ملخص
تسلط الإدانات والأحكام الطويلة على "براود بويز" جدية نظام العدالة الأميركي في التعامل مع التهديدات فهل تكون مدخلاً لمنع عودة ترمب إلى البيت الأبيض؟
مساءلة ترمب تتواصل، فقد صدر حكم بالسجن لمدة 22 عاماً على إنريكي تاريو، الرئيس السابق لجماعة "براود بويز" Proud Boys [وتعني الشبان الفخورين وهي جماعة يمينية متطرفة تعتنق عقيدة الفاشية الجديدة] بسبب دوره في تنظيم التمرد العنيف [للكابيتول] في تمرد 6 يناير (كانون الثاني)، فقد جرت إدانة الزعيم السابق لهذه الجماعة المتطرفة بتهم تضمنت التآمر ضد الولايات المتحدة لإحداث فتنة، وذلك الحكم يمثل فترة العقوبة الأطول في قضية السادس من يناير التي تجاوز عدد المتهمين فيها 1100 شخص.
وقبل هذه المحاكمة، صدرت عقوبة السجن لمدة 18 عاماً هي الأطول في حق كل من إيثان نوردين، زعيم جماعة "براود بويز"، وستيوارت رودز، زعيم جماعة "أوث كيبرز" Oath Keepers (وتعني الموفون بالعهد)، وتضمنت لائحة التهم التآمر لإحداث فتنة. ولتوضيح حجم هذه العقوبات، فإن متوسط المدة الزمنية للسجن في قضايا القتل تبلغ 17.5 عام، وفقاً لآخر البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات بوزارة العدالة.
تسلط هذه الإدانات والأحكام الطويلة الضوء على خطورة هذه الجرائم وتوضح جدية نظام العدالة في التعامل مع التهديدات التي تمثلها لنظامنا الديمقراطي. يجب على دونالد ترمب مراقبة هذا التطور بعناية، إذ يمكن أن يكون لذلك تداعيات على الطريقة التي ستسير بها قضاياه القانونية وعلى إمكانية مشاركته في الانتخابات الرئاسية المحتملة عام 2024.
أهمية حكم إنريكي تاريو
حتى الآن، جرى إدانة أكثر من 20 عضواً من الجماعتين أعلاه بتهم التآمر لإحداث فتنة، إذ أقر بعض المتهمين بذنبهم ضمن تسوية قضائية فيما دين آخرون خلال محاكمة. وإنه لأمر لافت للنظر أن هؤلاء المتطرفين قد دينوا بتهم التآمر لإحداث فتنة على يد هيئة محلفين.
وجدت هيئة محلفين أن تهم التآمر للتحريض على الفتنة مناسبة لوصف ما حدث يوم 6 يناير. ومن المرجح أن تاريو وزملاءه المتهمين في 6 يناير اعتقدوا أن ترمب بعد إعادة تنصيبه سيعفو عنهم بعد أن نفذوا مؤامرتهم التحريضية. وبدلاً من ذلك، تفاجؤوا بالمساءلة والعقاب.
وفي جلسة الحكم الخاصة به، حاول إنريكي تاريو أن يعبر عن ندمه واعتذر لشرطة الكابيتول فيما كان صوته يتقطع. وقال بشكل كاذب "أنا لست مناصراً سياسياً. لم يكن هدفي إلحاق الأذى أو تغيير نتائج الانتخابات، أنا ألتمس منكم ألا تحرموني من عقدي الخامس".
لكن القاضي تيموثي كيلي، الذي عينه ترمب، لم يكن مقتنعاً بهذا الادعاء، مؤكداً "ليس لديَّ أدنى دليل على أنه نادم على الجرائم التي دين بها، والتي تتضمن التآمر لإحداث فتنة والتآمر على عرقلة عملية عد الأصوات الانتخابية".
وأضاف "إنريكي تاريو كان القائد الأساسي والشخص الذي نظم الأحداث بدافع الحماسة الثورية... هذا التآمر أدى إلى تجمع نحو 200 رجل واستعدادهم لمعركة حصار الكابيتول"، وأكمل القاضي قبل الإعلان عن الحكم "لن أسمح أن يتكرر ذلك مرة أخرى".
وأشار القاضي كيلي إلى أن إنريكي تاريو أرسال رسائل نصية في يوم 6 يناير أكد فيها مسؤوليته عن الهجوم قائلاً "فليعلم الجميع. لقد قمنا بذلك" كما بدا أن تاريو قد أرسل منشورات تظهر أنه كان يأمر المشاركين بالاقتحام قائلاً: "افعلوا ما يقتضيه الأمر". كان من الواضح أن تاريو غير نادم، لكنه لم يتلق الحد الأعلى من العقوبة المطلوبة.
وطالب الادعاء بحكم 33 عاماً في السجن، بينما كان دفاع تاريو يريد ألا تزيد عقوبته على 15 عاماً، مجادلين أن تاريو كان مجرد "وطني مضلل"، ولكن من وجَّهه، بالضبط؟
كيف سيؤثر ذلك في ترمب؟
"إذا جرى اللجوء إلى خدمات قاتل مأجور وقتل شخصاً، فإن القاتل يزج به في السجن، ولكن ليس فقط القاتل هو الذي يحكم عليه بالسجن، بل الشخص الذي وكله بالمهمة أيضاً. لقد نفذ الهجوم في 6 يناير، والقاتل أرسلهم. أريدكم أن تحققوا وتعرفوا المتسبب في هذا الأمر"، بهذه الكلمات ناشد ضابط شرطة الكابيتول هاري دن المحكمة لكي تحاسب المسؤولين الحقيقيين وراء محاولة الانقلاب وذلك في جلسة استماع في الكونغرس عام 2021. وبعد مرور عامين، جاء وقت المحاسبة بالفعل.
لم يكن تاريو في واشنطن العاصمة يوم الهجوم العنيف على الكابيتول إذ طرد من المدينة بعد اعتقاله وذلك قبل يومين من وقوع الأحداث بتهمة تخريب لافتة مكتوب عليها "حياة السود مهمة". حقيقة صدور حكم صارم كهذا في حقه على رغم عدم وجوده في مكان التمرد إنما هو دليل ساطع يوضح كيف يعامل المتآمرون بقسوة أكبر من المشاركين العاديين في الأحداث. إذا كان هذا هو ما يواجهه الأنصار العنيفون، فكيف سيكون الحال بالنسبة إلى العقول المدبرة وراء المخطط الأكبر؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى دونالد ترمب؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما يعتبر تاريو واحداً من القادة الذين نظموا الهجوم على الكابيتول، فإن العنف في ذلك اليوم كان ببساطة جزءاً من مخطط أوسع كان ينفذه دونالد ترمب وحلفاؤه، هذا ليس وجهة نظري فقط، بل هو رأي مدعين فيدراليين وعلى مستوى الولايات. وإذا تمعنا في التهم الأخيرة الموجهة إلى ترمب، فسنعرف أن ذلك حقيقة مؤكدة.
لم يتهم ترمب بالتآمر لإحداث فتنة أو أي تهم تتعلق بتحريض العنف مباشرة في الكابيتول في السادس من يناير، ولكنه خضع لمحاكمة بتهمة المؤامرة العامة لقلب نتائج انتخابات 2020، والتي كانت هجمة 6 يناير جزءاً لا ينكر منها. جميع التهم الفيدرالية التي وجهها المدعي الخاص جاك سميث والتهمة التي وجهتها المدعية في مقاطعة فولتون السيدة فاني ويليس تشيران إلى أحداث 6 يناير ضمن المؤامرة من دون أن توجه اتهامات مباشرة إلى ترمب بتحريض العنف.
تشير لائحة الاتهام الصادرة عن المدعي الخاص بشكل مباشر إلى أعمال العنف في الكابيتول كجزء من المخطط الذي يحاكمونه عليه. في قسم بعنوان "استغلال المتهم العنف والفوضى في الكابيتول"، يوضح الاتهام بالتفصيل كيف استغل ترمب العنف المندلع في الكابيتول كأداة لتصعيد حملته لتأخير جلسة الكونغرس المشتركة والضغط على نائب الرئيس الحالي آنذاك مايك بنس لرفض نتائج الانتخابات.
وتشير التهمة في ولاية جورجيا أيضاً إلى خطاب ترمب في 6 يناير والضغط الذي تعرض له مايك بنس في إطار جهود تأخير تصديق نتائج الانتخابات. تدعي التهمة أن ذلك كان "عملاً واضحاً لتنفيذ المؤامرة" في سياق التهمة الموجهة ضمن قانون "المنظمات الإجرامية والممارسة للابتزاز" (المعروف باسم "ريكو") Racketeering Influenced and Criminal Organisation (Rico).
وللتذكير، فنحن نعلم بالفعل من جلسات الاستماع الخاصة بلجنة "6 يناير" أن دونالد ترمب كان له دور رئيس في الترويج في ذلك اليوم المشؤوم لتظاهرة ضخمة وأنه استغل هذا العنف لصالح مخططه. نعلم أيضاً أنه طلب إزالة أجهزة الكشف المغناطيسية في تجمعه الانتخابي في 6 يناير حتى يتمكن الأشخاص الذين يحملون أسلحة من الدخول. إذاً، ماذا نستقي من هذه الوقائع؟
أولاً، قد يشير المدعون في قضية المدعي الخاص إلى أحكام الإدانة الصادرة في حق أعضاء جماعة "براود بويز" وجماعة "أوث كيبرز" عند عرض قضيتهم [ضد ترمب] في المحكمة بتاريخ 4 مارس (آذار) 2024، وإذا تمت إدانة ترمب، قد يستخدم ذلك أيضاً للدعوة إلى تشديد العقوبة عليه. يظهر مكتب التحقيقات الفيدرالي بوضوح أن دونالد ترمب كان أحد المدبرين المسؤولين عن المخطط الكبير لقلب نتائج الانتخابات، فلماذا يجب أن يحظى بمزيد من التساهل مقارنة بالأنصار التابعين له؟
أمر آخر يجب أن نأخذه في الاعتبار هو خطوة استثنائية يجري مناقشتها بجدية في الأوساط القانونية بخصوص عام 2024 وتتمثل في تفعيل القسم الثالث من التعديل الـ14 [من الدستور الأميركي] لإقصاء ترمب من الترشح للمنصب. وينص التعديل على أن أي مسؤول منتخب شارك "في التمرد أو الثورة ضد" الولايات المتحدة "أو [قدم] مساعدة أو عونا لأعدائها"، فإنه غير مؤهل للترشح للمنصب.
وهناك شخصيات قانونية محترمة يطرحون حالياً هذه الفكرة بوضوح. الشهر الماضي، دعم اثنان من أعضاء جمعية الفيدراليين المحافظين، وليام بود ومايكل ستوكس بولسن، هذه النظرية في مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز"، كما كتب القاضي الفيدرالي المحافظ المتقاعد جيه مايكل لوتيغ وأستاذ القانون بجامعة هارفرد السابق لورانس ترايب مقالاً في مجلة "أتلانتيك" يدعمان فيه هذه الفكرة.
وتكتسب الجهود القانونية الرامية لإقصاء ترمب من الانتخابات عام 2024 الاهتمام في العديد من الولايات، بما في ذلك نيو هامبشير وأريزونا وميشيغان. بناءً على التهم التي يواجهها ترمب والإدانات التي وجهت بالفعل ضد منفذي المؤامرة من الأتباع، فإن هذه النظرية القانونية تكتسب زخماً متزايداً.
إذا دين ترمب، على سبيل المثال، في القضية الفيدرالية وأيدت هيئة المحلفين لائحة الاتهام، فقد يمكن لهذا أن يقدم زخماً إضافياً للجهود القانونية الجارية. مع أن ترمب نفسه لا يواجه اتهامات بالتمرد أو الانقلاب، ولكنه يواجه اتهامات بحبك مؤامرات مختلفة ضد الولايات المتحدة.
وأحد المعايير السهلة لتحقيق ذلك هو بناء حجة تفيد بأن ترمب "قدم مساعدة أو عوناً للأعداء". استناداً إلى لوائح الاتهام التي يواجهها ترمب، يمكن القول إنه لم يقدم مساعدة فقط لمنفذي الاقتحام في 6 يناير، بل استغل العنف الذي نفذوه كأداة حاسمة في مؤامرته لقلب نتائج الانتخابات.
تذكروا أن ترمب وقف في إحدى المناظرات السياسية عام 2020 وقال لجماعة "براود بويز"، إذا كانوا ينصتون "أن يقفوا ويكونوا على أهبة الاستعداد". وبالفعل كانوا ينصتون. والآن، سيتعين على ترمب أن يواجه تبعات ذلك.
© The Independent