ملخص
كلفة الدعم لا تزال ثقيلة على موازنة البلاد التي تشكو شح الموارد المالية
عكست الموازنة الجديدة وقانون المالية في تونس "إملاءات" الرئيس التونسي قيس سعيد في ملف كثيراً ما دافع عنه بقوة، إذ إنه أكبر المدافعين عن ملف الدعم، خصوصاً دعم المواد الأساسية التي يعتبرها قضية جوهرية في الحفاظ على أمن البلاد.
وفي أكثر من مناسبة رفض الرئيس التونسي ما اعتبره شروطاً من صندوق النقد الدولي، لا سيما في موضوع رفع الدعم، وهو السبب الرئيس في عدم وصول تونس إلى اتفاق مع المؤسسة الدولية للحصول على 1.9 مليار دولار على أربع سنوات.
وأقال الرئيس التونسي وزيرين في الحكومة، الأول وزيرة الصناعة والطاقة نائلة القنغي مطلع مايو (أيار) من هذا العام بعدما أعلنت الانتهاء من صياغة إصلاح منظومة الدعم في تونس، بينما كان الوزير الثاني المقال هو وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، الأسبوع الماضي، بعدما أدلى بتصريحات صحافية إلى وكالة الأنباء الرسمية أشار خلالها عن أهمية ودور صندوق النقد الدولي.
إلى ذلك، تواجه الحكومة معادلة اقتصادية صعبة، ففي ظل شح الموارد المالية واتساع رقعة الاقتراض المحلي وإرهاق المصارف المحلية وتحديات الديون الخارجية في سنة 2024، في غياب إصلاحات جذرية وعميقة لإصلاح منظومة الدعم.
آليات جديدة
ويمثل دعم المحروقات والمواد الأساسية نحو 19 في المئة من إجمالي نفقات الموازنة و23.1 في المئة من إيرادات الموازنة، وهو ما يعادل 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك مما دفع الحكومة إلى إقرار اليات وبرامج جديدة لإصلاح منظومة الدعم من دون أن تحيد عن التوجهات والمبادئ الكبرى للسلطة الحاكمة في البلاد.
ومن أهم الحلول المقترحة تطبيق أنظمة مراقبة استهلاك الوقود في القطاع الحكومي وتفعيل البرامج التحسيسية لترشيد استهلاك المواد البترولية مع إجراءات لتحسين الأداء والتحكم في كلفة الإنتاج إلى جانب اتخاذ عديد من الإجراءات الجبائية (الضريبية) لتشجيع المواطنين على استخدام الطاقات البديلة والنظيفة، لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك تشجيع استثمار القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء، وبخاصة في مصادر الطاقة المتجددة. كما تتضمن الخطة الحكومية تشديد المراقبة على مسالك توزيع المنتجات الاستهلاكية الحساسة، وبخاصة مشتقات الحبوب المدعمة ومواصلة تفعيل المرسوم الرئاسي الخاص بمقاومة المضاربة غير المشروعة والتشجيع على التوسع في زراعة الحبوب، وبخاصة مادة القمح الصلب مع توفير البذور والأسمدة الكيماوية والعمل على زيادة طاقة تجميع وخزن الحبوب.
إصلاح وتصويب
من جانبه قال عضو المجلس الوطني للجباية (الضرائب) والمستشار الجبائي محمد صالح العياري إن "مشروع قانون المالية للسنة المقبلة تضمن إصلاح وتصويب منظومة الدعم مع عدم فرض أية ضرائب جديدة على الشركات والمواطنين". وأضاف في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، إن "هناك إجراءات ضمن مشروع المالية الجديد تستهدف زيادة نسبة الرسوم على بعض الأنشطة التجارية والاقتصادية والسياحية التي تستعمل المواد المدعمة من دون وجه حق".
واعتبر العياري أن هذه الإجراءات تستهدف استرجاع جزء من نفقات الدعم، موضحاً "على سبيل المثال السياح الأجانب الوافدين على تونس يستهلكون المواد الأساسية المدعمة، علاوة على أن عدداً من أصحاب المقاهي الفاخرة والمطاعم السياحية الكبيرة تستعمل في محالها المواد الأساسية المدعمة وتروجها بأسعار مرتفعة جداً".
من جهة أخرى كشف العياري عن أن "هناك نية لتحريك أسعار المحروقات"، قائلاً "لم يضمن في مشروع الموازنة"، لافتاً إلى أن منظومة دعم المحروقات قد تشهد إصلاحا جذرياً باعتماد أسعار محروقات مرتفعة نسبياً بالنسبة لأصحاب السيارات ذات القوة الجبائية الكبيرة، إثر القيام بالتعديلات الضرورية على المنظومات الإلكترونية في محطات توزيع البترول، وبخاصة الاستظهار بالشهادة الرمادية للسيارة التي تبرز القوة الجبائية للسيارة (عدد الخيول).
دعم متواصل
في غضون ذلك أظهر مشروع موازنة تونس لعام 2024 أن الحكومة ستواصل دعم المحروقات والطاقة بمخصصات تبلغ 7.086 مليار دينار (نحو 2.2 مليار دولار) مقابل نحو 7.030 مليار دينار خلال العام الحالي الذي لم يشهد أية زيادة في سعر المحروقات والطاقة.
وأبرزت وثيقة الموازنة أن أربعة مليارات دينار (1290 مليون دولار) من نفقات دعم المحروقات والطاقة ستوجه لفائدة شركة الكهرباء والغاز الحكومية لتحسين أدائها في خدمة توفير الكهرباء، بينما سيوجه باقي الدعم لفائدة شركة صناعة التكرير.
وبينت الوثيقة أن الحكومة تخطط عبر التوجهات التي رسمتها في موازنة 2024 إلى مواصلة توفير الدعم للمحروقات والكهرباء مع العمل على مزيد من التحكم في هذه النفقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ إبرام حكومة الحبيب الصيد للاتفاق المالي مع صندوق النقد الدولي سنة 2016 تحث مؤسسة التمويل الدولية سلطات تونس على رفع الدعم عن الكهرباء والمرور إلى الأسعار الحقيقية من أجل تقليص عجز الموازنة وتحسين التوازنات المالية للدولة.
إصرار صندوق النقد الدولي على رفع الدعم على المحروقات يرجع إلى أنه يرى أن نظام دعم المحروقات القائم غير عادل، إذ يدعم الأسر الأكثر ثراءً والمالكة للسيارات الفارهة على حساب بقية الفئات الهشة، لكن الوقود منتج حيوي يؤثر في عدة قطاعات من النشاط الاقتصادي.
ارتفاع سعر برميل النفط حاسم
وحذر العياري الحكومة التونسية من أن اعتماد سعر برميل النفط بقيمة 81 دولاراً (خام برنت) في مشروع موازنة العام المقبل، قائلاً "تقدير هذا السعر غير واقعي ولا علاقة لها بالوضع الحالي"، داعياً إلى "مراجعتها أو تأجيلها". وأضاف أن الحكومة قد تضطر أمام ارتفاع أسعار النفط بسبب التوترات الجيوسياسية في منطقة الرشق الأوسط، إضافة إلى استمرار النزاع الروسي – الأوكراني، إلى اتخاذ إجراءات جديدة فيما يخض دعم المحروقات، مؤكداً أن "اعتماد سعر برميل النفط عند81 دولاراً كسعر متوسط لكامل سنة 2024 أمر لا يستقيم"، مشيراً إلى أن سعر برميل النفط وصل في بعض فترات من هذه السنة إلى 100 دولار للبرميل قبل أن يهبط إلى مستوى 94 دولاراً.
ودعا محمد صالح العياري الحكومة إلى تغيير السعر المعتمد في مشروع الموازنة واعتماد سعر 90 دولاراً للبرميل، معتبراً ذلك أكثر واقعية، لافتاً إلى أن سعر برميل النفط المعتمد في موازنة سنة 2023 كان في حدود 89 دولاراً، مستدركاً "لكن الحكومة خلال مشروع المالية التعديلي نزلت به إلى مستوى 83 دولاراً"، مشيراً إلى أن "كل زيادة بقيمة دولار واحد في سعر برميل النفط ترفع كلفة الدعم بقيمة 144 مليون دينار (46.4 مليون دولار).
دور اجتماعي
من جانبه قال المتخصص المالي بسام النيفر إن "وثيقة مشروع الموازنة للعام الحالي لم تتضمن اعتزام الحكومة رفع الدعم عن بعض المواد"، مضيفاً أن "الدولة تقوم بدورها الاجتماعي بصفة كبيرة"، مدللاً على ذلك بأن الحكومة خصصت 7086 مليون دينار دعم للمحروقات (2285.5 مليون دولار) و3591 مليون دينار (1158.3 مليون دولار) دعم المواد الأساسية في عام 2024 بزيادة 258 مليون دينار (83.2 مليون دولار) مع هذه السنة.
وتابع أن الحكومة تعتزم زيادة رسوم بعض المواد البترولية حتى تشجع المواطن على استخدام الطاقات المتجددة وإقرار رسم على الكربون ودعم موارد صندوق الانتقال الطاقي، وذلك من خلال مراجعة الرسوم الموظفة على المنتجات الطاقية التي لن تمس مباشرة بالأسعار النهائية للمحروقات وفق تصوره.
وخلص المتحدث إلى أن "الحكومة أقرت آليات بديلة من طريق زيادة الرسوم على عدد من القطاعات التجارية والاقتصادية"، معتبراً أنها "استجابت لمقترحات عدد من المتخصصين في تصويب المنتجات المدعمة واستهداف فئات وقطاعات بعينها من دون المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين".