Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمم المتحدة بين اختبار "الهيبة" واجتماع "الاستعراض"

الجمعية العامة تسعى إلى تأكيد فاعليتها في مواجهة التكتلات الدولية المتعددة وسط مخاوف دول الجنوب من التركيز على القضايا الغربية

يفترض أن يشارك قادة العالم بأفكارهم ورؤيتهم لخلق مستقبل أفضل للجميع (أ ف ب)

ملخص

ما المتوقع من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام؟

مع تبقي أيام قليلة على بدء النقاشات رفيعة المستوى للدورة الـ 78 من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تتزاحم الأسئلة عما إذا كانت المنظمة الدولية قادرة على الحفاظ على مصداقيتها وأهميتها في عالم مختلف عن العصر الذي ولدت فيه.

وإذ يتغيب زعماء الصين وروسيا والهند وفرنسا والمملكة المتحدة وسيكون الرئيس الأميركي جو بايدن هو الزعيم الوحيد للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الذي يحضر الاجتماعات، تخشى دول الجنوب العالمي من تركيز العالم الغربي على الحرب في أوكرانيا وعدم إيلاء الاهتمام الكافي للكوارث الإنسانية الأخرى مثل الصراع في السودان والانقلابات في أفريقيا وأزمة الهجرة في أميركا الوسطى وتعثر تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومعالجة الفقر وتغير المناخ، فضلاً عن الشلل في ما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن.

فما المتوقع من اجتماعات الجمعية العامة هذا العام؟ وهل تصبح الجمعية العامة مساحة للاستعراض أكثر من كونها مساحة لدبلوماسية متعددة الأطراف ذات مغزى؟

آمال كبيرة وتغيب لافت

في سبتمبر (أيلول) من كل عام، يجتمع زعماء العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لحضور الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ يعملون معاً للبحث عن حلول للتحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه البشرية من معالجة حال الطوارئ المناخية وبحث المخاوف الصحية العالمية إلى الحد من عدم المساواة ومكافحة الفقر.

ويفترض أن يشارك قادة العالم بأفكارهم ورؤيتهم لخلق مستقبل أفضل للجميع، والعمل على بناء الثقة وإحياء التضامن العالمي مع الاقتراب من منتصف الطريق في جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 بحسب موقع الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت.

الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ أسبوعها رفيع المستوى الثلاثاء المقبل في مدينة نيويورك، سيتغيب عنها أهم قادة العالم بمن في ذلك قادة الدول الخمس التي تمتلك حق "الفيتو" في مجلس الأمن باستثناء الرئيس الأميركي جو بايدن، مما يترك إشارة واضحة إلى أن المنظمة الدولية لا تزال تكافح للحفاظ على أهميتها في عالم اختلف عن ذلك الذي شُيدت من أجله عندما تأسست قبل ما يقرب من 80 عاماً.

خلف الكواليس يتوقع أن تهيمن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة الناجمة عن المنافسة بين القوى العظمى والحرب في أوكرانيا وتدويل الصراعات والانقلابات الأخرى، بخاصة في غرب أفريقيا ووسطها، بينما يواجه العالم احتمال نشوب صراعات ومواجهات اقتصادية أكثر تواتراً بين الدول، ما من شأنه أن يخلف عواقب مدمرة على التعاون الدولي وفقاً لدراسة أعدها مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك.

أهداف بعيدة المنال

وفيما تتحايل القوى العالمية على نظام الأمم المتحدة عبر ممارسة دبلوماسية متعددة الأطراف خارج إطار المنظمة، كما هي الحال في تكتلات "مجموعة الـ7" و"مجموعة الـ20" ومجموعة "بريكس"، تبدو الأهداف الطموحة التي حددتها المنظمة الأممية قبل ثمانية أعوام لمعالجة الفقر العالمي والمساواة بين الجنسين وتغير المناخ وغيرها من القضايا العالمية الملحة بحلول عام 2030 بعيدة المنال كما يشير موقع "فورين بوليسي".

