Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشارلي شابلن على خشبة برودواي مصرية رقصا وموسيقى

سيرة نجم السينما الصامتة تخاطب قضايا العصر فنيا وسياسيا

مسرحية "تشارلي" المصرية على طريقة برودواي (خدمة الفرقة)

ملخص

سيرة نجم السينما الصامتة تخاطب قضايا العصر فنيا وسياسيا

تعد حياة الممثل البريطاني الأصل تشارلي شابلن (1889-1977) معيناً لا ينضب لكتاب الدراما ومؤلفي الكتب وباحثي السير الذاتية. حياة هذا الممثل، أيقونة السينما الصامته، المتشرد الصغير كما وصفوه هي الدراما بعينها، مابين الصعود والهبوط، والنجاح والفشل، والفقر والثراء، والنفي والمطاردة، والاحتفاء والتكريم، والزواج والطلاق وغيرها.

منذ أكثر من عام حلم المخرج المصري أحمد البوهي، والممثل محمد فهيم، القريب الشبه بتشارلي شابلن، بتقديم عرض مسرحي موسيقي عن حياة هذا الممثل الشهير. كتب البوهي خطوطاً عريضة للمسرحية في ما يشبه السيناريو وعرضها على الكاتب مدحت العدل الذي صاغها في قالب درامي. وكانت مسرحية " تشارلي (إنتاجاً خاصاً) التي قدمت في الرياض وجدة، وأخيراً في القاهرة على أحد مسارح مدينة السادس من أكتوبر.

بالتأكيد لم تقدم المسرحية حياة تشارلي شابلن كاملة، أو ترصدها منذ البداية وحتى النهاية، فاختار الكاتب محطات منها، دالة ومبرزة لدورتشارلي شابلن في صناعة السينما، وركزت أكثر على أمرين مهمين إلى جانب المسيرة الفنية لشابلن، وهما دور الإعلام في صناعة النجم أو في تحطيمه، وكذلك دورالأمن في محاولة إعاقة انطلاقه ومطاردته، إذا كان هذا النجم يعتنق أفكاراً يرى فيها الأمن خطراً على البلاد. وقد اتهم تشارلي شابلن بأنه شيوعي، ودبرت حوله عديد المؤامرات حتى نفي من الولايات المتحدة الأميريكة مدة عشرين عاماً عاشها في سويسرا، إلى أن رد إليه اعتباره، وعاد إلى أميركا عام 1972 ليتسلم الجائزة الأكاديمية للإنجاز، ومنحته ملكة إنجلترا الراحلة إليزابيث الثانية لقب "سير" عام 1975.

اعتمد العرض على فكرة اللوحات التي لم تلتزم السياق التاريخي لحياة شابلن، بمعنى أن ترتيبها لم يعتمد المنطق الطبيعي في تواليها زمنياً، قدر اعتماده على مناسبة هذه اللوحة أو تلك، للموقف الدرامي الذي يتم تجسيده. وهنا كان العبء الأكبر على مصمم الديكور حازم شبل، الذي أدرك أنه بصدد مايشبه الفيلم السينمائي الذي ينعدم فيه الإعتام عند الانتقال من مشهد إلى آخر. وجاءت تصميماته على قدر عرض مسرحي موسيقي ضخم، تعددت مستوياتها، وتقنيات إدخالها، وطرق توزيعها على الخشبة، وراعت إفساح مساحة للرقص والاستعراض، فكان الديكور بطلاً رئيساً للعرض، الذي لم يكن من دونه قادراً على تحقيق هذا الإبهار الذي ظهرعليه.

في أحد المشاهد الدالة على دور الديكور في الدراما، وعندما يستطيع الأمن الانتصار على شابلن وتقديمه إلى المدعي العام بتهمة تبنيه أفكاراً مناهضة لسياسة الدولة، تتحرك الكتلة التي في عمق المسرح حاملة مسؤول الأمن وأتباعه، إلى مقدمة خشبة المسرح، وكأننا بتحريكها وتصدرها المقدمة، ندرك السيطرة الكاملة والتامة لرجال الأمن على الموقف ونجاحهم في مهمتهم.

إضاءة وملابس

هناك أيضاً الإضاءة التي صممها الأميركي جون هوي، التي سارت على النهج السينمائي الذي اعتمده العرض. وضع المصمم خطة إضاءة أظهرت جماليات العرض من حركة وديكور وتكوينات بصرية، وأظهرت كذلك الحالات النفسية المتعددة كالفرح والحزن والإحباط، وراعت التفصيلات الصغيرة التي سعى المخرج إلى إبرازها. وقدم المصمم عديد الأحداث باستخدام الشاشة ليضعنا في أجواء كل مشهد وكأننا نحيا بداخله.

اكتلمت الصورة بإكسسورات محمد سعد وملابس ريم العدل، وكانا عنصرين بارزين في بناء صورة العرض وجمالياته، وعلى قدر عال من التوافق مع طبيعة شخصيات الممثلين والراقصين والفترات الزمنية المختلفة في مسار الأحداث.

ولأننا أمام مسرحية موسيقية فقد اعتمد كاتب النص في أغلب الحوارات على الشعر، وإن كان الإفراط في ذلك أحدث نوعاً من الخلل الدرامي، أو حتى الملل النسبي، بخاصة أننا كنا أمام حوار موقع، أو كلام موزون خال من الصور والمجازات، يحصرنا في دائرة ضيقة من المعنى. لم يكن يضير العرض شيئاً لو أنه استبدل به حواراً نثرياً أكثر تحرراً من الوزن الذي يضيق هنا عن الاكتناز بمعان أكثر قوة وتأثيراً، وأكثر شحناً للدراما.

رشاقة ومرونة

وعلى رغم الشبه النسبي بين الممثل محمد فهيم (قام بدور تشارلي شابلن) وبين شابلن، على الأقل في التكوين الجسماني، فقد سعى فهيم إلى تقديم إسهامه هو، وأدرك كذلك أن شابلن بحركاته المعروفة في أفلامه لم يكن هو نفسه في الحياة. معروف أن الممثل الكوميدي على الشاشة كان ذا شخصية جادة وصارمة في الحياة. ابتعد فهيم تماماً من طريقة كل من قلدوا شابلن أو جسدوا شخصيته في بعض الأعمال. واتسم أداؤه بفهم طبيعة الشخصية التي يلعبها، والتحولات الدراماتيكية التي مرت بها، كما اتسم، في استخدام جسده، بالرشاقة والمرونة الشديدتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعب أيمن الشيوي دور مسؤول المباحث الفيدرالية الأميركية الذي يطارد شابلن ويرصد حركاته وسكناته، ويسعى إلى الإيقاع به وتدبير المؤامرات ضده، مستغلاً تكوينه الجسماني وملامح وجهه في تجسيد الشخصية. وأدى عماد إسماعيل دور سيدني شقيق شابلن ومدير أعماله، بهدوء ورصانة وفهم لطبيعة العلاقة بينه وبين شابلن. إضافة إلى عديد الأدوار التي لعبها كل من نور قدري، وداليا الجندي، والمطرب هاني مصطفى، وروان الغاب، فضلاً عن خمسين فناناً من الممثلين الشباب والراقصين الذين صمم استعراضاتهم عمرو باتريك في شكل مبهر، مراعياً الأجواء الزمنية التي قدموا فيها رقصاتهم، على وقع ألحان إيهاب عبد الواحد وتوزيع نادر حمدي، وهي جاءت متماسة مع طبيعة العرض وعبرت عن تحولاته وانقلاباته.

على خطى برودواي

سار المخرج والكاتب على خطى المسرحيات الموسيقية في برودواي من حيث التعريف بالشخصيات، فكل شخصية تعرف بنفسها من خلال أغنية، عبر مبرر أو موقف درامي، ضمن سير الأحداث وليس بعيداً منها.

هناك كثير من المواقف، التي نعرفها عن شابلن، لم يهتم بها العرض، منها مايخص علاقاته النسائية المتعددة، وماقيل عن ساديته في التعامل مع المرأة، وغيرها مما يعد من مثالب شخصيته. وظني أن العرض لم يكن مطالباً بذلك، فمن حقه أن ينتقي من سيرة شابلن ماشاء لتوصيل الرسالة التي أرادها، بخاصة أن أغلب مايخص شابلن منشور ومعروف لمن أراد الاستزادة.

عرض تشارلي يعد واحداً من العروض الذكية المعتنى بها، قدم صورة مبهرة على مستوى الشكل، وعلى مستوى المضمون لم ينشغل بتقديم حياة تشارلي شابلن بحذافيرها أو تفاصيلها الدقيقة. قدم لمحات أوضحت الرسالة التي يريد تأكيدها حول دور الفنان ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكيف يدفع ثمنها، وكيف يصنع نفسه ويقدم تجربته المختلفة، متجاوزاً ما يصادفه من عقبات، وكيف يحاول الإعلام أو الأجهزة الأمنية، إذا لم يكن على هواهما، تدميره وتعطيل مسيرته. وكلها أمور لاتتعلق بزمان أو مكان محددين، وإنما تنسحب على الماضي والحاضر، وبالتأكيد المستقبل. إنها دائرة لافكاك من أسرها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة