ملخص
بعد توسع دائرة الحرب... هل تواجه إثيوبيا خطر التفكك لدويلات صغيرة
أعقبت انطلاق الحملة العسكرية في إقليم أمهرة الإثيوبي، (الأسبوع الماضي) حالة من الجدل والمخاوف لدى مختلف القوى السياسية والفكرية الإثيوبية، بخاصة وأن البلاد خارجة للتو من حرب مفتوحة استمرت لعامين كاملين، في إقليم تيغراي الشمالي، بين الجيش النظامي وحلفائه من جهة، و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" من جهة أخرى، قبل أن يتم التوصل لاتفاق "بريتوريا" لوقف الأعمال العدائية الموقع في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.
إذ حذرت مجموعة من النخب السياسية الإثيوبية، من إمكان دخول البلاد في حرب مفتوحة في إقليم أمهرة، وذلك بعد إعلان الحكومة اتخاذها التدابير اللازمة للحسم العسكري في هذا الإقليم.
وتوالى النشطاء والسياسيون الإثيوبيون من ذوي الوزن السياسي والاجتماعي، للتعبير عن قلقهم تجاه السياسات التي تتخذها إدارة آبي أحمد، تجاه حل القضايا الخلافية في الأقاليم الإثيوبية.
وحذروا من إمكان تفتت إثيوبيا إلى مجموعة دويلات صغيرة، بعد أن أضحت أكبر الأقاليم الإثيوبية، كإقليمي أروميا وأمهرة، مناطق حرب.
وأشاروا ألى أن الإقليمين يمثلان كتلة سكانية تصل إلى 65 في المئة من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 100 مليون نسمة.
وطالبوا رئيس الوزراء آبي أحمد، بتحكيم العقل واللجوء إلى التفاوض السلمي عوض إعلان الحرب، بخاصة وأن البلاد خارجة لتوها من حرب استنفدت إمكاناتها البشرية والمادية لأكثر من عامين.
يأتي ذلك في الوقت الذي اعترفت فيه غرفة قيادة العمليات الإثيوبية، بسيطرة المجموعات المسلحة على بلدات جديدة في إقليم أمهرة، في حين دفع الجيش الإثيوبي بتعزيزات كبيرة تجاه مدينة جوندر التاريخية في الإقليم، فيما تحصن مقاتلو أمهرة في الجبال تحسباً لمواجهات قد تستخدم فيها المسيرات.
من جهتها، دعت الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، الأطراف كافة إلى "ضبط النفس" وتحكيم العقل، مؤكدة "أن أمام القادة السياسيين والعسكريين في البلاد مسؤولية حقن الدماء"، وضرورة "أخذ العبرة من الحروب السابقة التي أرهقت مئات آلاف من الأبرياء"، ودعا المجمع الكنسي أتباعه إلى أداء الصلوات من أجل حلول السلام في البلاد.
حوار البندقية ليس حلاً
بدوره قال السياسي الإثيوبي الخبير القانوني مرارا جودينا، إن ما لا يقل عن 70 في المئة من الإثيوبيين يقعون الآن تحت حصار الصراعات المسلحة في البلاد.
وأضاف أن الحكومة التي وقعت اتفاقاً للسلام في إقليم تيغراي، ووعدت بإنهاء أزمة إقليم أروميا، بالتفاوض مع الجماعات المتمردة، وشرعت في جولة حوار في جمهورية تنزانيا، سرعان ما عادت مرة أخرى إلى "حوار البندقية" مع الجهة ذاتها التي أدارت معها التفاوض، مؤكداً أن ذلك يشير إلى أحد الاحتمالين، "إما أن جولة الحوار قد فشلت بالفعل واستبدلت بالمراجعات المسلحة"، وإما "أنها تسعى إلى تحقيق بعض الانتصارات على ميدان المعركة للعودة من موقع قوة إلى التفاوض"، موضحاً أنه في الحالتين فإن "الأبرياء من الإثيوبيين هم من سيدفعون الثمن".
واعتبر جودينا "أن بدء حملة عسكرية جديدة في أمهرة، في الوقت الذي يشهد فيه إقليم أروميا مواجهات متقطعة بين الجماعات المتمردة والجيش النظامي، وعدم تماثل إقليم تيغراي للتعافي من تداعيات الحرب الأخيرة، يجعل إثيوبيا أكثر الدول عرضة لاحتمالات التفكك والتفتيت لدويلات صغيرة".
ونوه إلى أن الوحدة الوطنية التي تشير إليها خطابات النظام الحاكم، لا يمكن تحقيقها عبر الآلة العسكرية، بل عبر الحوار الوطني الشامل الذي قد يفضي إلى "وئام مدني" ينهي الوضع القائم الذي ينزع نحو "الوحدة القسرية".
قناعة خاطئة
بدورها قالت راهيل بافي، رئيسة المجلس الاستشاري للأحزاب الفيدرالية الإثيوبية، إن أحد أكبر التحديات التي تواجه إثيوبيا منذ أكثر من سبعة عقود مضت، يتمثل في الاعتقاد الراسخ لدى النخب الحاكمة بأن "الحسم العسكري وحده القادر على حل المشكلات الداخلية"، مشيرة إلى أن تلك القناعة لم تتغير أبداً على رغم تعاقب الأنظمة الحاكمة.
وأضافت أن "الحرب في تيغراي أزهقت أرواح ما يقارب مليون شخص، من الأطراف كافة ومن المدنيين بشكل أساسي، وأن الحسم العسكري لم يكن الفيصل فيها"، مشيرةً إلى أن طرفي الصراع قد اضطرا إلى العودة لطاولة التفاوض، وتساءلت، لماذا لا يستفاد من هذه التجربة؟
وأعربت راهيل عن خشيتها من تكرار التجربة ذاتها في إقليم أمهرة الذي يتميز بكثافة سكانية تتجاوز 25 مليوناً، مما يرفع عدد الخسائر البشرية أكثر من إقليم تيغراي الذي لا يتعدى سكانه ستة ملايين نسمة.
وأوضحت "أتحدث كسياسية وكأم، لماذا يزج بأبنائنا في حروب داخلية عبثية، عوض اللجوء للحوار بين الأطراف؟".
وأكدت أن مسؤوليتها كجزء من النخبة السياسية، هي التحذير من مغبة الدخول في حروب جديدة، تسهم في تعقيد الأزمات بدلاً من حلها، لأن الحل في نهاية المطاف لن يتم إلا عبر التفاوض.
خطر التفكك
وقال جودينا مراراً في لقاء النخب الإثيوبية، "إن السيناريو الأقرب للتحقق في حال توسع نطاق الحرب في الإقليمين الأكبر أروميا وأمهرة، هو سيناريو تفكك إثيوبيا، وتحولها إلى دويلات صغيرة متناحرة وغير مستقرة".
وأضاف أن جهود النخب السياسية الآن يتمثل في مجابهة هذا السيناريو الذي أضحى قريباً أكثر من أي وقت مضى.
مؤكداً "أن مسؤوليتنا تجاوز الاستقطابات القائمة، ومنع انحدار البلاد إلى حمام دم سيفضي نحو السيناريو الأكثر قتامة"، ودعا القوى السياسية إلى تجاوز خلافاتها، للإفلات من احتمالات التفكك والتفتيت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره، رأى المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإثيوبية، تادلي آماري، أن هناك جهتين تقودان إثيوبيا نحو خطر التفتت لدول صغيرة، الأولى هي المجموعات المسلحة التي تستمد قوتها من المد القومي، واستغلال بنود الدستور الفيدرالي، والثانية هي الذهنية التي تحكم البلاد، التي تعتبر السلطة حقاً مكتسباً لها لا تقبل القسمة مع الآخرين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تؤمن بالحوار كوسيلة للإجابة على المطالب الداخلية.
ويضيف بخصوص الجماعات المسلحة، فقد وجدت في غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة منفذاً للحشد، معتمدةً على الخطاب القومي الذي يجد تجاوباً شعبياً، وتستفيد هذه الجماعات من استغلال بنود دستورية محددة، أهمها المادة 39 من الدستور الفيدرالي، التي تنص على أحقية كل إقليم في المطالبة بالاستقلال، في حال توفر ظروف سياسية معينة.
