ملخص
ما وراء رفض المقربين من القاتل إدانته وتصديق أنه مجرم
صديقة لوسي ليتبي تساندها وصرحت بأنها ستواصل دعمها إلى أن تسمع اعترافاً بالذنب منها شخصياً. في هذه الأثناء، بدأت حملة جمع تبرعات بغية استئناف الحكم الذي دان الممرضة بقتل سبعة أطفال والشروع في قتل ستة آخرين، وتزعم الحملة بأن إدانتها "ربما تشكل أكبر إخفاق في تحقيق العدالة تشهده المملكة المتحدة على الإطلاق". قد يعتبر الجمهور داعمي ليتبي ساذجين أو أغبياء أو متحيزين أو عمياناً- لكن مساندة أشخاص ارتكبوا اعتداءات رهيبة وأعمال عنف ليس شائعاً فحسب، بل هو أمر اعتيادي.
بل قلما يخسر المعتدي شبكة دعمه [المقربين] برمتها بعد ارتكابه جريمة شنيعة. وسواء أقدم المعتدي على القتل أم الاغتصاب أم الاعتداء على الأطفال أم التعنيف الأسري، غالباً ما يقف إلى جانبه أشخاص يدافعون عنه بشراسة ويساندونه بغض النظر عن الكلفة المترتبة على موقفهم- وبغض النظر عن الأدلة ضده.
لماذا نقدم على ذلك إذاً؟ من موقعي كطبيبة نفسية، أرى هذا المزيج من الآراء المتحيزة والسردية الاجتماعية كل الوقت. ومن أقوى أنواعه تصوير المجرمين الخاطئ على أنهم "وحوش" و"غريبو الأطوار" و"منبوذون من المجتمع" و"بلطجية" قبيحون و"انعزاليون معادون للمجتمع" [خارجون عليه] و"مضطربون نفسيون عنيفون"، لكن هذا [الكلام] لا يصح دائماً- بل على العكس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يرتكب ملايين الأشخاص العاديين كل يوم جرائم لا تكشف معظمها. يفيد شخص من كل خمسة بالغين في بريطانيا مثلاً عن تعرضه للاعتداء في الطفولة، مما يعني بأن ذلك يحدث بوتيرة أكبر بكثير مما قد نعتقد. لا يمكنكم أن تميزوا المعتدين عن غيرهم ضمن حشد من الناس. بل هناك احتمال كبير بأن تكونوا محاطين بأشخاص معتدين ومعنفين. وقد لا تكشفون أمرهم أبداً.
لا شك في أنه لا يمكن أن ترتكب جميع الاعتداءات العنيفة التي تقع كل عام، وهي بالآلاف، على يد أشخاص شائنين إلى حد كبير وانعزاليين وأشرار. بل من يرتكبها هم إخوتنا وأخواتنا، وأمهاتنا وآباؤنا، وشركاؤنا وأصدقاؤنا المقربون. [من] أساتذتنا وعناصر الشرطة والممرضات والمعالجين النفسيين. أشخاص نثق بهم. وأشخاص نستمتع برفقتهم.
من المريح لنا، من الناحية النفسية، أن نصور مرتكبي أقبح الجرائم على أنهم "مختلفون"، هذا من الأسباب الذي تدفع البعض إلى وسم القتلة بـ"المضطربين نفسياً" و"الأشرار". فتجريدهم من إنسانيتهم مفيد لنا. ويريحنا بعض الشيء- إذ نقول لأنفسنا إنهم "ليسوا مثلنا" لحسن الحظ.
يشكل التمييز الطبيعي الذي نحمله جميعاً الأساس الذي يؤدي إلى شعورنا بالصدمة إزاء اكتشافنا بأن القاتل شخص "عادي" نتعامل معه يومياً. ولهذا السبب أيضاً نشعر بالذهول والصدمة إزاء ارتكاب أشخاص وسيمين أو جميلين جرائم خطرة- فذلك لا يتناسب والقالب الذي صنعناه. لا يمكن أن يكونوا وسيمين وعنيفين في الوقت نفسه أليس كذلك؟ لا يمكن أن يكونوا ودودين ومعتدين، أليس كذلك؟ بلى، ذلك ممكن تماماً، كما يمكن لشابة بيضاء البشرة شقراء الشعر وصغيرة السن وجذابة كرست وقتها للعناية بالأطفال أن تعتدي عليهم أيضاً.
لا تناسب ليتبي معايير [خطوط] الصورة النمطية التي رسمتها لنا طيلة عقود أفلام الرعب أو القتلة المتسلسلين الموجهة للكبار. لهذا السبب يصعب على بعضنا تصديق أنها اقترفت ما اقترفته.
فنحن نخلق مساحة أمان نفسية عبر تقسيم المجتمع إلى "هم" و"نحن"، هذا يعني بأننا قادرون على مواصلة الاعتقاد أن جميع المحيطين بنا آمنون، ولا بد أن المجرمين "الشريرين" موجودون في مكان ما… في الخارج هناك. ببساطة، إنها آلية تكيف مع عالم خطر. فالبشر يحبون انتظام الأمور والقدرة على استشرافها والسيطرة عليها. يروق لنا التفكير في أننا قادرون على السيطرة على تجاربنا- والأشخاص المحيطين بنا.
وغالباً ما نؤمن بأننا نتمتع بقدرة جيدة على قراءة الأشخاص والحكم على نفسياتهم، ولهذا يتفاقم شعورنا بعدم الارتياح عندما ندرك أننا أخطأنا في رأينا بشخص ما. ربما تسرعنا [في الحكم عليه] - وربما قضينا سنوات نحب شخصاً تبين في النهاية أنه معتد أو مغتصب أو قاتل.
ربما تجاهلنا كل الإشارات ونواقيس الخطر، وربما لم نلحظ أياً منها منذ البداية. ربما استدرجونا واستمالونا وكذبوا علينا. وربما كذبنا نحن الأشخاص الذين أخبرنا بأنهم خطرون. ربما لم نصدق ذلك لأننا لم نشأ ذلك. وربما خفي الأمر على الجميع.
تكثر الحقائق المزعجة التي علينا مواجهتها. والمسألة ليست دائماً سهلة. وسيظل البعض يقف إلى جانب من يحبونهم بعدما يرتكب هؤلاء فظائع. قد نعتقد بأننا نتخذ قرارات بناءً على الحقائق والدلائل لكننا نتخذ هذه القرارات فعلياً بناءً على ارتباطاتنا العاطفية وأفكارنا المتحيزة والسردية الاجتماعية وأنظمة المعتقدات.
وقليلاً ما نعير أي اعتبار للوقائع والأدلة.
الدكتورة جيسيكا تايلور مؤلفة كتب تصدرت قوائم المبيعات في صنداي تايمز وطبيبة نفسية مسجلة والرئيسة التنفيذية لشركة VictimFocus
© The Independent