وتشكل الحرب في أوكرانيا تحدياً مباشراً لأحد الأهداف الأساسية للأمم المتحدة المنصوص عليها في ميثاقها التأسيسي والمتمثل في تجنب الحروب الكبرى بعدما أوقفت موسكو التحركات الهادفة إلى إدانة الحرب في مجلس الأمن، مما أدى إلى إحياء الدعوات لإصلاح وتحديث المجلس من خلال إضافة أعضاء دائمين جدد أو إصلاح هيكل حق النقض بعدما ترسخت الانطباعات لدى كثيرين من الدبلوماسيين مثل سفير إستونيا لدى الأمم المتحدة رين تامسار بأن مجلس الأمن لم يعد مناسباً للغرض المقصود منه بعد الآن، وبالتالي أصبح هذا الواقع الصارخ يقوض بشكل مباشر مصداقية المجلس، وكذلك الأمم المتحدة وسلطتها.

مساحة للاستعراض

ومع استمرار تركيز العالم الغربي الشديد على الحرب في أوكرانيا، تصاعدت الإحباطات في البلدان الأخرى، بخاصة دول الجنوب العالمي، مما يجعل عدداً من المراقبين مثل رئيس مركز العدالة العالمية أكيلا راداكريشنان، يحذرون من أن كل شيء يبدو منقسماً في الأمم المتحدة هذه الأيام، مما ينذر بأن تصبح الجمعية العامة للأمم المتحدة مساحة للاستعراض أكثر من كونها مساحة لأي دبلوماسية ذات معنى.

 

 

ومما يزيد الأمور تعقيداً أن خطوط الصدع الدبلوماسية لا تظهر فقط الصين وروسيا في مواجهة الغرب، بل تمتد أيضاً بين الشمال والجنوب، مما يضع الدول الأكثر ثراء في مواجهة البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط بحسب مدير برنامج النظام العالمي والمؤسسات في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" ستيوارد باتريك، إذ تنظر حكومات ومواطنو العالم النامي إلى نظرائهم في العالم الغني على أنهم غير مبالين بحاجاتهم، بدءاً من الوصول للقاحات وتخفيف الديون إلى تمويل التكيف مع المناخ وتحقيق التنمية المستدامة.

جميع هذه القضايا فشلت الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها لأنها لم تعد صالحة لتحقيق هدفها ولأن الدول الأعضاء فيها لا تثق ببعضها بعضاً، وهم ينظرون أيضاً إلى مؤسسات الحكم العالمي القائمة، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي على أنها مؤسسات تتعارض بشكل يائس مع مصالحهم ولا تستجيب لحاجاتهم.

الإنقاذ من الجحيم

لكن على رغم تشكيك عدد من المسؤولين والخبراء في قدرة الأمم المتحدة على التكيف مع الأوقات المتغيرة، إلا أن النظرة المتشائمة حيال الدور الأممي لا تبدو جديدة بالنظر إلى ما قاله قبل عقود الأمين العام الثاني للأمم المتحدة داغ همرشولد إنه "لم يتم إنشاء المنظمة من أجل إحضارنا إلى الجنة، بل من أجل إنقاذنا من الجحيم".

وبالرهان على بعض الأمل في المستقبل، لا ينبغي إنكار أن الأمم المتحدة لا تزال تمثل مكاناً مهماً للدول الصغيرة لإسماع أصواتها، وتعد قمتها السنوية مقياساً أساساً لما يهدف زعماء العالم إلى معالجته خلال الأعوام المقبلة واختباراً حاسماً لقدرة المنظمة على إحياء الزخم في أهدافها الطموحة للتنمية المستدامة وجهودها لمعالجة تغير المناخ، ولهذا يراقب الجميع عدداً من العلامات التي من شأنها أن تبين حقيقة التعاون العالمي في المستقبل.

جمود الإصلاح

في العام الماضي أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعم بلاده لزيادة عدد المقاعد الدائمة وغير الدائمة في مجلس الأمن، بما في ذلك العضوية الدائمة لدول من أفريقيا وأميركا اللاتينية مما أثار حماسة وقلق الدول الأعضاء، إذ تؤيد غالبية الدول التوسعة من حيث المبدأ ولكنها منقسمة بشدة حول التفاصيل، ونظراً إلى الشلل المستمر منذ عقود في شأن هذا الموضوع والانقسامات حول معالم أي إصلاح محتمل، فإن المراقبين الأمميين لا يحبسون أنفاسهم، إذ لا تزال احتمالات تحقيق انفراجه بعيدة.

