في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة ليضرب موعداً تنافسياً جديداً ومترقباً مع الرئيس جو بايدن.
وفيما يعاني السيد بايدن من الحرب المندلعة في الشرق الأوسط، فإن ترمب هو الأخير يدير حملته الانتخابية وفي طريقه نحو البيت الأبيض أشواك من الدعاوى القضائية.
إضافة إلى ذلك، يكشر التاريخ أنيابه في وجه ترمب الطامح لإعادة إثبات نفسه، إذ إن رئيساً واحداً فقط خسر انتخابات الولاية الثانية واستطاع العودة إلى البيت الأبيض.
تاريخ الانتخابات
نزال ترمب – بايدن هو السادس من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة، والأول منذ الخمسينيات الميلادية. ووفق الوثائق، لم ينجح سوى الرئيس غروفر كليفلاند في العودة إلى الحياة السياسية، ليخدم لفترتين غير متتاليتين من 1885 إلى 1889، ومن 1893 إلى 1897.
وتشمل قائمة الرؤساء الذين أطلقوا حملة للعودة إلى البيت الأبيض وفشلوا مارتن فان بورين في عامي 1844 و1848، وميلارد فيلمور في عام 1856، ويوليسيس غرانت في عام 1880، وتيدي روزفلت عام 1912 عندما ترشح ممثلاً للحزب التقدمي بعد خسارته ترشيح الحزب الجمهوري.
وعلى الرغم من سابقة الديمقراطي كليفلاند الباعثة للأمل في أوساط مناصري ترمب، فإن الملياردير الجمهوري يواجه وضعاً سياسياً وقانونياً لا يحسد عليه مقارنة بما واجه كليفلاند، الذي لم يكفه التصويت الشعبي في التفوق على المرشح الجمهوري بنجامين هاريسون، وسط مزاعم في شأن التلاعب بالانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق المتحدث الرسمي باسم مكتبة غروفر كليفلاند الرئاسية في نيوجيرسي لويس بيكوني، نقلاً عن مجلة "التايم" فإن كليفلاند لم يكن يخطط للترشح بمجرد مغادرته المنصب، حيث كان يستمتع بالصيد في منزله في ماساتشوستس وقضاء الوقت مع أسرته.
لكن مثل ترمب، قرر كليفلاند الترشح بعد الانتخابات النصفية لعام 1980، عندما لاحظ إخفاق منافسه، وبدأ أنصاره في تشجيعه على الترشح. وفيما اعتبرت الانتخابات النصفية ذلك العام فرصة لإظهار الامتعاض والرفض لرئاسة هاريسون، فإن بيكوني يرى أن الانتخابات النصفية العام الماضي مثلت النقيض من ذلك، إذ نظر إليها باعتبارها رفضاً للمرشحين الجمهوريين المدعومين من ترمب.
لكن أوجه الشبه بين هاريسون وبايدن لافتة، فالأول أطلق على الكونغرس في عهده "كونغرس المليار دولار"، لأنها كانت المرة الأولى يبلغ فيها التمويل الفيدرالي مليار دولار، أما بايدن فيواجه امتعاضاً من الجمهوريين بسبب سياسته المالية وتضخم الإنفاق الحكومي.
في المقابل، كان كليفلاند يتبنى سياسة مالية محافظة، ويدعو لخفض التعريفات الجمركية والإنفاق العام، ولذلك لم تكن حملة العودة صعبة وفق المؤرخين، خصوصاً بعد رد الفعل العنيف على سياسات التعريفات الجمركية المرتفعة لهاريسون وموجة الاضطرابات العمالية في مناجم الفضة في صيف عام 1892، مما أفقد الرئيس الجمهوري السيطرة على السياسة الاقتصادية، ومن ثم خسارته الانتخابات.
ترشيح الحزب
على الرغم من تجاهله المشاركة في المناظرات الجمهورية، فإن ترمب يظل المرشح الأوفر حظاً بالفوز ببطاقة الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية، نظراً إلى قاعدته الشعبية وتقدمه في استطلاعات الرأي. في المقابل، من المستبعد أن يواجه بايدن أي تحد في الانتخابات التمهيدية لحزبه.
وتجري معظم الولايات انتخاباتها التمهيدية عبر الاقتراع السري، ولدى الولايات قواعد مختلفة في شأن من يمكنه التصويت، وغالباً ما تكون الأحقية لأعضاء الحزب الجمهوري فقط، واستناداً إلى عدد الأصوات التي فازوا بها، يحصل المرشحون على عدد معين من المندوبين الذين يمثلونهم في المؤتمر العام. ويبدأ التصويت في التجمع الانتخابي في ولاية أيوا مطلع العام المقبل. وبعد ولاية أيوا، هناك الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير، ثم تجرى الانتخابات في الولايات الـ48 المتبقية إضافة إلى الأراضي التابعة للولايات المتحدة. وتقيم كثير من الولايات الانتخابات في الثالث من مارس، ويمكن حينها حسم الفائز، على الرغم من استمرار التصويت حتى يونيو 2024.
الدعاوى القضائية
تظهر استطلاعات الرأي أن ترمب هو المرشح الأكثر شعبية للجمهوريين، على الرغم من تجاهله لمناظرات الحزب، كما أظهر استطلاع لشبكة "سي أن أن" الشهر الماضي تقدم الرئيس السابق على بايدن. ومع ذلك فإن ترمب يواجه سيلاً من الدعاوى القضائية التنافس التي إن لم تعقه عن الترشح فإنها سوف تؤثر سلباً في نشاط حملته الانتخابية.
ويتهم الرئيس السابق بحفظ وثائق سرية بشكل غير قانوني، والتستر على دفع مبالغ مالية لـ"نجمة إباحية"، ومحاولة قلب نتائج الانتخابات، وهي التهم التي يرفضها ويعتبرها مسيسة. وواجه ترمب للآن أربع لوائح اتهام، وتنتظره سلسلة من المحاكمات في العام المقبل بالتزامن مع الانتخابات، الأمر الذي دفع أنصاره إلى اعتبار التهم مسيسة، ومدفوعة من قوى تابعة لـ"الدولة العميقة"، على حد تعبيرهم.
ويواجه ترمب تهمة قلب نتيجة انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، حيث سلم نفسه في سجن مقاطعة فولتون والتقطت له صورة جنائية تعتبر الأولى لرئيس أميركي سابق، قبل إخلاء سبيله بكفالة مالية... وبدأ التحقيق بعد مكالمة هاتفية مسربة طلب فيها الرئيس السابق من كبير مسؤولي الانتخابات في جورجيا "العثور على 1178 صوتاً". ووجهت إلى ترمب 13 تهمة جنائية، تشمل حث موظف عام على انتهاك القسم، والتآمر لارتكاب انتحال صفة موظف عام، والتآمر للتزوير، والتآمر للإدلاء ببيانات كاذبة، والكتابة والتآمر لتقديم مستندات مزورة.
وبحسب "بي بي سي"، فإن عقوبة تهمة الابتزاز المالي هي السجن لمدة أقصاها 20 عاماً، لكن لإيقاعها على ترمب، يحتاج المدعي العام في جورجيا فاني ويليس إلى إثبات ضلوع الرئيس السابق وحلفائه في نمط من الفساد يهدف إلى إلغاء نتيجة الانتخابات. أما الإدلاء ببيانات كاذبة، فيعاقب عليه بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات أو الغرامة. والشخص المدان بتهمة التحريض الجنائي من الدرجة الأولى لتزوير الانتخابات سيواجه عقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.
كما يواجه ترمب 40 تهمة جنائية بسبب احتفاظه بوثائق سرية في منزله بعد مغادرة البيت الأبيض، وهو ما يخرق قانون التجسس. وصودرت العام الماضي آلاف الوثائق في حملة مداهمة أجراها مكتب التحقيق الفيدرالي في قصره في فلوريدا. ومن التهم بهذه القضية عرقلة محاولات مكتب التحقيقات الفيدرالي لاستعادة الوثائق، والتآمر لإخفاء وثائق أو سجلات والإدلاء ببيانات كاذبة.
وقد تودي هذه الاتهامات بترمب إذا دين بها إلى السجن، فإن عقوبة السجن التقليدية قد تستبعد بسبب منصبه السابق. أما عن قدرته على الترشح للانتخابات في حال إدانته، فيقول بعض أساتذة القانون، إن ترمب لديه فرصة للعودة إلى البيت الأبيض في حال فوزه بالانتخابات المقبلة، نظراً إلى أنه لا يوجد في الدستور ما يمنع أي متهم أو مدان أو أي شخص يقضي عقوبة السجن من الترشح والفوز بالرئاسة، في حين يجادل آخرون بأن التعديل الـ14 وسيلة لمنع ترمب من العودة لمنصبه. ويفهم "شرط عدم الأهلية" بأنه يمنع أي شخص من تولي منصب عام إذا شارك في تمرد أو دين بالخيانة.