Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وقائع صيف الغرام بين ديانا ودودي لا تشبه مسلسل "التاج"

كاتب سيرة حياة محمد الفايد شهد من قرب علاقة الحب المشهورة لكنه يرى أن القصة الحقيقية أقوى وأعجب مما يرد على شاشات "نتفليكس" عنها

الثنائي في سان تروبيز خلال شهر أغسطس من عام 1997 (أسوشيتدبرس)

ملخص

كاتب السيرة الذاتية لمحمد الفايد يروى ذكرياته عن صيف الغرام الذي جمع دودي الفايد بالليدي ديانا ويشدد على أن ما شهده يغاير ما يعرضه مسلسل "التاج" على "نتفليكس"

"إنهم الـ(أم آي 6) MI6 [جهاز الاستخبارات البريطاني]. إنهم من قتل دودي وديانا، بالتأكيد"، ذكر محمد الفايد وأنا أقترب منه في حديقة عزبته الشاسعة في "بارو غرين كورت"، قرب "أوكستد". تمتد تلك العزبة على أرض مساحتها 16 فداناً بمنطقة "سوراي" الريفية، اشتراها الفايد سنة 1972 من اللورد ماكآلباين الذي أصبح فيما بعد أمين خزانة حزب المحافظين، وقد أجرى الفايد تغييرات كبيرة فيها أبعدتها من جذورها الجورجية [حقبة حكم الملوك جورج الأول، وجورج الثاني، وجورج الثالث، وجورج الرابع، بين عامي 1714 و1837]. وفي الداخل، برزت تشكيلة غريبة من الألعاب ودمى الدببة وتماثيل حوريات عاريات وآلهات إغريقية شبه عاريات. وتوسط غرفة نومه سرير ضخم محاط بلوحات فتيات عاريات كثيرات. وطغى الرخام والذهب على الأجواء الداخلية في العزبة. وفي الخارج، ظهرت خيمة بيضاء كبيرة بالطراز العربي استخدمها الفايد مكتباً له ومساحة للاجتماعات بعيداً من أعين وآذان عائلته المتيقظة.

قادني رجل الأعمال المصري صاحب متاجر "هارودز" إلى تلك الخيمة. حدث ذلك في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1997، أي بعد ستة أسابيع من وفاة الأميرة ديانا وابنه دودي. وفي وقت سابق من ذاك العام، جرى تكليفي كتابة سيرة حياة الفايد، إذ سبق لي أن ألفت كتابين هما "نواب للإيجار" MPs for Hire و"ذهب تاتشر" Thatcher's Gold، مما راق لتظلمات الفايد من المؤسسة السياسية الرسمية [في بريطانيا]. وعلى رغم تودده لطبقة النخبة عبر رعايته مثلاً "عرض الخيول الملكية" في وندسور، وتبرعاته لمؤسسات خيرية واستثماراته في القطاع الاقتصادي البريطاني، فإنه حرم من الجنسية البريطانية. لذا، عمد إلى الانتقام عبر ادعائه أنه دفع مالاً لنائبين محافظين (نايل هاميلتون وتيم سميث) كي يمارسا الضغط لمصلحته في البرلمان، وكذلك زعم أن فاتورة نزول وزير الدفاع البريطاني جوناثان أيتكين في فندق "ريتز" دفعها سمسار أسلحة سعودي.

وآنذاك، تقرر أن يمثل الكتاب [عن سيرة حياة الفايد] ذروة انتقام الرجل من المؤسسة السياسية الرسمية التي رفضته. "إنهم عبارة عن محتالين ومافيا إجرامية منظمة"، يورد الفايد في وصف تلك المؤسسة، ويردف، "يسمونهم "السلطة الخفية"، عن حق". ومع تنبهي لصيت السفسطة والمغالاة المرتبط بالفايد، فإن فرصة دخولي إلى دائرته الضيقة ومعاينة حربه المستعرة تلك ضد النخبة السياسة، مثلت لي أمراً مغرياً لا يقاوم. لكنّ، ثمة أمراً لم أتمكن من توقعه وتمثل بالكيفية التي سيتوافق بها وصولي المحظوظ إلى دائرته الضيقة مع محاولته الأخيرة البائسة الانضمام إلى المؤسسة السياسية الرسمية عبر استغلال علاقة ابنه دودي بالأميرة ديانا ودفعه إلى زواج منها. وستؤدي تلك العلاقة إلى موتهما المأسوي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاطاً بطاولات مخصصة للهواتف ولآلة الفاكس داخل الخيمة، قضيت ساعات في استنطاق الفايد عن متاجر "هارودز"، وشقته ببارك لاين، وقلعته في اسكتلندا. وتمثلت مهمتي الأساسية بفصل الحقائق عن الأوهام. وقد جاءت إجاباته عن أسئلتي في معظم الأوقات مزيجاً من التفاصيل الدقيقة والأمنيات والأكاذيب ونظريات المؤامرة.

