Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تستحدث "طحينا جديدا" فهل ينهي طوابير الخبز؟

غني بالألياف والفيتامينات ولا يمس بالقدرة الشرائية للمواطن ولا يصلح لصناعة الحلويات

بين التونسي والخبز علاقة قديمة تختزلها الانتفاضات الاجتماعية (اندبندنت عربية)

ملخص

تهريب الدقيق واستخدامه في الحلويات دعا الجهات التونسية إلى تغيير مكونات الخبز فهل تنجح التجربة في حل الأزمة؟

للتونسي مع الخبز قصة طويلة ذات أبعاد رمزية، نضالية وتاريخية، كما يعكس الخبز واقع التونسيين اليومي، ويختزل المثل الشعبي "يجري على الخبزة" كل من يكابد من أجل لقمة العيش.

ويتجاوز الخبز في المدونة المجتمعية التونسية كونه مجرد عجين من السميد والماء إلى بعد رمزي للثورات والانتفاضات الاجتماعية التي عاشتها البلاد، بدءاً بأحداث الخبز في ثمانينيات القرن الماضي، عندما قررت الحكومة وقتها، مضاعفة سعره تمهيداً لرفع الدعم، وصولاً إلى انتفاضة 2011، التي أطاحت نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

اليوم لا تزال علاقة التونسي بالخبز وثيقة، فهو يمثل الغذاء الأساس الذي لا يغيب عن مائدة التونسيين، حيث تشير الإحصاءات الصادرة عن المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية إلى أن معدل استهلاك الفرد الواحد للخبز سنوياً يبلغ 70 كيلوغراماً، وترتفع نسبة استهلاك الخبز خلال شهر رمضان بـ34 في المئة.

صفوف طويلة طلباً للخبز

تشهد تونس خلال الفترة الحالية اضطراباً في التزود بالخبز والفارينة (نوع طحين الدقيق) والسميد، حتى إن مشاهد الصفوف الطويلة أمام المخابز ومحال بيع المواد الغذائية أصبحت ظاهرة يومية لافتة.

يقول بلقاسم بن عمر، متقاعد، يقطن في محافظة بن عروس، في تونس الكبرى، إنه "يقضي يومياً أكثر من ساعة في مناسبتين من أجل التزود بالخبز من المخبزة المدعمة صباحاً، ويعود في المساء لشراء خبز غير مدعم بسعر أعلى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن خلال ملامح وجهه، عبر بلقاسم عن امتعاضه من هذا الوضع الذي تردى فيه التونسي فأصبح "يقف في صفوف طويلة من أجل الخبز والحليب والسكر وهي مواد باتت نادرة ويتهافت التونسيون من أجل الحصول عليها"، داعياً إلى "توفير هذه المواد التي يراها أساسية أمام غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية للتونسيين".

حال بلقاسم لا يختلف عن بقية التونسيين الذين ضاقوا ذرعاً بنقص المواد الأساسية وبخاصة الخبز. السيدة عائشة كانت خارجة من فضاء تجاري بالعاصمة متثاقلة الخطوات، تقول إنها تبحث منذ نحو ساعة من متجر إلى آخر عن الحليب لصغيرها، مشيرة إلى أنها تقف يومياً في طابور طويل للحصول على أربع خبزات تكفيها ليوم واحد.

وفي مقابل هذا الوضع تؤكد وزارة التجارة وتنمية الصادرات في بياناتها أن المواد الأساسية متوفرة بالقدر الذي يلبي حاجات التونسيين، مستدركة أنها بصدد "حوكمة التصرف في المواد الأساسية لتنظيم مسالك توزيعها من أجل القضاء على التهريب وضرب المتلاعبين بتلك المواد على غرار الفارينة".

خبز جديد غني بالألياف

وفي محاولة منها لضرب المحتكرين والمتلاعبين بهذه المادة المدعمة أعلنت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أنها ستوفر نوعاً جديداً من الخبز بداية من هذه السنة 2024، وأطلقت الوزارة تجربة لصنع خبز باستعمال سميد يحتوي على كمية عالية من الألياف وبالسعر نفسه، وذلك لتعزيز القيمة الغذائية للخبز وتحسين مردودية وجودة استخدام القمح اللين.

ويعتبر الخبز الجديد غنياً بالألياف والفيتامينات ولا يمس بالقدرة الشرائية للمواطن، ويندرج ذلك في إطار البرنامج الشامل الذي وضعته وزارة الفلاحة لحوكمة قطاع الحبوب وإصلاحه.

وأكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هذا "الصنف الجديد من الفارينة المدعمة سيكرس بالفعل مبدأ توجيه الدعم إلى مستحقيه، علاوة على منافعه الغذائية، لأنه يحتوي على نسبة عالية من الألياف، وهي فارينة ذات خصوصية ولا تصلح إلا لصناعة الخبز".

ويضيف الرياحي أن "هذا الصنف الجديد من "الفارينة"، "لن يستخدمه الصناعيون وأصحاب المخابز غير المدعمة في صناعة الحلويات وبيعها بأسعار مرتفعة"، واصفاً هذه الخطوة بـ"الانطلاقة الفعلية في مسار دعم المواطن، والقضاء على أزمة الخبز التي يعانيها منذ أشهر".

ويشبه هذا الخبز الجديد الذي ينتظر أن يبدأ توزيعه خلال أيام قليلة الخبز التقليدي التونسي المتكون من القمح الصلب ولا يحتوي على "الفارينة" المدعمة بل يحتوي على كميات كبيرة من الألياف والمعادن والفيتامينات وهو لا يشبه الخبز المدعم الموجود حالياً في المخابز، لأنه مصنوع من الألياف الموجودة في القمح وطريقة استخراج "الفارينة" الموجودة في القمح مختلفة عن الطريقة المعهودة.

حوكمة قطاع الحبوب

وكان وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، عبدالمنعم بلعاتي، صرح بأن الوزارة وضعت برنامجاً شاملاً من 10 إجراءات لحوكمة قطاع الحبوب، باعتباره من أهم الأولويات، ومن هذه الإجراءات تحسين مردودية استعمال القمح اللين المستورد، وتغيير تركيبة "الفارينة" المعدة لصنع الخبز، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب، المستعمل لصنع "السميد" و"الكسكسي" و"المعكرونة"، لارتفاع كلفة توريده في السوق العالمية.

وتندرج هذه التجربة في سياق تجاوز الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية على منظومة الحبوب في تونس، ويشار إلى أن دعم المواد الأساسية مثل العجين والحبوب والحليب والزيت النباتي في تونس، يعود إلى ستينيات القرن الماضي مع إحداث الصندوق العام للتعويض بمقتضى قانون المالية لعام 1967.

ويعتبر هذا الصندوق عقداً اجتماعياً بين الدولة والمواطن، حيث تتحمل الدولة أعباء ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي تستوردها من الخارج، وتعوض الفارق بين أسعار الشراء المرتفعة من مواردها الذاتية ليتمكن المستهلك من تأمين حاجاته الغذائية بأسعار تكون في مستوى قدرته الشرائية، إلا أن هذه المواد المدعمة باتت تستخدم لأغراض صناعية وتجارية وهو ما أنتج أزمة في توفرها بالأسواق الداخلية.

 وأمام تضخم حجم الدعم في الموازنة العامة للدولة، طالب صندوق النقد الدولي برفعه تدريجاً مقابل إقراض تونس ودعم موازنتها المالية، إلا أن تونس رفضت ذلك رسمياً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير