Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

مشاهد تظهر للمرة الأولى عن معجزة إنقاذ أثناء الهولوكوست

تدوم ثلاث دقائق وظهرت بعد اكتشافها في الأرشيف الوطني الأميركي بعد طول ظن بأن لا وجود للصور التي وثقت إحدى الحوادث المفصلية التي شهدها أبريل عام 1945

وجه فتى نجا بعد احتجازه طيلة أسبوع مع حوالى 2500 يهودي آخر (الأرشيف الوطني الأميركي)

ملخص

احتجز ما يزيد على 2500 يهودي أوروبي في قطار سار بهم ببطء إلى خطوط القتال في الحرب العالمية الثانية بين الأميركيين والألمان الذين ربما حاولوا استخدامهم كرهائن. بعد أسبوع، أنقذهم الجيش الأميركي. وأخيراً، ظهرت مشاهد مصورة عن ذلك.

يحدق فتى صغير، لا يتعدى عمره الخامسة، في عدسة الكاميرا مباشرة. يعتمر الفتى قبعة ويرتدي قميصاً له ياقة وسترة لا شك أنها كانت أنيقة في وقت ما، لكنها أصبحت مهترئة الآن. وجهه نحيل وعيناه قاتمتان وغائرتان بعض الشيء. أما نظرة الفتى فمباشرة، تنم عن مزيج من عدم الثقة والصلابة والفضول لكن أهم ما فيها أنها تشي بمشاهدته ومعاناته من أشياء ينبغي ألا يراها أي طفل، ولا حتى أي بالغ.

ويبدو وراءه القطار الذي احتُجز على متنه خلال الأسبوع السابق، برفقة حوالى 2500 يهودي آخر تقريباً. غادر القطار معسكر الاعتقال في بيرغن بيلسن في السابع من أبريل (نيسان) 1945 متوجهاً نحو معسكر في ثيريزينشتاد يبعد 260 ميلاً إلى الجنوب الشرقي. لكن خلافاً لمعظم السجناء الآخرين في معسكرات الاعتقال، لا يرتدي أي من هؤلاء الزي المخطط المميز، بل ارتدى جميعهم ثياباً عادية. يفترش عدد كبير منهم الأرض إلى جانب الطريق في يوم ربيعي جميل، مع أن وجود بعض شعلات النيران يشي ببرودة الجوس. 

تتحرك الكاميرا وتلتقط عدستها كثيراً من الوجوه واللحظات. هنا رجل نحيل وعاري الصدر وقد خلع قميصه منهمكاً بسحق القمل بين أظفاره. وهناك أم وابنتها تستلقيان في الشمس ويبدو الإرهاق واضحاً عليهما. ثم يظهر رجل في منتصف العمر أثناء عمله على لف رجليه بالضمادات. يغط بعضهم بالنوم، فيما تبدو أجسادهم النحيلة أقرب إلى الجثث الهامدة. يخيم السكون على المكان إجمالاً لكن وجود جندي أميركي يوزع الحلوى يقطع الهدوء. يتحلق حوله الأطفال وبعض الكبار، تعتري كل واحد من بينهم رغبة عارمة بتذوق نوع الطعام الذي حُرموا منه منذ فترة طويل ربما وصلت إلى سنوات عدة.

ما نراه هنا هو المشهد الذي سمي لاحقاً "معجزة فارسبيلن"، وهو حدث خالد في تاريخ المحرقة اليهودية لم يعتقد يوماً أنه مسجل بالصوت والصورة. لكن الآن، بفضل جهود باحث في ألمانيا وكاتب وصانع أفلام أميركيين، أميط اللثام عن ثلاث دقائق ونيف من المشاهد القوية والمذهلة أخذت من "الأرشيف الوطني" في الولايات المتحدة ويمكن للعالم أجمع أن يشاهدها اليوم، بعد أن ظلت طي الكتمان طيلة ثمانية عقود.

قصة "المعجزة" بسيطة. إنه أحد ثلاثة قطارات غادرت بيلسن في مطلع أبريل تقريباً، وقد امتلأ كل منها بأعداد كبيرة من يهود كانوا محتجزين في أقسام "مميزة" من معسكر الاعتقال الجماعي في بيلسن، إذ اعتقدت قوات الأمن النازية الخاصة المعروفة باسم "أس أس" أنهم يتحدرون من خلفيات مرموقة بدرجة كافية كي تجعل منهم مرشحين مناسبين لتبادل الأسرى مع قوات الحلفاء. ولهذا السبب لم يرتد أي منهم زي معسكرات الاعتقال. ومع أن وجهتهم النهائية كانت ثيريزينشتاد، إلا أنه يعتقد بشكل عام أن عناصر قوات "أس أس" الذين حرسوا اليهود، قد حُملوا أيضاً أوامر تقضي بتدمير القطار وإغراق اليهود في نهر إلبا في حال تعذر استكمال الرحلة.

على مدار ستة أيام، تقدم القطار ببطء شديد.

وتستذكر أليزا فيتيس-شومرون، واحدة ممن حملهم ذلك القطار من المعتقلين اليهود، في كتاب مذكراتها أن "القطار لم يتحرك كثيراً بل ظل متوقفاً فترات طويلة. كانت الجبهة في كل مكان والفوضى تحيط بنا. ظهرت العائلات الألمانية الهاربة من كل حدب وصوب وهي تحمل مقتنياتها، في العربات وسيراً على الأقدام. ذكر الخبراء في حل الأحاجي وتفسير الإشاعات أن الألمان أرادوا استخدامنا كرهائن".