لقد مثل عزوف الفايد عن القبول بحقائق مزعجة بالنسبة إليه، جانباً أساسياً يقع في صميم علاقته مع ابنه دودي. وفي هذا السياق، يوافق عديد من موظفيه السابقين على أن دودي كان مدللاً، وطفولياً، وغنياً ميؤوساً منه، وكسولاً منحلاً. رآه البعض لطيفاً ومهذباً وكريماً، بيد أن الجميع وافق على أنه استخدم ثروته لشراء الصداقات والمودة. وقد عاش هذا الولد اللعوب والمنتج الهوليوودي الطامح في عالم "بيتر بان" الخرافي، متنعماً بالبذخ والانغماس في الملذات. وقبل أي أمر آخر، انصاع تماماً لوالده واعتمد عليه.

 

أرى أن الفكرة التي تتحدث عن عدم تأثير الفايد الأب في علاقة ابنه دودي بديانا، أو استغلاله لها، فكرة مضحكة. لكن، لم يكن [فايد] ليتحكم به [دودي] طوال الوقت

قضى دودي فترة طفولته وحيداً ومحروماً من الحب في مدينة الإسكندرية، بمصر، فيما كان والده يراكم ثروته الضخمة. وكانت أمه، سميرة، شقيقة وسيط تجارة الأسلحة السعودي عدنان الخاشقجي. جاء زواجها من الفايد قصيراً ومضطرباً وانتهى بالطلاق بعد أن اعترف رجل الأعمال المصري بانخراطه في علاقة عاطفية أخرى. وحينما انتقل دودي للعيش مع والده، لم يكن يبلغ إلا قرابة السنة من عمره. وفي معظم الأوقات، سافر الأب في رحلات عمل. من ثم كان لغياب الحياة العائلية الحقيقية تأثيراً ضخماً على الطفل الصغير. في الليل، بكى وصرخ باستمرار. وحينما يصادف وجود والده في البيت، يعمد ذلك الوالد إلى مراضاة ابنه بالنوم إلى جانبه في سرير مشترك وبالسخاء صباحاً في شراء الألعاب، خصوصاً دمى الدببة ومجسمات الطائرات.

حينما سألت الفايد عن ابنه بعد وفاة الأخير، أشار الرجل إلى تلك المشكلات. وووفق ما أخبرني، "إنه ابني. يقترف أخطاء، وذاك يستدعي الحزن، فتعمد إلى معاقبته، لكنه ابنك، من دمك. كنا قريبين جداً. أعطيته كل شيء. في مصر ولندن حتى عمر الـ14 كان ينام الليل في سريري، ثم يذهب إلى المدرسة".

اكتسب الأولاد والعائلة أهمية لا توصف بالنسبة إلى الفايد. وفيما عجز دودي عن التركيز على أي شيء يغضب والده، لم يستطع الأخير بكبريائه وغروره القبول بفكرة فشل ابنه. وتتجسد الحقيقة في المسألة المروج لها كثيراً والمتمثلة بتولي دودي دور المنتج التنفيذي للفيلم الحائز جائزة أوسكار، "عربات النار" Chariots of Fire، في أن دوره ضمن ذلك الإنتاج كان ضئيلاً. فتمويل والده للفيلم لبى طلب الإنتاج الهوليوودي وجعله ممكناً، أما دودي، وفق توم باور كاتب سيرة الفايد، فقد قضى معظم ذلك الوقت متعاطياً الكوكايين في لندن. و"في زيارة نادرة إلى موقع الإنتاج، حيث جرى تصوير مشاهد تدريب [العربات] في اسكتلندا. لقد سرب الكوكايين إلى طاقم التصوير"، وفق باور. "اذهب!"، قال له بوتنام [المنتج الفعلي للفيلم]، "ولا تعد إلى هنا مرة أخرى".

استطراداً، كان من شأن النجاح المفاجئ لـ"عربات النار" أن يغير حياة دودي ويجعله منتج أفلام ناجح، بيد أنه بدد تلك الفرصة بالانفاق على رحلات اللهو والترفيه، وإمطار ممثلات كبروك شيلدز وكو ستارك بالهدايا من دون أية حظوظ في الحصول على شيء مقابل إنفاقه الطائش ذاك. وقد أغضب هذا الأمر والده الذي عمد على نحو مفاجئ إلى إيقاف المخصص الشهري الممنوح لدودي والبالغ 150 ألف جنيه استرليني. وعلى الأثر، دخلت علاقتهما في حالة جمود.

وعلى رغم ذلك، حينما سألت الفايد عن حياة ابنه المهنية، لم يتمكن من حمل نفسه على الاعتراف بالفشل الذي مني به [دودي]. ووفق كلماته، "لقد أحب دودي سحر صناعة الأفلام. والتحق بكورسات عدة في الإنتاج والتمويل في لوس أنجليس". سألته، "هل عانى مشكلة مالية؟". أجاب كاذباً: "أبداً. لقد كان رزيناً، واستغله الناس، لكن كل شخص يرتكب أخطاء".

في العموم، وبنهاية المطاف كان دودي لطيفاً وطيباً، لكنه أيضاً شاب لعوب طائش أعجبت هشاشته وجاذبيته الهادئة نساء شهيرات وفاتنات، لكنهن مأزومات. في مطلع سنة 1997، كانت الأميرة ديانا هي أشهر تلك النساء المأزومات. وقبل مدة طويلة من ذلك العام، تودد محمد الفايد لديانا معتبراً نفسه أباً بديلاً بالنسبة إليها. وتحدث لي عن ذلك الأمر، "لقد نشأت (ديانا) من دون عائلة. كان والدها وأمها أنانيين. وغاب الطرفان عنها، وتركاها مع المربين. لقد بحثت عن الرجل المناسب الذي يمكنه أن يعوض ما فاتها خلال طفولتها. للأسف، زوجها [الأمير تشارلز] اقترن بها لأنها كانت جميلة، فأنجب منها ولياً للعهد، ثم تركها كي يلهو ويستأنف حياته القديمة. وانحصر دورها في كونها حاضنة (للأولاد)".

في المقابل، إن الدوافع التي يتحدث عنها الفايد جاءت نائية تماماً من مواقفه. وطوال العقد السابق [عن عام 1997] أعتقد أن رعاية مباريات رياضة البولو، والتبرع للجمعيات الخيرية المقربة من أنديتها، وبيع قمصان الأمير تشارلز في متجره "تيرنبول أند أسير" ستؤدي إلى تحصيل الاعتراف الاجتماعي (من تلك الأوساط النخبوية). لكن، حينما فشلت استراتيجيته، انقلب عليهم. وأسر لي "قابلت الأمير تشارلز مرات عدة. إن لديه كثيراً من الجوانب الجميلة، لكنه محاط بالأشخاص الخطأ، وهو يستمع إليهم. أنا أسميهم [الفوقيين]. إنهم الأشخاص الذين يتكلمون بتكبر من أنوفهم. والمشكلة أنه نشأ في المدارس الداخلية بعيداً من عائلته".

بعد طلاق ديانا وتشارلز، اعتبر الفايد نفسه حافظ أسرار الأميرة وحاميها. وقد التقيا للمرة الأولى سنة 1986 حينما حضرا مباراة بولو برعاية (متاجر) "هارودز". ووجدت ديانا أن طرافته العابثة وغرابة أطواره تشكل أبعاداً منعشة في شخصيته، مقارنة بالأجواء الرسمية والمنفصلة عن الواقع السائدة في أوساط البلاط. وذات مرة، أشارت ديانا إلى ذلك، "أعرف أنه لعوب، لكن هذا كل شيء". ووصل الأمر إلى حد أن أتاح الفايد لديانا وولديها التسوق أثناء أوقات متأخرة في متاجر "هارودز".

ووفق كلماته، "أسديت لها نصائح بخصوص الأشخاص الذين يقاربونها ويستغلونها من أجل مصالحهم. إنهم أشخاص يسعون إلى كسب المال، ويحاولون مقابلتها. وأخبرتها أن ذلك أمر سيئ. وقد ندمت على المقابلة التي أجرتها مع مارتن بشير، بالتأكيد. لم تكن [المقابلة] جيدة لصورتها". وبدل الاهتمام بمقابلات كتلك، شجعها الفايد على التركيز على الجمعيات الخيرية.

مع حلول صيف 1997، انهمكت في كتابة النص الذي حمل عنوان "نار بالنار" Fire with Fire، وركزت فيه على معارك الفايد المهنية، بداية من نشأته الفقيرة في الإسكندرية، وصولاً إلى صفقاته التجارية الأولى مع الخاشقجي، وانتحاله صفة "شيخ" (خليجي) في هايتي، وحربه التجارية الأسطورية الضارية مع تايني رولاند على ملكية متاجر "هارولدز"، ودفعاته المالية السرية لنواب من حزب المحافظين.

وفجأةً، جرى قطع صلتي بعالم الفايد الخاص، ولم أتمكن من معرفة السبب، ثم في 18 يوليو (تموز) 1997، كشفت لي الصحف عن ذلك السر. لقد قبلت الأميرة ديانا دعوة رجل الأعمال لقضاء إجازة عائلية في مدينة "سان تروبيز". وأمر والد دودي ابنه أن يسافر إلى الريفييرا ويلتحق بالأميرة وولديها. وفيما بعد، حين سألت الفايد عن تخطيطه لأن تكون تلك الإجازة عاملاً محفزاً لعلاقة عاطفية (بين دودي وديانا)، سمعت منه جواباً مخادعاً، إذ أجابني بأن "دودي شاب راشد. لم أتدخل في حياته. إن أحبته ديانا ووقعا في الغرام، فتلك هي الحياة. قلت لابني، اذهب واستمتع بوقتك. كانت ديانا وحيدة وتعاني. واحتاجت إلى الدعم والأمان والإرشاد لأن هناك كثيراً من الذئاب والمنافقين يحيطون بها. ونزلت في بيتي المخصص للضيافة مع ولديها، وكانت قريبة على نحو خاص من الأمير وليام".

وأخبرني عن أحد فصول علاقتهما الذي أغضبه كثيراً. ففي إحدى الأمسيات تناول العشيقان العشاء في شقته ببارك لاين، فيما دعت ديانا عرافة إلى العشاء المذكور. وبحسب وصفه، "أنا ضد هذا النمط من الناس. لا أعرف لماذا احتاجت [ديانا] إلى الحديث مع قارئي الطالع. إنهم قد يؤثرون فيك عبر إخبارك ما قد يحصل لك. ويعلق ذلك في ذهنك، ثم تغدو في حالة هلع طوال الوقت ولا تعرف ماذا تفعل. لماذا لم تخبر تلك العرافة ديانا بأنها ستتعرض لجريمة أو ستقتل؟ صرخت بدودي مؤنباً فيما بعد، فقال إن ديانا هي التي أرادت أن ترى العرافة لذا أبقاها معهم".

التقيت دودي يوم الأحد 17 أغسطس (آب) 1997، أي قبل أسبوعين من الحادثة المهلكة. آنذاك، قضت الأميرة ديانا إجازة باليونان برفقة صديقتها روزا مونكتون، وسافرت بضيافة طائرة الفايد الخاصة من طراز "غالفستريم". كنت أجري مقابلة مع والده في خيمته، ثم دخل دودي. وجدته خجولاً ومهذباً، لكنه يفتقر إلى الفضول وروح الدعابة. وأفاد انطباعي عن سلوكه بأنه إن لم تكن من الأغنياء أو النجوم فلن يهتم [بك أو بحضورك]. وسأله الفايد (الأب) إن كان قد حادثـ"ها"، فأجاب، "لم أفعل ذلك بعد". وغادر.

تستند آرائي في شأن حقيقة علاقة دودي بديانا إلى ما شاهدته وتبلغته في ذلك الوقت. نعم، خبر العشيقان صيفاً غرامياً. واشترى دودي خاتم خطبة من ألماس وخطط للتقدم بطلب يد ديانا، وفق ما أخبرني الفايد. وكانا سيتزوجان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وينتقلان للعيش في دار "ديوك أوف وندسور" قرب باريس.

 

جاءت خسارة دودي مؤلمة جداً، كأنما قطعت إحدى ساقيّ. وعانت ديانا كثيراً في حياتها، خصوصاً في زواجها، لكنني أعتقد أنها ماتت وهي في غاية السعادة

في المقابل، حينما ضغطت عليه بسؤال عن تقدم دودي فعلياً بطلب يد ديانا، أخبرني "أنهما كانا في غاية القرب من بعضهما بعضاً، وكانا سيعيشان معاً". وبالطبع، لا أحد منا يعرف إن كانت ديانا ستقبل به زوجاً، فالأمر مستبعد لكنه ليس مستحيلاً. أما بالنسبة إلى الإشاعة الكبيرة الأخرى التي انتشرت آنذاك، فلا، لا أصدق أنها كانت حاملاً.

مثل معظم الناس سمعت الأخبار الصادمة وبالغة الحزن عن موت ديانا ودودي في الصباح الباكر من يوم الأحد 31 أغسطس (آب)1997. في الساعة 12:45 بعد الظهر، تلقى الفايد اتصالاً من أحد مساعديه وسافر في الحال بواسطة طائرة هليكوبتر من عزبته في "سوراي" إلى فرنسا. بدا مصدوماً، لكنه كان هادئاً على نحو مفاجئ. وفيما بعد، أخبرني أنه "حينما تواجه بهكذا مصيبة، ماذا يمكنك أن تفعل؟ تحاول استيعاب الوضع، لكن الأمر يبقى مشيئة الله. ليس عليك سوى الوقوف باستقامة، وأن تؤمن بالله. جاءت خسارة دودي مؤلمة جداً، كأنما قطعت إحدى ساقيّ. وعانت ديانا كثيراً في حياتها، خصوصاً في زواجها، لكنني أعتقد أنها ماتت وهي في غاية السعادة. أؤمن بأننا سنذهب إلى حياة أخرى وعالم مختلف، وسيعيش المرء وفق ما عمله في حياته".

في الأيام التي سبقت الجنازة، تلقى الفايد رسائل تعزية من الملكة، والأمير إدوارد، والأمير مايكل (أمير كنت) ودوقة غلوسيستر، لكنه لم يتلق شيئاً من الأمير تشارلز والأميرين أندرو وفيليب. وأخبرني، "لقد أظهر ذلك خبثهم. إنهم الأشخاص الفاسدون مقدمو المشورة للتاج والآتون من كوكب آخر، حيث يعيشون في القرن الـ18. من بعث لي بآلاف الرسائل هو الشعب البريطاني. لقد قدروا دودي الذي منح ديانا السعادة التي بحثت عنها. أبناء الشعب العاديون هم المهمون. وقد منحوني العزاء إبان محنتي".

لم أقتنع بذاك الانحياز العاطفي للجماهير الذي عبر عنه الفايد. ولقد صور الأميرة ديانا على أنها معادية للمؤسسة [السياسية الرسمية]، من ثم كروح طيبة. ونقل لي أنها "لم تكن في يوم من الأيام واحدة منهم، بل كانت منا". لكن، على رغم من علاقة ديانا العاطفية بالناس العاديين، وتلك علاقة لا يمكن إغفالها، فإنها كانت من وسط أرستقراطي صافٍ. ويتجسد أكثر ما يحضر في ذاكرتي من الساعات التي قضيتها مع الفايد بسخطه المستعر تجاه الرفض الذي تلقاه من المؤسسة الرسمية البريطانية، إذ بذلك قصارى جهده للحصول على اعتراف من الطبقة السياسية الحاكمة.

وفي تلك الآونة، قدمت مخطوطتي ككاتب سيرة الفايد، لكنها لم تلق استقبالاً جيداً، إذ توقع مستشاروه مذكرات تسرد محطات تجربته المهنية وتصوره على أنه مستثمر حاذق من دون ذكر سلسلة الوقائع المثيرة للجدل المتمثلة بعلاقته مع النخبة السياسية والملكية والتجارية البريطانية. وقد رفض ذلك الكتاب ولم ينشر أبداً.

مثل أهل كثيرين ممن توفي أبناؤهم في أعمار شابة جراء حوادث مأسوية [كان دودي في عمر الـ42]، لجأ الفايد إلى نظريات مؤامرة واهمة ترى أن ابنه والأميرة ديانا تعرضا لجريمة قتل. رأيت الفايد للمرة الأخيرة يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1997، لم يستطع أن يقرر إن كان جهاز الـ"أم آي 6" أو الـ"أم آي 5" [جهاز الأمن الداخلي البريطاني] أو بعض الأفراد البارزين في الأسرة الملكية أو غيرهم من الأرستقراطيين المقربين من ديانا، أو مزيجاً من جميع هؤلاء، هم من نسقوا ما أصر على اعتباره "اغتيالاً" برعاية الدولة.

خلال أحاديثي معه، مال الفايد على الدوام إلى تبني نظريات المؤامرة، التي تشكلت في العادة من قصص خيالية عن سياسيين يتآمرون عليه. لم يستطع الرجل الاعتراف بالحقيقة المرة المتمثلة بإصداره قرار مغادرة دودي وديانا فندق "ريتز" بتلك الليلة، مع سائق قيل إنه كان مخموراً ويقود السيارة بسرعة بغية تلافي مطاردة الـ"باباراتزي" [المصورون الصحافيين الذين يهتمون بالحصول على صور المشاهير بغض النظر عن حالة الأخيرين أو حتى موافقتهم]. إن القبول بحقيقة كهذه غير مستساغة بالنسبة إلى الفايد، كان سيعني اعترافاً بمسؤوليته الشخصية تجاه ما حصل. وتلك الحقيقة كانت شديدة الإيلام.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات