ملخص
إصرار المسلحين داخل مخيم عين الحلوة على عدم تسليم المطلوبين باغتيال القيادي بحركة "فتح" أبوأشرف العرموشي يحمل رسائل عدة من بينها مواصلة المعركة وعدم الخضوع لسلطة "فتح" أو الدولة اللبنانية
انتهت الجولة الثانية من معارك مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان بعد أسبوعين من الاقتتال العنيف، مخلفاً 32 قتيلاً وأكثر من 200 جريح ونزوح نحو ثلثي سكان المخيم إلى مدينة صيدا، وفق مصدر في الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي كشف عن أن عدم وجود وثائق رسمية لجميع القتلى والجرحى هو سبب عدم نشر حصيلة دقيقة وموثقة بجميع الأسماء.
وفي نتائج الجولة الثانية من المعارك، يمكن رصد تقدم ميداني لحركة "فتح" في أجزاء من المخيم وتراجع للفصائل المتطرفة من مواقع عدة، ومن ثم تسجيل "نصر محدود" في منطقتي الطوارئ والتعمير اللتين تقعان ضمن نطاق مدينة صيدا خارج أطراف المخيم.
وتزامن "النصر" الميداني مع "نصر" سياسي برز من خلال تعزيز موقع الحركة على المستوى السياسي اللبناني، لا سيما في جولة عضو اللجنتين التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" والمركزية لحركة "فتح" عزام الأحمد، على القوى السياسية اللبنانية التي أكدت مشروعية "فتح" السياسية والشعبية.
وعلى رغم صمود الهدنة حالياً وقدرتها على تجميد الاشتباكات وثبيت وقف إطلاق النار مرحلياً، يبدو واضحاً أن العودة إلى مرحلة ما قبل جولتي القتال لن تكون سهلة، بعدما رسمت المعارك خارطة صراع ونفوذ مختلفة في أجزاء المخيم.
وكانت بنود "الهدنة" التي جمدت معارك الجولة الأولى بنهاية يوليو (تموز) الماضي، والتي اندلعت حينها على خلفية اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا أبوأشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه، تضمنت اتفاقاً على تسليم المتورطين إلى الدولة اللبنانية، إلا أن عدم تطبيق البند أدى إلى نشوب الجولة الثانية بداية سبتمبر (أيلول) الجاري، أي بعد شهر من الجولة السابقة.
ووفق المعلومات، فإن تثبيت استمرار وقف إطلاق النار حالياً، مرتبط بتنفيذ تعهد "الجماعة الإسلامية" التي تطلق على نفسها اسم "تجمع الشباب المسلم"، تسليم الأسماء المشتبه في تورطهم بعملية اغتيال العرموشي، وهم عز الدين إبراهيم أبوداوود (فلسطيني) وعمر فايز الناطور (فلسطيني) ومحمد أبوبكر ذوت (لبناني يحمل جنسية أفريقية) ومحمود علي عزب (فلسطيني) وفراس درويش الملاح (لبناني) وعبد شهاب قدور (لبناني) وعثمان إسماعيل تكريتي (لبناني) ومصطفى أحمد الأحمد (فلسطيني).
كذلك تضمن اتفاق "الهدنة" الذي حظي بتوافق فلسطيني - لبناني، بنوداً ميدانية أبرزها، سحب المسلحين وإزالة المظاهر المسلحة، وإخلاء مجمع مدارس "الأونروا" التي يتحصن به المسلحون من الطرفين "الشباب المسلم" وتنظيم "جند الشام" من جهة، ومقاتلون من حركة "فتح" في الجهة الأخرى.
مقاتلون من "اليرموك"
وفي قراءة لمسار الوضع الأمني في "عين الحلوة"، يكشف العميد ناجي بوملاعب عن أن "جولة القتال الأخيرة تؤكد وجود أمر عمليات إقليمي بالسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو في مخيمات الشتات"، مؤكداً "أن من بدأ هذه الأحداث لم يستطع تحقيق أهدافه"، متخوفاً من تصميم الجهة التي افتعلت سابقاً الحادثة الأمنية التي أدت إلى تفجير الوضع على تحقيق أهدافها، الأمر الذي يعني أن "جولة من القتال انتهت، ولكنها ليست الأخيرة". وكشف عن دخول مقاتلين جاؤوا من مخيم اليرموك في سوريا، لدعم منظمات فتح الإسلام وعصبة الأنصار والشباب المسلم".
توحيد الساحات
بدوره، يشكك المحلل السياسي علي الأمين، بقدرة صمود الهدنة، إذ في رأيه هناك تصميم من قبل محور "الممانعة" على تنفيذ مشروع "وحدة الساحات" بقيادة إيران وينفذه ذراعها الأقوى في لبنان "حزب الله"'، الذي يوظف "حماس" و"المتأسلمين" لمحاولة فرضه بوجه مشروع "فتح" الممثلة الشرعية للسلطة الفلسطينية شعبياً ورسمياً. وكشف عن أن "وقف إطلاق النار جاء بعد ضغوط جدية من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة، واستخبارات الجيش اللبناني من جهة ثانية، والذين أيقنوا أن ما يجري في المخيم هو مشروع سيطرة من قبل فريق الممانعة، بدعم من (حزب الله) لسيطرة الإسلاميين".