وفي حين ستكون لدى بايدن فرصة جديدة هذا العام لشرح ما فعلته الولايات المتحدة لدفع مبادرتها ومضاعفة الزخم وراءها بعدما فرض الطرح الأميركي ضغوطاً على القوى الكبرى والكتل الإقليمية لتوضيح موقفها، إلا أن العقبات التي تعترض أي إصلاح تظل كبيرة وربما لا يمكن التغلب عليها، وهو ما كشفت عنه الحرب الروسية- الأوكرانية بما يؤكد أن المشكلة تتمثل في أن الأمراض التي يعانيها مجلس الأمن هي سمة وليست علة.

علامات التنمية المستدامة

مرة أخرى سوف يتعين على زعماء العالم تقييم التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي الأهداف الـ17 للقضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرعاية الاجتماعية وتحسين الإدارة البيئية بحلول عام 2030 التي تم إقرارها على نطاق واسع في 2015، ولكن في منتصف الطريق نحو عام 2030 تبدو العلامات غير مشجعة فتوقف التقدم أو انعكس في ما يتعلق بأكثر من ثلث الأهداف وكان بطيئاً في نصفها تقريباً بينما لا تزال نسبة 15 في المئة فقط من الأهداف تسير على المسار الصحيح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى سبيل المثال، يعيش عدد أكبر من الناس في فقر مدقع مقارنة بما كان عليه الوضع قبل جائحة كورونا، وسيستغرق تحقيق هدف المساواة بين الجنسين ما يقرب من 300 عام إذا استمر بالوتيرة الحالية، ولهذا كتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير منتصف المدة حول أهداف التنمية المستدامة الذي صدر قبل القمة المقبلة "ما لم نتحرك الآن، فإن خطة عام 2030 ستصبح بمثابة شاهد على ضريح عالم كان من الممكن أن يكون كذلك".

 ومع ذلك فقد تم إحراز بعض التقدم، إذ من المتوقع أن تحقق 146 دولة الهدف المتعلق بوفيات الأطفال دون سن الخامسة بحلول عام 2030 وزاد عدد الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت بنسبة 65 في المئة منذ 2015 وحصل 800 مليون شخص إضافي على الكهرباء.

وهناك إشارة واعدة أخرى، إذ إن أستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة قبلت الإعلان النهائي لقمة أهداف التنمية المستدامة الذي يحتوي على لغة جريئة في شأن إصلاح المؤسسات المالية الدولية لجعلها أكثر إنصافاً واستجابة لتحديات التنمية، بهدف تلبية الحاجات التمويلية للبلدان النامية وتعزيز مشاركة البلدان النامية في صنع القرارات الاقتصادية الدولية.

ومع ذلك، ينتظر المراقبون أي قرارات استراتيجية في ما يتعلق بالتنمية العالمية خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين الشهر المقبل في مراكش بالمغرب، خصوصاً أن المؤسسات المالية الدولية تشكل جزءاً اسمياً من منظومة الأمم المتحدة، لكنها تتمتع بهياكل إدارية متميزة يستفيد منها كبار المساهمين وتستحوذ على موارد أكبر كثيراً من تلك التي تحصل عليها وكالات الأمم المتحدة.

وإذا كان غوتيريش دعا مراراً إلى إطلاق "لحظة بريتون وودز جديدة" لزيادة صوت وثقل الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط والسماح للمؤسسات المالية الدولية بتوفير المنافع العامة العالمية، فإن الجميع يدركون أن مثل هذه القرارات الهيكلية لن تتخذ في نهاية المطاف في نيويورك، بل في واشنطن من قبل الهيئات الإدارية للمؤسسات.

فرصة للتضامن

ستتاح للدول الأعضاء أيضاً فرصة لسد الخلافات وتخفيف المشاعر المؤلمة حيال الصحة العامة على مستوى العالم في أعقاب جائحة فيروس كورونا التي أثبت خلالها التعاون المتعدد الأطراف والدوافع الإنسانية أنها لا تتناسب مع التنافس الجيوسياسي والبخل المالي واعتبارات القومية المتعلقة باللقاحات، وتتخذ هذه الفرصة شكل ثلاثة اجتماعات رفيعة المستوى في شأن الصحة العالمية.

الأول يتعلق بالوقاية من الأوبئة والتأهب والاستجابة لها، ويهدف إلى خلق زخم سياسي وتضامن في شأن هذه الأجندة المشتركة، والثاني سيخصص للتغطية الصحية الشاملة للخدمات الصحية الأساسية والحصول على الأدوية واللقاحات الأساسية لجميع الناس بحلول عام 2030، أما الاجتماع الثالث، فيرتبط بالتحدي العنيد المتمثل في مرض السل، ويسعى إلى مراجعة التقدم المحرز والعقبات المتبقية التي تحول دون تحقيق الأهداف المحددة عام 2018.

والمفاوضات حول هذه القضايا كانت توقفت لسببين من المخاوف، الأول هو التمويل، إذ تصر البلدان النامية على التزامات مالية قوية من الدول المتقدمة لتجنب تكرار أوجه القصور الشديدة في الاستجابة العالمية لوباء فيروس كورونا، والثاني هو الدفع الدبلوماسي من جانب إيران وفنزويلا وروسيا ودول أخرى كانت تتعرض لعقوبات أميركية وتريد أن تستخدم لغة تنتقد العقوبات الأحادية الجانب وما تسميه "التدابير القسرية"، مما يبرز الانقسامات الاقتصادية والجيوسياسية ويجعل الأمن الصحي العالمي ضحية أخرى لعالمنا المجزأ.

مركزية في عالم متعدد

ووسط هذه التحديات، تطرح الأسئلة من جديد حول مدى استمرار مركزية الأمم المتحدة في النظام العالمي، في وقت أصبحت لدى الحكومات أدوات بديلة عدة للعمل الجماعي، ففي مواجهة الشلل الذي تعانيه المنظمة الأممية تعتمد الدول الأعضاء بشكل متزايد على أطر أصغر حجماً تسمح لتحالفات أضيق من المهتمين والقادرين وذوي التفكير المماثل بالتعاون في السعي إلى تحقيق الأولويات الاستراتيجية المشتركة والمصالح الاقتصادية والتفضيلات الأيديولوجية.

 

 

وبالنسبة إلى الدول الغربية توفر "مجموعة الـ7" وحلف شمال الأطلسي (الناتو) أسساً لا غنى عنها للدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد، وعلى نحو مماثل تنظر القوى الناشئة إلى مجموعة "بريكس" التي توسعت أخيراً على أنها منصة مهمة لتحدي التفاوت العالمي والدور الذي يؤديه الدولار باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسة في العالم، وحتى "مجموعة الـ20" التي تمثل عضويتها غير المتجانسة صورة مصغرة عن الانقسامات في العالم، فإنها توفر لأعضائها إطاراً أكثر مرونة لاتخاذ القرارات من الأمم المتحدة.

وفي ظل هذه الموجة من المنافسة المؤسسية، قد تفقد الأمم المتحدة قيمتها وأهميتها على رغم أن أي إطار آخر لا يتمتع بالشرعية التي يمنحها ميثاق الأمم المتحدة الملزم قانوناً والعضوية العالمية، واحتكار المنظمة الدولية للتفويض باستخدام القوة المسلحة، وكذلك العمل الهائل الذي تقوم به وكالاتها المتخصصة وبرامجها في مجالات تشمل الإغاثة الإنسانية والصحة العالمية وعمليات التفتيش النووي والجريمة العابرة للحدود الوطنية.

قمة المستقبل

ووفقاً لمؤسسة كارنيغي، من الواضح أن غوتيريش حساس تجاه هذه المسألة ولهذا اقترح عقد قمة المستقبل للدول الأعضاء في المنظمة الأممية خلال افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة العام المقبل في محاولة لوضعها في قلب نظام متعدد الأطراف، وتفاوضت الدول أخيراً على نطاق وثيقة "ميثاق المستقبل" التي ستتضمن فصولاً حول التنمية المستدامة والتمويل والسلام والأمن، وكذلك التعاون الرقمي والشباب والأجيال المقبلة، إضافة إلى تحويل الحوكمة العالمية.

وعندما يجتمع ممثلو الدول هذا الشهر، سوف يبحث مراقبو الأمم المتحدة عن خطوط الصدع المحتملة للخلاف، فضلاً عن الإشارات التي تدل على استعداد الدول الأعضاء لاتخاذ قرارات صعبة في شأن تحديث المؤسسات الدولية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل