ملخص
توضع برامج عادة في السودان قبل ثلاثة أشهر من بدء فصل الخريف الذي يحمل معه العديد من الأوبئة مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا وغيرها
تجتاح السودان هذه الأيام، إلى جانب استمرار المعارك والقصف، حالة من الهلع بسبب تفشي الأوبئة في عدد من الولايات، بسبب حلول فصل الخريف، فيما أدى تفاقم الاقتتال بين طرفي النزاع، الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، إلى انهيار المرافق الصحية، والبنية التحتية. في المقابل عجزت وزارة الصحة والمسؤولين عن مكافحة هذه الأوبئة، في ظل عدم القدرة على تنفيذ الخطط الموضوعة سلفاً لهذه الغاية ككل عام، أثناء موسم الأمطار، حيث تُوضع برامج قبل ثلاثة أشهر من فصل الخريف الذي يحمل معه العديد من الأوبئة مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا وغيرها.
تضاعف الحالات
ونشرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان بياناً حول مستجدات الوضع الصحي في البلاد جاء فيه، "بحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة الاتحادية، سُجلت 3398 حالة لحمى الضنك في ولايات القضارف والبحر الأحمر وشمال كردفان والخرطوم منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي وحتى منتصف سبتمبر (أيلول) الجاري، إلا أن أعداد حالات الاشتباه التي وصلت المستشفيات بلغت في ولاية القضارف وحدها 484 حالة، منها 330 موجبة بنسبة إيجابية بلغت 68 في المئة".
وأشارت اللجنة إلى أن "التقارير الميدانية في ولاية القضارف أكدت وجود 155 حالة اشتباه بمرض الكوليرا، منها 73 حالة موجبة بالفحص السريع بنسبة إيجابية بلغت 47 في المئة في خمس محليات تتبع تلك الولاية، فيما سجلت محلية القلابات الشرقية أعلى نسبة إصابات كما لم تسلم معسكرات النازحين من تفشي هذا الوباء".
وكانت وزارة الصحة الاتحادية أكدت في تقارير لها "تفشي الكوليرا في ولايات القضارف وجنوب كردفان، إذ سجلت 562 إصابة و18 حالة وفاة، بمعدل وفيات يبلغ 3.2 في المئة".
استعدادات مبكرة
في السياق، قال استشاري جراحة الكبد وزراعة الأعضاء، عضو لجنة الاستشاريين والاختصاصيين بتجمع المهنيين السودانيين، علاء نقد، أن "الوضع الصحي سيئ للغاية منذ بداية الحرب، وحذرنا في الأسابيع الأولى من الحرب من أنه إذا استمر القتال حتى فصل الخريف سنعاني من كارثة كبيرة وربما تكون أعداد الوفيات بالأوبئة أكثر من عدد الوفيات بالرصاص، وهذا سيحدث إذا لم تتوقف الحرب سريعاً". وأضاف نقد، "قبل قدوم فصل الخريف في السودان سابقاً، كنا نجري تحضيرات كبيرة في وزارة الصحة قبل ثلاثة أشهر، حيث يتم تكوين مجموعات من المحليات في كل الولايات، وتُعقد اجتماعات مع ضباط الصحة ورؤساء المحليات والنظام الصحي المحلي، وتكون هنالك استعدادات كبيرة، متمثلة في فتح المجاري وردم المياه الراكدة وتحضير الزيت الراجع ووضع ميزانية لتوزيع الناموسيات وتوفير أدوية الملاريا وتهيئة الحالة العلاجية. وهي تحضيرات وقائية وعلاجية. لكن مع استمرار القتال لم نقم بكل ذلك، فقط سمعنا بوجود حملات رش في بعض المناطق ولكن لن تكون بالصورة الصحيحة".
وعن انتشار الأوبئة في العامين الماضي والحالي، قال نقد إن "حمى الضنك في العام الماضي كانت منتشرة، في ظل تعتيم إعلامي عليها من قِبل الوزارة الاتحادية، لأنها مربوطة بصادرات اللحوم، حيث كانت منتشرة في شمال كردفان (مدينة الأبيض)، وقبل ثلاثة أيام تم الإعلان عن حالات كوليرا في منطقة الحاج يوسف في الخرطوم، وهذه مشكلة كبيرة، لأن الأوبئة تحتاج إلى مجموعات ومراكز طوارئ، ولجان إعلامية وعلاجية وتثقيفية، وهذا الأمر صعب في حالة الحرب لوجود طرفي نزاع. والكوادر الطبية والصحية مهددة حيث يتم اعتقالها، وتم اعتقال عدد من الأطباء ويُتهمون بمعالجة طرف من طرفي النزاع، على رغم أن الأطباء يتعاملون مع أمر علاج المرضى بحياد، إذ إنه من واجبهم معالجة الجميع سواء كانوا عسكريين من طرف الدعم السريع أو الجيش".
وعن وضع الكوادر الصحية قال نقد إن "الكوادر الصحية من الأجانب الذين يعملون في المنظمات وجدوا صعوبات في استخراج تأشيرة دخول للسودان لسد الحاجة، خصوصاً أن هنالك أعداداً من الأطباء الأجانب يعملون منذ بداية الحرب ويجب استبدالهم لأنهم حذروا من عدم تمكنهم من مواصلة عملهم في السودان، بخاصة أنهم ظلوا يعملون خمسة أشهر متتالية تحت القصف، وربما يتم إغلاق هذه المستشفيات لعدم توافر كوادر طبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توافر الدواء
وعن مدى توافر الأدوية وتوزيع التبرعات المقدمة من بعض الدول، قال نقد إن "توفير الأدوية أمر شائك، فالكميات التي دخلت عن طريق ميناء بورتسودان لم تجد حتى الآن طريقها إلى المستشفيات الحكومية، وأشرنا إلى هذه المشكلة إذ إن المساعدات الطبية لم تجد طريقها إلى مستحقيها، وهي أصلاً شحيحة. ولم يصل سوى 40 في المئة من الدول المانحة. والمساعدات التي وصلت انتشرت في الأسواق وهذا يدل على فساد واضح. ومع أن إعلان جدة يتضمن بنداً ينص على وجود لجنة وطنية لتوزيع المساعدات، لكن لم يتم تكوين هذه اللجنة، لذلك سقطت المساعدات في أيدي أعوان النظام البائد وانتشرت في الأسواق".
وتابع نقد "المشكلة الحالية هي استمرار إطلاق النار، فإن لم يتم وقفه لن تستطيع الكوادر الطبية والصحية أن تعمل ولن تكون هنالك ممرات آمنة لحركة الكوادر وحركة الدواء مما ينتج عنها كوارث كبيرة وأعداد الضحايا سيزيد، خصوصاً مرضى الكوليرا".
لجان الطوارئ
ومع استمرار الحرب وتوقف الوزارات عن العمل، كبرت أهمية دور لجان الطوارئ، إذ تتم أغلب العمليات اللوجستية وغيرها عن طريقها. وقال المتحدث الرسمي باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة، إن "الأوبئة المنتشرة حالياً في البلاد هي حمى الضنك في مدينة القضارف بشرق السودان، والأرقام غير الرسمية مخيفة. فهنالك إفادات من مصادر موثوقة تؤكد وجود إصابة واحدة على الأقل داخل كل بيت في القضارف. وبين كل سبعة أشخاص يوجد أربعة أشخاص مصابين". وأضاف كندشة أن "فحص حمى الضنك يكلف 22 ألف جنيه (30 دولاراً)، والوضع الصحي سيئ في ظل شُح الأدوية وتردي الخدمات الصحية والمستشفيات. والكارثة الحقيقية هي تمدد هذه الحمى إلى ولايات أخرى، ويُشتبَه بوجود حالات عدة في مدينة مدني وسط السودان أما بالنسبة إلى الملاريا، فالأرقام واضحة، حيث توجد 13 ألف حالة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهذا عدد كبير، وتوجد أيضاً حالات كبيرة في ولاية الجزيرة، حيث يعانى أغلب النازحين من الخرطوم في هذه الولاية من الإصابة بهذا المرض".
وبيّن كندشة أن "الكوليرا ظهرت في شرق النيل بمدينة بحري بالخرطوم، حيث استقبل مستشفى "البان جديد" الواقع في منطقة الحاج يوسف، سبعة حالات مؤكدة، فضلاً عن وجود حالات اشتباه، ليصل عددها إلى 22 حالة إصابة بالكوليرا. في المقابل، لم تسجَل حالات اصابة بهذا المرض في مستشفيات مهمة كمستشفى أم درمان الذي يخدم أحياء عدة مكتظة بالسكان، إضافة إلى المستشفى التركي بالكلاكلة".
دور اللجان
من جانبه، قال الأمين عضو غرفة طوارئ بحري المشتركة أبو ذر مدثر، إن "الحاجة الحالية تتمثل في توفير محلول ملحي وكلوريد الصوديوم الوريدي وسائل غلوكوز الوريدي ومضادات حيوية (وريديه وفموية وعضوية) للعلاج الفوري لحالات الكوليرا والوقاية من المضاعفات، ومحلول تعويضي عن طريق الفم ومواد تنظيف ومعقمات الأرضيات وأكياس النفايات الحيوية".
وعن الأسباب المؤدية إلى انتشار الكوليرا في منطقة شرق النيل ببحري، أوضح أن "وجود مرافق الصرف الصحي غير الملائمة ومصادر المياه الملوثة وازدحام بعض المناطق بسبب النزوح الداخلي، كلها عوامل تسهم في انتشار وباء الكوليرا في محلية شرق النيل".
وعن بداية ظهور الوباء في هذه المنطقة، أفاد الأمين بأن "الوباء ظهر يوم الجمعة 22 سبتمبر، حيث استقبلت غرفة طوارئ شرق النيل بمستشفى البان جديد حالات مشتبه في إصابتها بالكوليرا وبعد إجراء الفحوصات اللازمة تأكد بأنها حالات مصابة".
أما عن دور وزارة الصحة ومدى تعاونها مع غرف الطوارئ فأكد أن "الوضع الصحي سيئ للغاية مع غياب تام لوزارة الصحة، ومع ظهور الوباء خاطبت غرف الطوارئ وزارة الصحة لمباشرة عملها". وناشدت الغرفة المنظمات الإقليمية والدولية بالتدخل، نظراً لغياب دور الوزارة، فحتى الآن تم تسجيل 24 حالة من وباء الكوليرا، بينهم 13 سيدة و11 رجلاً و6 أطفال و3 حالات تحت الاشتباه. في حين توفي 4 أشخاص، ثلاثة من بينهم أطفال".