وهذا الخطر يتجدد في كل تغيير حكومي أو في هيكلية الدولة العراقية". ودعا إلى أن "يكون هناك شكل من أشكال التهدئة وسماع الصوت المتعقل الذي يثبت حقوق الدولتين في هذه الحدود احتراماً للقرارات الأممية".

حدود رسمية

بدوره قال متخصص الفلسفة السياسية والمعاصرة بجامعة الكويت محمد الوهيب إن "المسألة الحدودية ليست وليدة اليوم، إذ مرت بتطورات وتحديات كثيرة، وكانت المساحة مفتوحة بين الكويت والعراق، ولم تكن هناك مراكز حدودية، وليست نقاطاً حدودية بين الطرفين، ولكن الأمم المتحدة هي من ضغطت باتجاه ترسيم الحدود".

وأضاف الوهيب "قررت الدولتان إغلاق الملف والاتفاق على نقاط حدودية رسمية معترف بها رسمياً بينهما، وعند التطبيق على الخريطة وجدت هناك قرية تعتبر منطقة حدودية، وكما يعلم الجميع فإن المنطقة المحايدة تبلغ كيلومتراً تقريباً بين البلدين، ونتيجة لذلك دفعت الكويت ملايين لبناء البيوت، وجاء وقت التنفيذ ونقل من يسكنون في قرية أم قصر إلى البيوت الجديدة".

وأشار الأكاديمي الكويتي إلى أن "هناك هجمة داخلية ضد الحكومة العراقية هدفها إسقاط الملف في دوامة السياسة لأغراض داخلية، وذلك من خلال تسويق أن سلطات بغداد فرطت في أرض أم قصر للكويت".

وفي سياق متصل وصف الكاتب الكويتي فهد الشليمي الغضب العراقي بأنه تجييش وشحن للمواطنين بمعلومات مغلوطة للتغطية على فشل الأحزاب الموالية لإيران في خلق وظائف للشباب، وكذلك التغطية على سرقة مليارات الدولارات وتهريبها.

المصالح المشتركة

في السياق، قال الباحث السياسي الكويتي عبدالله خالد الغانم إنه "بناءً على قرار الأمم المتحدة رقم 833 لعام 1993 واعتراف الجمهورية العراقية آنذاك بالحدود الدولية الكويتية - العراقية، تم تعريف ما يسمى نطاق محرمات الدعامات الحدودية، ويصدف أن هناك 100 ومنزلين اثنين، تقع في الجانب العراقي ضمن نطاق محرمات الدعامات الحدودية، مما استدعى تفاهماً كويتياً - عراقياً لإزالة هذه المنازل وتكفلت الكويت ببناء منازل أخرى بديلة لأشقائنا قاطني هذه المنازل الواقعة في النطاق المحرم، وقد تكفلت الكويت ببناء 228 منزلاً قرب المنطقة المتفاهم على إزالتها بشكل يعوض قاطني هذه المنازل ويحقق متطلبات ومستلزمات الترسيم الحدودي البري الكويتي– العراقي".

وأقر الباحث الكويتي بأن "ما يثيره بعض السياسيين والإعلاميين العراقيين حول إزالة هذه المنازل يصور الأحداث وكأنها تسليم أراض عراقية للكويت وهذا غير حقيقي ومناف للواقع تماماً. ويبدو أن هذا الخطاب الذي يظهر صورة غير حقيقة عن هذا الموضوع، هدفه قد يكون انتخابياً مع قرب الانتخابات البرلمانية المبكرة، وحقيقةً من المؤسف أن يستغل سياسيون مثل هذه الملفات السيادية التي تمثل المصالح العليا للدولتين بشكل يضر بها ويعرقل سلاستها لمجرد أهداف انتخابية داخلية".

ورأى أن "مصالح العراق ومصالح الكويت مرتبطة بشكل مباشر ولا فكاك منها. وتفرض التعاون والتفاهمات المشتركة في كل الملفات البينية، لأنه في نهاية المطاف قدر الدولتين أنهما جارتان ويجمعهما شريط حدودي طوله 212 كيلومتراً، فضلاً عن تشابك المصالح اللوجستية والاقتصادية والملاحية والأمنية بشكل لن يتمكن فيه أي طرف أن يتقدم خطوة إلى الأمام إلا بتقدم الطرف الآخر معه".

توصيات أممية

وأشاد وزير الخارجية الكويتي خلال زيارته العراق بـ "إنجاز مشروع المجمع السكني في مدينة أم قصر"، موضحاً أن "هذا المشروع جاء بديلاً عن المنازل المتاخمة لخط الحدود بين الكويت والعراق في منطقة أم قصر تمهيداً لإزالتها، وتنفيذاً لتوصيات فريق الأمم المتحدة في شأن صيانة العلامات الحدودية بين البلدين، وإزالة العوائق على جانبي الحدود كافة"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا)، وكانت الأمم المتحدة حددت عام 1993 الحدود البحرية والبرية بين البلدين إثر غزو العراق الكويت عام 1990.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير