حالة من الترقب المتفائل يعيشها الشارع اليمني بالتزامن مع المفاوضات الجارية عقب زيارة وفد من الحوثيين للسعودية لأول مرة منذ بدء الحرب عام 2015 في مسعى متجدد للدفع بجهود السلام في اليمن تتخللها تحذيرات رسمية وشعبية من تجارب سابقة تتعلق بنقض الحوثيين للاتفاقيات والعهود.
وعقب ترحيب من الحكومة اليمنية بالمشاورات التي اشترطت أن تستند في مضمونها العام إلى "المرجعيات الثلاث"، أكد مجلس النواب أيضاً، على ضرورة اعتماد هذه المرجعيات "كأساس لكل حل سياسي"، وذلك تعليقاً على التطورات الجوهرية الجارية التي يشهدها ملف المفاوضات بوساطة عمانية.
بين الترحيب والتحذير
ورغم ثناء البرلمان اليمني على "كل ما تبذله السعودية، من مبادرات في سبيل تحقيق السلام ووقوفها إلى جانب الشعب اليمني وما تقدمه من دعم في مختلف المجالات"، إلا أنه شكك عبر "كتلته النيابية" التي تمثل طيف القوى السياسية والاجتماعية، "في نوايا الحوثيين للوصول إلى سلام دائم في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذ قال خلال اجتماع عقد برئاسة رئيس المجلس، سلطان البركاني، عبر الاتصال المرئي "لبحث التطورات الأخيرة"، إن "الوصول إلى السلام يتطلب نوايا صادقة وعملًا جاداً من أجل استعادة الدولة وحقن دماء الشعب اليمني، وهو ما لم يظهر من جانب الحوثيين الذين يمارسون حتى اللحظة جرائمهم الممنهجة ضد الشعب ويصادرون الحقوق والحريات ويحاولون فرض ثقافة دخيلة على شعبنا".
معرباً عن تقديره للجهود العمانية ومعبراً عن أمله في أن "تشكل قوة ضغط ودفع من أجل العملية السلمية".
وإزاء حالة التشكيك هذه، دعت هيئة رئاسة النواب كل من "مجلس القيادة وكافة القوى السياسية والحكومة إلى رص الصفوف ودراسة كل الخيارات بدءً بخيار السلام وانتهاءً بخيار استعادة الدولة بكل الوسائل الممكنة"، في إشارة للتلميح بالعودة لخيار الحل العسكري الذي لم يوصل لحل نهائي منذ تسع سنوات من الحرب، في حين فاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية التي بلغت مرحلة حرجة.
وللمرة الأولى منذ بدء الحرب عام 2015، وصل الخميس الماضي، وفد حوثي إلى العاصمة السعودية الرياض لعقد مفاوضات مع قيادة المملكة في إطار الجهود المشتركة التي تقودها الرياض وسلطنة عمان لحل أزمة البلد الجار الذي يشتركان معه في حدود برية وبحرية واسعة.
والمرجعيات الثلاث هي مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد بين مارس 2013 ويناير (كانون الثاني) 2014، وتنص أبرز بنوده على إنشاء دولة اتحادية من ستة أقاليم، وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن وبخاصة القرار 2021، والمبادرة الخليجية التي جرت عام 2011 خلال الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ووضعت خريطة زمنية لترتيب نقل السلطة في البلاد، وانتهت بانتخابات رئاسية في فبراير (شباط) 2012 فاز فيها الرئيس التوافقي السابق عبد ربه منصور هادي، في حين يرفضها الحوثيون الذين يعتبرون أنها لم تعد مجدية كون "الزمن ومعطيات الواقع قد تجاوزتها".
قوة دافعة واتفاق وشيك
ومن المتوقع أن تفضي المشاورات الجارية بعقد اتفاق مع الحكومة الشرعية يتضمن تجديد الهدنة المنتهية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والبدء بوضع معالجات إنسانية طارئة من ضمنها دفع الرواتب وفقاً لكشوفات العام 2014، أي ما قبل الانقلاب الحوثي، وفتح الطرقات والمعابر وإتاحة المجال لوجهات جوية جديدة أمام مطار صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، على أن يؤسس ذلك لبناء خطة مفاوضات موضوعية توصل للحل النهائي الشامل تحت رعاية أممية وإقليمية ودولية، تأتي استكمالاً للمفاوضات الماضية بوساطة السلطنة التي ترتبط بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف الضالعة في الصراع اليمني.
وفي وقت سابق اقترحت الحكومة الشرعية تسليم رواتب الموظفين إلى المستفيدين في مناطق سيطرة الميليشيات مباشرة، وفقاً لقاعدة بيانات الخدمة المدنية والعسكرية عام 2014 إلا أن الجماعة رفضت ذلك مطالبة بالحصول على المبلغ عبرها وصرفه وفق البيانات الحالية، أي بعد قيامها بإحلال عشرات الآلاف من أنصارها بدلاً من الموظفين الذين فروا إلى مناطق سيطرة الحكومة أو أولئك الرافضين العمل مع سلطاتها من دون مقابل. كما طالبت بحصة من عائدات تصدير النفط على أن تتصرف بها، مما تسبب بإفشال التوصل إلى حل وهو ما أثار أصوات احتجاجية شعبية متنامية عبر الحوثيون عن خشيتهم منه بشن سلسلة تهديدات توعدت أصحابه بالقمع والتنكيل.
ورغم مساعي مسقط والرياض، إلا أن مبادرات السلام الجارية اكتسبت قوة دافعة منذ اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات بينهما في اتفاق أبرم بوساطة صينية في العاشر من مارس (آذار) الماضي، من المؤمل أن يوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم في اليمن ويعد "إنجازاً مهماً في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".
ووفقاً لهذا، رحبت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، بدعوة السعودية لوفد من الحوثيين لإجراء حوار سلام ووصفت ذلك بأنه "خطوة مهمة نحو السلام".
وقالت إن "هذه الخطوة المهمة نحو السلام توسع نطاق سلسلة من التبادلات بين السعودية والحوثيين".
وأضافت "تأتي المحادثات في الرياض في أعقاب زيارة قام بها مسؤولون أميركيون كبار للسعودية وعُمان والإمارات في الأسبوع الماضي للتشاور مع شركائنا في المنطقة والأطراف اليمنية بخصوص مسار عملي نحو السلام".
في حين رحبت واشنطن بزيارة أول وفد رسمي من جماعة الحوثي للسعودية، أكد البيت الأبيض دعمه الدبلوماسي لجهود السلام الحالية بالتنسيق مع الأطراف اليمنية والأمم المتحدة.
كما دعا على لسان المتحدث جاك سوليفان، أطراف الصراع في اليمن لوضع نهاية للحرب، مشيداً بقيادة السعودية للمبادرة الحالية بدعوة وفد الحوثيين لاستكمال محادثات السلام اليمنية.
وعقب يومين من المشاورات التي لم يُكشف عن تفاصيلها بعد، إلا أن مصادر حكومية خاصة تحدثت لـ "اندبندنت عربية"، عن اتفاق وشيك يبدأ بحلحلة عقد الملفات كافة الإنسانية والسياسية وربطها ببعضها للدفع نحو سلام دائم وشامل
وينظر لهذه الخطوة بأهمية بالغة كونها تكشف عن تقدم كبير نحو الحل السياسي بعد أن ظل الحوثيون يطالبون بالفصل بين الملفات الإنسانية، كرواتب الموظفين، والملفات السياسية وما عليه من التزامات بموجبها، في محاولة منهم للخروج بمكاسب هي من صميم مسؤولياتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، في حين لا يلتزمون بما عليهم ازاء الاستحقاقات السياسية مثل الكف عن العنف والتعاطي الايجابي مع دعوات السلام الاقليمية والاممية والدولية.
وتتويجاً للتطورات الجارية، سبق وعبّر القيادي الحوثي علي قرشة عن تفاؤله بالزيارة، وأن تعود بما فيه الخير لمصلحة الطرفين.
وأفاد في تدوينة على منصة "إكس"، بأنه أُبلِغ من قبل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بأن "الزيارة إذا لم تنجح... فهي إقامة حجة وبراءة للذمة"، على حد تعبيره.
التعاطي الحوثي الذي وصفته القطاعات السياسية اليمنية بالإيجابي، أشعل بارقة الأمل في أن يفضي لسلام دائم منشود ويضع حداً للصراع الدامي الذي طال أمده، تتويجاً لجهود الجارين، السعودية وعمان التي لم تكن وليدة اليوم ولكنها بدأت منذ أشهر، منها زيارة الوفدين المشتركين، لصنعاء في ابريل (نيسان) الماضي، والالتقاء بقادة جماعة الحوثيين، الذي لم يُعلَن عنه أي مستجدات في ظل حالة اللاحرب واللاسلم في البلد التي تعيش أزمة إنسانية للعام التاسع على التوالي.
وكانت السعودية قد اعلنت الخميس بأن المملكة وجهت دعوة لوفد من صنعاء لزيارة الرياض لمواصلة المحادثات في شأن وقف إطلاق النار، سبقه وفد عماني حط في صنعاء نهاية شهر أغسطس (آب) الفائت، بزيارة استمرت 4 أيام في سياق تلك الجهود.
وحينها علق المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، أن أطراف النزاع تواصل إظهار الاستعداد للبحث عن حلول، لكنه أكد الحاجة إلى ترجمة ذلك في خطوات ملموسة.