ويرى أن تقاطع المصالح بين "فتح" وبري والجيش، أسهم في "توجيه صفعة لمشروع الممانعة"، من دون أن يعني تقويضه، معتبراً أنه بعد انكشاف المشروع الذي يقوده "حزب الله"، تسبب باضطرار حركة "حماس" إلى الدخول علناً في المواجهة السياسية، بعدما فقدت المجموعات المتطرفة داخل المخيم أية فرصة أخلاقية أو سياسية للدفاع عنها من القوى الراعية لها لبنانياً وفلسطينياً.
ويضيف الأمين أن القوى الصيداوية استشعرت أخطاراً جدية على المدينة، فيما لو هزمت "فتح" في المخيم، إذ يعني سقوط مدينة صيدا في المجهول، لا سيما في ظل تفعيل "حزب الله" لميليشيات "سرايا المقاومة" في البيئة السنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أنفاق وسراديب
مصدر ميداني في حركة "فتح" يؤكد وجود تدفق أسلحة نوعية ومقاتلين من خارج المخيم لصالح الفصائل المتطرفة، مطالباً الجيش اللبناني بسد الثغرات التي قد يستغلها هؤلاء للتفلت من قبضة الجيش في محيط المخيم، كاشفاً عن إمكانية أن يكون تلاصق المباني في أحياء منطقتي التعمير والطوارئ أسهم في تشكيل ممرات للمسلحين باتجاه البستان المحاذي.
وبرأيه قد استطاع هؤلاء حفر سراديب وأنفاق من حي "السكة" داخل المخيم إلى منطقة البساتين، إضافة إلى إمكانية وجود أنفاق من حي "حطين" نحو سيروب أو قرية "درب السيم" المجاورة.
تدخل الجيش اللبناني
وفي السياق نفسه يؤكد مصدر أمني مسؤول في منطقة صيدا أن الجيش اللبناني استقدم تعزيزات كبيرة إلى المدنية وعزز انتشاره واستحدث نقاطاً عسكرية عند تخوم المخيم والمناطق المشرفة عليه، كاشفاً عن أن الجيش على أعلى درجات الاستنفار، وهو جاهز لإحباط أي تعرض لمدينة صيدا ومحيطها. ولفت إلى أن الجيش جاهز للتدخل في مخيم "عين الحلوة" في حال لم تصمد الهدنة، وأنه تم تبليغ الجهات الفلسطينية بضرورة تنفيذ بنود الاتفاق، ولا سيما إخلاء مدارس "الأونروا" وتسليم منفذي اغتيال العرموشي. وأشار إلى وجود نحو 3500 جندي في منطقة صيدا، مما يعزز حماية المدينة وضبط حدود المخيم ومنع انتقال المقاتلين والسلاح منه وإليه، نافياً أن تكون هناك حركة عبور لمقاتلين والأسلحة إلى داخل المخيم، معتبراً أن الإمكانات المالية للفصائل المتطرفة مكنتها من استقطاب مقاتلين وشراء أسلحة من داخل المخيم.
المعركة الحاسمة
وعلى رغم مرور أيام عدة على وقف إطلاق النار، فإن سكان المخيم الذين نزح ثلثهم لم يعودوا إليه، ولا تزال العودة خجولة، وتقتصر على العشرات، إذ يتخوف معظمهم من جولة ثالثة، وفي رأي عدد منهم فإن الجولة المقبلة ستكون الأعنف والأكثر دموية، حيث ستكون المعركة الحاسمة. ويعتبر هؤلاء أنهم يترقبون التجاوب مع بنود الهدنة، واجتماع هيئة العمل الفلسطيني المشترك في صيدا بهدف البحث بتعزيز القوة الأمنية المشتركة في مخيم عين الحلوة بين مختلف الفصائل الفلسطينية.
كذلك يؤكد النازحون أن الدمار طاول مئات الوحدات السكنية ودمرها بشكل كامل أو جزئي، وأيضاً المدارس والمستوصفات والمساجد، ومن ثم هناك استحالة للعودة الفورية قبل تدخل "الأونروا" والمساعدة بإعادة ترميم البيوت المتضررة أو توفير أماكن للسكن.
"خدمة إسرائيل"
وبشكل دائم ينكر "حزب الله" الحديث عن أي دور له في الصراع الفلسطيني داخل المخيمات، ويتهم جهات أمنية خارجية بتأجيج الصراع وإحداث الفتن خدمة لإسرائيل وإضعاف الموقف الفلسطيني في الداخل. وتشدد مصادره على أن الدور الوحيد الذي قام به الحزب هو محاولة الوساطة والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، موضحاً أن "وحدة الساحات" التي تحدث عنها أمين عام الحزب حسن نصرالله، يعني وحدة الموقف بين دول "الممانعة"، وليس تغليب فئة على أخرى داخل أي مخيم في لبنان.