في ظل التضخم المرتفع واستقرار أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها في أكثر من 22 عاماً، كشف تقرير حديث عن أن ثروات الأسر الأميركية انخفضت خلال الربع الثالث من العام الحالي بأكبر وتيرة خلال عام، بسبب انخفاض قيمة حيازاتها من الأسهم.
ووفق التقرير الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، تراجعت ثروة الأسر الأميركية بنسبة 0.9 في المئة بما يعادل نحو 1.3 تريليون دولار خلال الربع الثالث من العام الحالي، إلى ما يقرب من 151 تريليون دولار، مع انخفاض قيمة حيازات الأسهم بنحو 1.7 تريليون دولار، ومع ارتفاع قيمة العقارات التي تملكها الأسر الأميركية بصورة طفيفة لتسجل أعلى مستوياتها على الإطلاق.
يأتي ذلك مدعوماً بانخفاض مؤشر "إس أند بي 500" في الربع الثالث وسط مخاوف تتعلق بالرؤية الاقتصادية في ظل ارتفاع الفائدة، في حين ظلت أسعار العقارات مرتفعة، كما أظهر التقرير أن المستهلكين والشركات قلصوا اقتراضهم في الربع الثالث في ظل معدلات الفائدة المرتفعة.
تراجع عوائد السندات
في تعليقه على ذلك كشف متخصص استراتيجيات الأسواق لدى "بنك أوف أميركا" مايكل هارتنت، عن أن "سوق الأسهم ستواجه صعوبات خلال الربع الأول من عام 2024 مع استمرار تراجع عوائد الديون السيادية، وأن معنويات المستثمرين في الوقت الراهن لا تدعم مكاسب الأصول ذات الأخطار".
وأشار في مذكرة بحثية حديثة للبنك، أن تراجع عوائد السندات السيادية كان أحد المحفزات الرئيسة لصعود الأسهم على مدار الربع الحالي من العام، لكن حدوث مزيد من الانخفاض في العوائد تجاه مستوى ثلاثة في المئة سيعني هبوطاً اقتصادياً حاداً.
وأضاف أن "هذا من شأنه تحويل العلاقة العكسية بين عوائد السندات والأسهم إلى طردية، بحيث يؤدي انخفاض عوائد الديون إلى مزيد من الانخفاض في سوق الأسهم"، مشيراً إلى أن "مؤشرات المعنويات أيضاً لم تعد تدعم مكاسب الأصول ذات الأخطار".
ويركز المستثمرون في الوقت الراهن على استشراف مزيد من المعلومات حول توقيت بدء "الفيدرالي" في خفض الفائدة. في غضون ذلك كشفت وزارة العمل الأميركية، عن ارتفاع الوظائف بوتيرة أسرع من المتوقع خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع انخفاض البطالة على رغم علامات ضعف الاقتصاد.
وارتفعت الوظائف الأميركية غير الزراعية إلى 199 ألف فرصة خلال الشهر الماضي، مما يعد أعلى طفيفاً من تقديرات "داو جونز" البالغة نحو 190 ألف وظيفة، وأعلى من بيانات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي غير المعدلة عند 150 ألف وظيفة.
إلى ذلك تراجعت معدلات البطالة إلى 3.7 في المئة، في مقابل التوقعات بتسجيلها مستوى 3.9 في المئة، مع ارتفاع نسبة الإسهام في القوى العاملة إلى 62.8 في المئة.
وأظهر المسح الذي أجرته وزارة العمل للأسر، نمواً أقوى للوظائف قدره 747 ألف وظيفة وإضافة نحو 532 ألف عامل للقوى العاملة، كما ارتفع متوسط العمل في الساعة، وهو مؤشر رئيس للتضخم، بنسبة 0.4 في المئة خلال الشهر وأربعة في المئة على أساس سنوي.
ويعد الارتفاع الشهري أعلى طفيفاً من التقديرات البالغة 0.3 في المئة، في حين جاء المعدل السنوي متماشياً مع التوقعات.
موقف صعب
في السياق ذاته يعتقد كبير الاقتصاديين الأميركيين لدى "أكسفورد إيكونوميكس" مايكل بيرس، أن مكاسب الأسهم الأميركية خلال شهر الشهر الماضي قد تضع مسؤولي "الفيدرالي" في موقف صعب قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة خلال الشهر الجاري، موضحاً أن "انخفاض العائدات وارتفاع أسعار الأسهم يخفف بصورة كاملة من تشديد الظروف التي شهدناها منذ اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في سبتمبر (أيلول) الماضي".