كانت الحال على متن القطار رهيبة، وعلى غرار ما هو متوقع، فالطعام والشراب شحيح والنظافة قليلة أو معدومة والأمراض والالتهابات منتشرة، في ظل وجود هذا العدد الكبير من الأشخاص المحشورين داخل العربات.

بعد ستة أيام، لم يقطع فيها القطار حتى نصف المسافة نحو ثيريزينشتاد، توقفت عرباته خارج قرية فارسبيلن على بعد نحو 15 ميلاً شمال ماغديبيرغ، و80 ميلاً غرب برلين. كان الخط محاصراً وأصوات قذائف المدفعية التي يتبادلها الأميركيون والألمان تزعق في الأجواء.

بدت لحظة مفصلية بلا شك، ومن المؤكد أن اليهود شعروا بالخوف على أرواحهم، لعلمهم أن حرس قوات الـ"أس أس" يقدرون بشكل كاف، على تنفيذ مجزرة بحقهم.

وتتذكر فيتيس-شومرون ذلك الوقت، "لم يرغبوا بإفلات الطيور من بين أيديهم، مع أن الحلفاء طوقوهم من كل الجوانب".

لكن عندها وقعت "المعجزة". قبل الظهر تماماً يوم 13 أبريل، ظهرت سيارة جيب أميركية إلى جانب دبابة من كتيبة الدبابات الـ743 التابعة لفرقة المشاة الـ30 في الجيش التاسع. ومع أنهم اشتهروا بتعصبهم، ألقى عناصر "أس أس" نظرة واحدة على الأميركيين، ثم هربوا. 

ويروي أحد الأميركيين حينما يتذكر المشهد "بدا الجميع أشبه بالهياكل العظمية. كانوا نحيلين من الجوع بوجوه مريضة. حدث أمر آخر كذلك. حينما لمحونا، بدأوا يضحكون من السعادة، إن استطعنا أن نسمي ذلك ضحكاً. لقد كان أقرب إلى التعبير المتفجر عن الارتياح التام، وشبه الهستيري".

تولى الرقيب جورج غوس قيادة الدبابة، واستعاد لاحقاَ شريط الحوادث كي يقصها على ماثيو روزيل، مؤلف كتاب "قطار قرب ماغديبيرغ"، وقد أدى دوراً محورياً، إلى جانب صانع الأفلام مايك إدواردز، في الكشف عن المشاهد المصورة.

وبحسب غروس "لا بد أن الحراس وجدوا هناك، لكن يظهر أنهم فروا قبل وصولنا إلى المكان لأنني لا أتذكر وقوع تبادل للنيران. بالتالي، لم يكن استيلاؤنا على القطار عملاً بطولياً إنما عملية بوليسية صغيرة. أبطال ذلك اليوم كانوا السجناء على القطار".

وكذلك عادت هيلدا هبرت، إحدى اليهوديات الناجيات بالذاكرة إلى ذلك اليوم، "لا بد أن منظرنا كان يثير الشفقة. سألونا 'من أنتم؟' فأجبنا بصوت واحد 'أهلاً بالأصدقاء! نحن نحبكم. نحن يهود!'. خلعوا [الجنود الأميركيون] خوذاتهم ومسحوا حواجبهم. أشار أحدهم بإصبعه إلى ميدالية نجمة داوود المعلقة في عقد يتدلى من عنقه. 'وأنا أيضاً'". 

وبحسب ما تبين المشاهد المصورة، أعرب بعض اليهود عن امتنانهم لمحرريهم عبر كتابة عبارة "ثلاث صيحات لأميركا، فلتعش الولايات المتحدة والإنجليز" على جانب إحدى المقطورات. وعلى رغم عدم مشاركة البريطانيين في العملية ذلك اليوم، تبين كلمة "إنجليز" المكتوبة باللغة الفرنسية أن بعض اليهود كانوا فرنسيين. إذ أتت الغالبية العظمى من بينهم من هنغاريا، فيما قدم آخرون من فرنسا وبولندا وهولندا واليونان.

حتى الآن، ساد الاعتقاد بأنه لا يوجد سوى سجلات مكتوبة وصور فوتوغرافية عن حوادث ذلك اليوم خارج تلك البلدة الألمانية الصغيرة. وليس من المستغرب أن اكتشاف الفيلم المصور بات يثير ضجة في أوساط المتخصصين بدراسة المحرقة، وفق ما بينه الناجون من القطار.

وإحدى هؤلاء هي ميريام ميولر، 82 سنة. كانت تبلغ الرابعة من العمر آنذاك وقد شاهدت التسجيل الأسبوع الماضي.

وصرحت لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، "أثار ذلك [الشريط المصور] ذكريات كثيرة. عانيت من صعوبة بالتنفس بعدها. ذكرت أن هذه الحرب الملعونة لا تنتهي أبداً. فنحن لا نتوقف عن العودة إليها. اليوم، لدي 26 حفيداً وحفيدة أنجبوا بدورهم 40 ولداً، وهناك واحد آخر في الطريق. أحدث الرب المبارك معجزة معي".  

© The Independent

المزيد من تقارير