ويوضح أن "هذه المادة المقحمة في الدستور من قبل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أثناء حكمها للبلاد، تعد سابقة غريبة على الدساتير الوطنية، وقد فرضت من قبل الجماعة الحاكمة آنذاك، من أجل ضمان تحقيق المطلب التاريخي لهذا التنظيم في حال خروجه من السلطة".
مؤكداً أن غياب الديمقراطية، وسيطرة الأقلية العرقية التي حكمت البلاد لثلاثة عقود، أسهما في تصاعد المد القومي المطالب بالانفصال.
ويمضي المحلل المتخصص في الشؤون الإثيوبية، قائلاً "إن الإدارة التي تحكم البلاد الآن، لم تصنع فارقاً كبيراً على رغم الآمال التي علقت عليها، لا سيما عندما اعتمدت على الحلول الأمنية والعسكرية لمعالجة الأزمات المزمنة".
أزمة سياسية أم دستورية
ورأى المتخصص في الشؤون الإثيوبية أنه على رغم الملاحظات القائمة في الدستور الفيدرالي الساري، بخاصة في مادته الـ 39 التي تجيز انفصال الأقاليم، فإن الأزمة الحقيقية تتعلق بإدراك صانعي القرار، وعجزهم عن إدارة التنوع الإثني والقومي والديني في البلاد، إذ إن قيام نظام سياسي ديمقراطي، كفيل بتجاوز القصور الدستوري، وتغليب الوحدة الطوعية بين مختلف المكونات المشكلة للدولة الإثيوبية الحديثة.
ولفت إلى أن ثمة مطالبات من محسوبي الحزب الحاكم، لإجراء تعديلات دستورية تلغي المادة المذكورة، وتغيير نموذج الحكم نحو نظام مركزي.
وأوضح أنه "على رغم وجاهة الطرح المطالب بإلغاء المادة الخلافية، إلا أن تبني نظام مركزي قد يضاعف الأزمات"، بخاصة مع تنامي الشعور القومي خلال العقود الأربعة الماضية.
واقترح الحفاظ على المكسب الفيدرالي مع إحداث تحولات جوهرية في الممارسة السياسية الديمقراطية، كما في إمكان المؤسسات الدستورية إحداث تغيير في المعيار الفيدرالي من معيار إثني إلى معيار جغرافي.
مشيراً إلى أن هناك توجهاً لدى بعض القوى السياسية نحو تأسيس أحزاب سياسية ببعد وطني يتجاوز التعريف الإثني.
وختم تادلي آماري حديثه قائلاً إن "استمرار المواجهات بين الدولة والجماعات المسلحة ينذر بانتهاء العقود الاجتماعية والسياسية والجغرافية، التي تربط بين مختلف الأقاليم الإثيوبية"، وأن مصير إثيوبيا كدولة موحدة أضحى أمام خطر حقيقي.
في المقابل، يقول الحزب الحاكم إنه يعالج أزمات متراكمة من الأنظمة السابقة، بخاصة تجربة نظام "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، إذ يرى "أن السياسات التي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية، قد كرست التعاطي الإثني في السياسة الإثيوبية".
وأخيراً، استغل رئيس الوزراء آبي أحمد، انعقاد الدورة الأخيرة للبرلمان الإثيوبي في يوليو (تموز) الماضي، ليؤكد "أن حزب الازدهار يعد أول تجربة حزبية ذات بعد وطني جامع يتجاوز الواقع الإثني".
وأوضح أن "المد الإثني الذي كرسته سياسات العقود الماضية، أسهم في تعقيد إدارة التنوع الذي تزخر به البلاد ".
ومنذ وصوله للسلطة ظل آبي أحمد، يعد ببناء حياة سياسية لا ترتهن للمحددات العرقية، وقد كرس فصلاً كاملاً من كتابه (مدمر) وتعني "الجمع"، لشرح رؤيته القائمة على ضرورة تفكيك الاستقطاب الإثني في السياسية الإثيوبية، وتقديم نموذج لإدارة التنوع، على أن تكون المواطنة هي معيار العمل السياسي.
وعلى رغم أن الحزب تشكل بجمع ثلاثة أحزاب سابقة تمثل قوميات مختلفة، فإن بعض الأحزاب المعارضة، لا تزال تشكك في قدرته على تجاوز الواقع الإثني الذي ساد البلاد خلال العقود الماضية.