ملخص
الغرض الرئيسي من التطهير العرقي هو إنشاء مجتمع عرقي صاف
الإبادة الجماعية والتطهير العرقي شكلان من أشكال العنف السياسي المادي، وما زال سبب حدوث هذين النوعين، من الجرائم ضد الإنسانية وبلوغها ذروتها في النصف الأول من القرن العشرين وعودتها في بعض دول العالم منذ بداية القرن الواحد والعشرين، محل جدل، بحسب موسوعة "كامبريدج".
وعلى النقيض من التاريخ المتراكم لأفكار العنصرية والقومية العرقية التي غالباً ما يتم اعتبارها تفسيراً لأسباب الإبادة الجماعية، فإن المنطق النقي والمجرد للأيديولوجية الإقصائية نادراً ما يكون كافياً لدفع حتى المتطرفين إلى ارتكاب التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية، بل يجب تأمين غطاء مادي وعسكري وسياسي لها كي تتمكن من ارتكاب جريمتها، وأحياناً الإفلات من العقاب.
الفرق بين الإبادة والتطهير
تطلق عبارة "التطهير العرقي" على كل محاولة لإنشاء مناطق جغرافية متجانسة عرقياً من خلال الترحيل أو التهجير القسري للأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعات عرقية معينة، وفي أحيان كثيرة إزالة كافة الآثار المادية للجماعات المستهدفة من خلال تدمير الآثار والمقابر ودور العبادة، بحسب تعريف الأمم المتحدة.
ويختلف تعريف الإبادة الجماعية عن التطهير العرقي. وفي تعريف "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948"، فإن الإبادة الجماعية هي "القيام بأي من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية..."، والأفعال هي، قتل أعضاء من الجماعة المقصودة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. أو إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. أو فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، أو نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى".
وتؤكد الاتفاقية أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، هي جريمة ضد الإنسانية بمقتضى القانون الدولي، وتعاقب المحاكم الدولية مرتكبيها.
في رأي بعض القانونيين الدوليين أنه على رغم الفارق البسيط للتمييز بينهما، إلا أنه يمكن التمييز بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية من خلال نية مرتكب الجريمة، ففي حين أن الهدف الأساس للإبادة الجماعية هو تدمير مجموعة عرقية أو عنصرية أو دينية، فإن الغرض الرئيسي من التطهير العرقي هو إنشاء مجتمع عرقي صاف. ففي الإبادة قد لا تكون نية مرتكب الجريمة إقامة مجتمع عرقي صاف بل مجرد إبادة جماعة معينة من دون الأخرى.
محاولة لفهم أسباب الإبادة والتطهير
تتمحور كل النزاعات التي تنطوي على الإبادة الجماعية حول الهوية. فعادة ما تحدث الإبادة الجماعية والفظائع المرتبطة بها في المجتمعات التي تضم جماعات قومية أو عنصرية أو عرقية أو دينية مختلفة تشتبك في نزاعات تتصل بالهوية، والآثار المترتبة عليها نتيجة السباق للوصول إلى السلطة والثروة والخدمات والموارد وفرص العمل وفرص التنمية والمواطنة والتمتع بالحقوق والحريات الأساسية.
وهذه النزاعات يغذيها مخالفة قواعد حقوق الإنسان واتفاقياتها وعلى رأسها، التمييز بين مواطن وآخر على أساس معتقداته أو لونه أو دينه أو عرقه، وانتشارخطاب الكراهية الذي يحرض على العنف. فيدخل في حالات استخدام العنف خلال الإبادة الجماعية جرائم أخرى، منها جرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التحريض عليها.
على سبيل المثال في تسعينيات القرن العشرين استخدم مصطلح التطهير العرقي بشكل كبير في يوغسلافيا السابقة لوصف المعاملة الوحشية لمختلف المجموعات المدنية في الصراعات التي اندلعت بعد تفكك الدولة.
وشملت هذه المجموعات البوشناق (المسلمين البوسنيين) في البوسنة والهرسك، والصرب في منطقة كرايينا في كرواتيا، والألبان العرقيين والصرب لاحقاً في مقاطعة كوسوفو الصربية. وقد ارتبط هذا المصطلح أيضاً في جرائم الميليشيات الإندونيسية تجاه سكان منطقة تيمور الشرقية، وكذلك تجاه بعض الشيشانيين الذين تم تطهيرهم في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد الانفصاليين الشيشان خلال التسعينيات.
ومن الأمثلة التاريخية على التطهير العرقي، عمليات الإعدام الجماعي للدنماركيين على يد الإنجليز عام 1002، ومحاولات التشيك لتخليص أراضيهم من الألمان في العصور الوسطى، وطرد اليهود من إسبانيا في القرن الخامس عشر، والتهجير القسري للأميركيين الأصليين بواسطة المستوطنين البيض في أميركا الشمالية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
في القرن العشرين أدى صعود الدول القومية القوية التي تغذيها الأيديولوجيات العنصرية القومية بالتزامن مع انتشار التكنولوجيا والاتصالات المتقدمة إلى ارتكاب الكثير من المجازر التي تم تصنيف بعضها في إطار "الإبادة الجماعية" وبعضها الآخر في إطار "التطهير العرقي"، ومنها المجازر الأرمنية التي ارتكبها الأتراك في 1915-1916، والمحرقة النازية لليهود الأوروبيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وطرد الألمان من الأراضي البولندية وتشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الثانية، وانتهاكات الاتحاد السوفياتي.
وترحيل بعض الأقليات العرقية من القوقاز وشبه جزيرة القرم خلال الأربعينيات، والهجرة القسرية والقتل الجماعي في يوغوسلافيا السابقة ورواندا في التسعينيات. في العديد من هذه الحملات، تم استهداف النساء بمعاملة وحشية بشكل خاص كونهن منجبات الجيل الجديد.
أما في القرن الحالي فيجري حالياً في قطاع غزة ما يمكن اعتباره جريمة إبادة جماعية بحسب تصريحات مسؤولين في الأمم المتحدة، إذ صرح كثير منهم بأن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في أعقاب أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لا سيما في غزة، تشير إلى حدوث إبادة جماعية.
وقد عبروا عن قلق بالغ إزاء فشل الحكومات في الاستجابة لدعواتهم من أجل تحقيق وقف فوري لإطلاق النار، وبسبب الدعم الواضح من بعض الحكومات الرئيسية في العالم للحرب الإسرائيلية ضد السكان المحاصرين في غزة، وفشل النظام الدولي في التعبئة لمنع الإبادة الجماعية.