ورجح أن يتراجع "الفيدرالي" الأسبوع المقبل عن فكرة إمكان إدراج تخفيضات أسعار الفائدة على جدول الأعمال في أي وقت قريب، ولكنه حذر من أن يخطئ البنك المركزي في ترك أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة جداً، كما توقع أن يكون الخفيض الأول لسعر الفائدة في سبتمبر 2024، خلافاً لتوقعات السوق التي ترجح بنسبة 52.8 في المئة أن يقدم الفيدرالي على تيسير السياسة النقدية بداية من مارس (آذار) المقبل.
وأنهت مؤشرات الأسهم الأميركية خلال تعاملات نوفمبر الماضي، سلسلة خسائر استمرت ثلاثة أشهر، إذ ارتفع مؤشرا "إس أند بي 500" بنسبة 8.9 في المئة، وصعد مؤشر "ناسداك" بنسبة 10.7 في المئة، ليسجلا أفضل أداء شهري لهما منذ يوليو (تموز) 2022، وأيضاً صعد مؤشر "داو جونز" بنسبة 8.75 في المئة مسجلاً أفضل شهر له منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مذكرة بحثية ذكر استراتيجيو "بلاك روك" أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يتخارج بقوة من "الحفرة العميقة" التي خلفها الوباء، وهو ما يعني أن المستثمرين ينتظرهم فترة طويلة من التقلبات.
وحذروا من أن النمو الأميركي القوي على ما يبدو يعكس في الواقع اقتصاداً لا يزال يحاول الخروج من الحفرة العميقة التي أحدثتها صدمة الوباء، ويتبع مسار نمو ضعيف.
وأوضحت "بلاك روك" أن الاقتصاد الأكبر في العالم تعرض لصدمتين خلال الوباء، الأولى كانت بمثابة ضربة لسوق العمل إذ أدت عمليات الإغلاق التي سببها الوباء إلى إخراج عدد من الأميركيين من سوق العمل، وهو ما يعني أن كثيراً من نمو الوظائف المسجل في العامين الماضيين كان في الواقع نتيجة لاسترداد الاقتصاد لتلك الخسائر.
أما الصدمة الثانية فتتمثل في الارتفاع السريع في التضخم، إذ شهد الاقتصاد عدم توافق بين ما يريده المشترون وما يستطيع الموردون إنتاجه، وعلى رغم تباطؤ التضخم إلا أنه لا يزال أعلى كثيراً من مستهدف "الفيدرالي" البالغ اثنين في المئة.
وقالت إن الولايات المتحدة لا تزال تتعامل اليوم مع تداعيات تلك التحولات الهيكلية حتى لو بدا الناتج المحلي الإجمالي مرناً.
وحذرت "هذا نظام يتسم بتباطؤ النمو وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة ومزيد من التقلبات".
رفع الفائدة
وفي تقرير حديث، توقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، رفع "الفيدرالي" أسعار الفائدة في يناير (كانون الثاني) 2024، في ظل النمو الأقوى من المتوقع، على أن يثبت البنك سياسته النقدية حتى يوليو المقبل، ثم يخفض كلف الاقتراض بمقدار 100 نقطة أساس إلى 4.75 في المئة (الحد الأعلى) في نهاية العام.
وأشارت الوكالة إلى أنه من المتوقع حالياً نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.1 في المئة خلال عام 2024، وهي مراجعة صعودية بنحو 0.2 نقطة من مستوى 1.9 في المئة المتوقعة في سبتمبر الماضي، مع تجنب اقتصاد الولايات المتحدة للركود، ليبلغ معدل نمو الاقتصاد الأميركي نحو 1.2 في المئة بزيادة بنحو 0.9 نقطة عن تقرير سبتمبر الماضي.
وذكرت أن المراجعة الصعودية تعكس مرونة الاقتصاد الأميركي مع استعداد المستهلكين لمواصلة الاعتماد على المدخرات الزائدة ومالية القطاع الخاص القوية، على رغم توقع تباطؤ النمو خلال العام المقبل مع ضعف الائتمان والاستثمار وارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية.
وأوضحت فيتش أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين إلى 4.6 في المئة خلال عام 2024، مع مراجعة هبوطية لمعدل نمو اقتصاد منطقة اليورو المتوقع بمقدار 0.4 نقطة عند 0.7 في المئة.
وبالنسبة إلى عام 2023، رفعت الوكالة توقعات نمو الاقتصاد العالمي بمقدار 0.4 نقطة إلى 2.9 في المئة، مع تعديل صعودي لمعدل نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.4 نقطة إلى 2.4 في المئة، والصين بمقدار 0.5 نقطة إلى 5.3 في المئة.