Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يسقط الدولار أمام عملة "بريكس"؟

اختبارات كبيرة في ظل هيمنة أميركية على التجارة والتمويل والاحتياطات الأجنبية

الدولار محتفظ بحصة قدرها 42 في المئة من المدفوعات العالمية خلال النصف الأول من 2023 (أ ف ب)

ملخص

الناتج الاقتصادي لدول "بريكس" يمثل 26 في المئة من الاقتصاد العالمي ما يجعلها قوة لا يستهان بها

تنبعث من جوهانسبورغ، حيث انعقاد قمة "بريكس"، جرعات التفاؤل الحميد في تقويض هيمنة الدولار وكبح توغله ونفوذه عبر عملة بديلة موحدة لتجمع يضم خمس دول هي: الصين، الهند، روسيا، البرازيل وجنوب أفريقيا.

لكن بينما يجلس المشاهد من الدول الخمس خلف شاشة التلفاز بحماس شديد لمطالعة ما يصوره إعلامه المحلي بأنه حدث تاريخي أقرب ما يكون إلى فصل النهاية للعملة الأميركية وإعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية، يتريث بعض المحللين من مراكز الفكر والمؤسسات المالية الدولية حيال قبول القناعة بانتهاء سطوة الدولار في الأجل القريب، ويرون في أن فرص تهديد العملة الأميركية بعملة بديلة أخرى غير قائمة في الوقت الراهن، لما يحظى به الدولار من نفوذ كبير في أسواق التمويل والتجارة.

أثارت الحرب في أوكرانيا وتجميد احتياطات النقد الأجنبي الروسية العام الماضي في إطار العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، كثيراً من النقاش حول تسليح الدولار، وتفكك الكتل الجيوسياسية، والعمل على إلغاء "الدولرة"، في وقت شكلت قوة العملة الأميركية مع تشديد "الاحتياطي الفيدرالي" السياسة النقدية ومواصلة رفع أسعار الفائدة، ضغوطاً في الأسواق الناشئة التي تعاني من مدفوعات كبيرة لأقساط مديونياتها مقومة بالدولار وشح في مواردها منه، ما يمنح القمة المنعقدة في جنوب أفريقيا زخماً صعودياً من حيث الأهمية في هذا التوقيت.

نفوذ "بريكس" العالمي

يعتقد الأستاذ في الجامعة اللبنانية، حبيب البدوي، أن مجموعة "بريكس" تتجاوز اليوم مجموعة السبع (G7) من حيث القوة الشرائية، وهو ما يمنحها نفوذاً كبيراً في مفاوضات التجارة الدولية يجعلها قادرة على إعادة تشكيل الديناميكيات الاقتصادية العالمية. ويلفت إلى جاذبية الدول الأعضاء في التجمع كأسواق استثمارية ذات جاذبية، بعدما تضاعفت معدلات الاستثمار بها ستة أضعاف، مدفوعة بتنفيذها سياسات إصلاحية تعزز النمو الاقتصادي، وتجعلها وجهات جاذبة لرأس المال الأجنبي.

ويشير الأستاذ في الجامعة اللبنانية، إلى أن الناتج الاقتصادي لدول مجموعة "بريكس" يمثل 26 في المئة من الاقتصاد العالمي حالياً، وأن سكان المجموعة البالغ تمثيلهم 40 في المئة من الإجمالي العالمي، يجعلها ذات تأثير اقتصادي وقوة لا يستهان بها، لكن في المقابل، يتعين على دول المجموعة من أجل إنهاء سيادة الدولار، أن تتغلب على عقبات كبيرة، أهمها العمل على إنشاء عملة بديلة مستقرة وذات صدقية، كما يقول الأكاديمي اللبناني.

ويتفق الشريك الإداري، في مجموعة "أربروث" البحثية البريطانية، كريستوفر سمارت، مع كون العملة الموحدة تحد أمام دول المجموعة، فيقول إن الدول الأعضاء في "بريكس" أمام اختبارات مهمة لإثبات مدى تماسكها، في ظل وجود تباينات في المواقف بين الدول الخمسة، أبرزها مساع صينية لتوسيع نفوذ المجموعة عبر ضم أعضاء جدد مقابل حذر برازيلي من الخطوة خشية فقدان نفوذها داخل التجمع.

ويلفت كريستوفر سمارت، إلى "النقطة المهمة الأبعد" وهي إجراء مناقشات حول تطوير عملة مشتركة لتقويض الدور المهمين للدولار في التمويل العالمي، وتجنب العقوبات المالية التي تفرضها واشنطن على خصومها، إذ يرى أن هذه الفكرة "غير معقولة من الناحية الاقتصادية" نظراً إلى التنوع الكبير الذي تتسم به الاقتصادات الخمسة مجتمعة.

تحديات أمام الدولار

هناك قناعة بأن عالم اليوم لا يوجد فيه ما يهدد المكانة البارزة للدولار، ولا دليل قاطعاً على أن العملة الأميركية تسير على طريق الانحدار في هذه المرحلة، فلا خطر مباشراً بعد يهددها بفقدان المكانة العالمية على رغم عديد التحديات كما تشير مجموعة "آي أن خي" الهولندية، في مذكرة بحثية أعدها رئيس قسم الأسواق العالمية، كريس تيرنر، وزميلاه الاقتصاديان ديمتري دولجن وجيمس ولسون، وأشاروا فيها إلى أن الدولار الأميركي يظل العملة التفضيلية للتجارة، بل ويرون أن الدور الأكبر الذي يمكن أن تلعبه مجموعة "بريكس" وغيرها من الأسواق الناشئة في التجارة العالمية لا يتجاوز حدود خلق مزيد من الطلب الطبيعي على بدائل الدولار الأميركي، ومع ذلك لا يبدو أن الحصة الأعلى لليوان الصيني كمثال في فواتير التجارة تؤدي إلى إزاحة الدولار عن عرشه، بل تدفع بالأحرى إلى دفع صعود عملات أخرى في الأسواق المتقدمة مثل الجنيه الاسترليني.

بحسب المذكرة، فإن أحد الاتجاهات التي يمكن أن يواجه فيها الدولار تحدياً ملحوظاً هو التركيز الأكبر لتجارة "بريكس" على اقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى، وقد تكون سوق النفط مجالاً آخر للتركيز، إلا أن حصة دول "بريكس" في هذه السوق حتى الآن ليست ساحقة، وتمثل تجارة الوقود بشكل عام جزءاً صغيراً من التجارة العالمية.

في الماضي، كانت إحدى الاستراتيجيات الرامية إلى تقليص نفوذ الدولار وتحدي دوره الدولي في إصدار الفواتير التجارية، والصين هي المثال الرئيس لهذه الاستراتيجية، فمنذ عام 2009، قام بنك الشعب الصيني بالترويج لليوان الصيني من خلال إنشاء خطوط مقايضة ثنائية مع مختلف البنوك المركزية وبحلول عام 2023، وصل عدد هذه الاتفاقيات إلى ما يقرب من 40 و50 في المئة منها مع شركاء الصين وجيرانها الآسيويين، ووسط هذه التدابير، زاد دور اليوان الصيني في الاحتياطات الدولية العالمية من صفر تقريباً إلى 2.6 في المئة عام 2022، في حين تضاعفت حصة معاملات اليوان الصيني في سويفت (مقياس غير مباشر للفواتير) إلى 2.3 في المئة، وبالتوازي مع ذلك، تعمل بكين على تطوير نظام الدفع الخاص بها القائم على الرنمينبي "CIPS"، وهو بديل لنظام المدفوعات الدولية "سويفت" وظل ينمو بشكل مطرد منذ إنشائه في عام 2015 ويضم حالياً 91 مشاركاً مباشراً وأكثر من ألف مشارك غير مباشر في جميع أنحاء العالم، لكن رغم ذلك يظل نظام المدفوعات "سويفت" أكثر تمثيلاً للواقع العالمي.

توسيع "بريكس"

ويظل توسيع كتلة الدول الأعضاء في "بريكس" هدفاً قائماً على طاولة المباحثات في جنوب أفريقيا، إذ يمكن لأي توسع في المجموعة أن يحدد السرعة التي يعتمد بها التكتل الأنظمة التجارية والمالية خارج نطاق الدولار، في وقت تشير تكهنات إلى مساع لضم دول مثل الإمارات ومصر وبنغلاديش وبعض مصدري النفط الرئيسين مثل السعودية وإيران ونيجيريا أيضاً.

وبالنظر إلى هيكل الفواتير العالمية، يبدو أن اليورو هو المهيمن في المنطقة الأوروبية، في حين أن بقية العالم يستخدم بكثافة للدولار الأميركي، واعتباراً من عام 2019، حصلت العملات غير الدولار واليورو على حصة عالية نسبياً تبلغ 21 في المئة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي المنطقة التي تمثلها الصين وشركاؤها المقربون، بحسب مذكرة المجموعة الهولندية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تعد "سويفت" أحد المصادر غير المباشرة المحتملة للبيانات حول هيكل تجارة العملات الأجنبية، يبدو أن الدولار متماسك بحصة قدرها 42 في المئة في النصف الأول من عام 2023، أي أقل قليلاً من نسبة 44 في المئة التي شوهدت في عام 2015 وأعلى من نسبة 41 في المئة في عام 2022، مع خسارة اليورو، ثاني أكثر العملات الأجنبية شعبية، حصته، بينما من بين العملات الأجنبية الأخرى وتحديداً العملات الآسيوية، يأتي اليوان الصيني والين الياباني، بمزيد من القوة في "سويفت"، ليس على حساب الدولار أو اليورو بل على حساب الجنيه الاسترليني.

ومن المثير للاهتمام أن البيانات الشهرية الصادرة عن "سويفت" تشير أيضاً إلى آثار الحقائق الجيوسياسية والعسكرية الجديدة لعالم ما بعد فبراير 2022 (تاريخ الحرب الروسية - الأوكرانية) من خلال مضاعفة حصة اليوان الصيني إلى 4.5 في المئة من سوق التمويل التجارية على حساب الدولار الأميركي، إذ أصبح الأخير مستبعداً في روسيا.

وبالنظر إلى تفضيلات العملات الأجنبية كأصل دولي خارج احتياطات البنوك المركزية، يبدو أن الدولار الأميركي لا يزال جذاباً للغاية، إذ تشير البيانات المصرفية المحلية لبنك التسويات الدولية إلى أن المطالبات بالدولار عبر الحدود كانت تنمو بشكل مطرد من حيث القيمة المطلقة.

تشير المذكرة إلى أحد الأسباب الأكثر إلحاحاً لتراجع الجنيه الاسترليني في فترة ما بين الحربين العالميتين، وهو الارتفاع الكبير في إصدارات الديون الدولية بالدولار الأميركي، وتشير إلى أن عديداً من الدلائل تؤكد أن الدولار يحتفظ إلى حد كبير بتاجه باعتباره عملة الإصدار المفضلة، وفي الواقع أصبح أكثر شعبية بالنسبة لمصدري السندات في الأسواق الناشئة خلال السنوات الأخيرة، بينما يظل اليورو منافساً بعيداً، وعلى رغم دخول الرنمينبي (اليوان) إلى حقوق السحب الخاصة في عام 2015، فإن سوق سندات الباندا، الديون الدولية الصادرة بالرنمينبي، لا تزال صغيرة بشكل استثنائي، علاوة على أن كلاً من المصدرين والمستثمرين ما زالوا يشعرون بالقلق إزاء قضايا السيولة وضوابط رأس المال في الصين.

على الأرجح ستظل محاولات تقويض هيمنة الدولار الأميركي متواصلة، سواء نجحت دول "بريكس" فيما ترنو إليه أم لم تفعل، فالرغبة في التخلص من تسليح الدولار إثر العقوبات الغربية المفروضة على روسيا عقب حربها على أوكرانيا، حافز كاف أمام عديد من الدول التي تتوق إلى عالم ذي تعددية قطبية.