ملخص
متى يُفعل المغرب مؤسساته الدستورية المجمدة؟
لا تزال كثير من المجالس والمؤسسات المنصوص على استحداثها في الدستور المغربي المعدل منذ عام 2011 مجمدة ولم تر النور بعد إلى اليوم لأسباب وسياقات عدة، على رغم صدور القوانين الخاصة بتكوين هيئات دستورية ذات طبيعة استشارية.
وعلى رغم مرور أكثر من 12 عاماً على الاستفتاء الشعبي على دستور المغرب في الأول من يوليو (تموز) 2011، فإن مؤسسات نُص عليها في الوثيقة الدستورية لم تتكون على أرض الواقع، من بينها هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وكذلك المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
مؤسسات دستورية "مجمدة"
ونص الدستور المغربي لعام 2011 بمقتضى المادتين (19) و (164) على إحداث "هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز" والتي من ضمن مهماتها المرسومة لها السهر على احترام الحقوق والحريات ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس، والحرص على تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة.
ومن المؤسسات الدستورية التي لا تزال مجمدة من دون تفعيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة الذي صدر قانونه المحدث عام 2016، ويتولى مهمات تتبع وضعية الأسرة والطفولة وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وتتبع مدى ملاءمة التشريعات والبرامج الوطنية التي تهم الأسرة لالتزامات المغرب الدولية.
بدور يعد المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة مؤسسة منصوصاً عليها في الدستور المغربي منذ أعوام عدة، من دون أن تجد له أثراً على الأرض على رغم توافر القوانين المتعلقة بإحداثه، وهو وفق الوثيقة الدستورية يتكفل بمدى ملاءمة التشريعات والبرامج الوطنية التي تخص الأسرة لالتزامات المغرب الدولية، وتقديم الاقتراحات إلى الحكومة والبرلمان بهدف النهوض بالأسرة والطفولة.
ولم يخرج إلى الوجود أيضاً المجلس الاستشاري للشباب على رغم نص الدستور المغربي عليه في الفصل (133)، ويهتم بتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، وتيسير ولوج الشباب إلى الثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية.
ومن المؤسسات الدستورية المهمة التي لم تخرج إلى حيز الوجود بعد "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية" الذي نص عليه الفصل الخامس من الدستور، ويهتم بحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثاً أصيلاً وإبداعاً معاصراً.
ولعل أبرز مؤسسة دستورية لا تزال في حكم التجميد "المجلس الأعلى للأمن" بمنطوق الفصل الـ (45) من الوثيقة الدستورية الذي أورد أن "يُحدث مجلس أعلى للأمن بصفته هيئة للتشاور في شأن إستراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضاً على مأسسة ضوابط الحوكمة الأمنية الجيدة".
مكامن الخلل
وفي هذا الصدد يقول متخصص القانون الدستوري الحبيب زين الدين إنه على رغم مرور أعوام عدة على صدور القوانين الخاصة ببعض الهيئات الاستشارية، لا تزال هذه المجالس مشلولة وتنتظر الخروج الفعلي إلى أرض الواقع بعد توقف فكرة التأسيس عند التصويت على هذه القوانين ونشرها في الجريدة الرسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح زين الدين أن القراءة المتفحصة لعدد مواد النصوص القانونية لهذه المجالس الدستورية يقود إلى تبين السبب الرئيس لهذا الشلل، إذ إن إخراج القانون رقم (14/78) يتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة المحدث بموجب الفصلين الـ (171) من دستور يوليو عام 2011، وإخراج القانون رقم (14/79) المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز تطبيقاً للفصل الـ (19) من الدستور، وكذلك القانون رقم (15/89) المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي (170) و (171) انسجاماً مع الوثيقة الدستورية، يحمل في طياته أسباب التأخر لأنها جميعها ارتبطت ببنيتها وطريقة تأليفها من قبل أطراف عدة ومتنوعة.
وبعد أن توقع المحلل ذاته ما سيحدثه تداخل الاختصاصات والصلاحيات من تشويش على عمل هذه الهيئات الدستورية لأن هذه المجالس لم تفعّل بعد، سجل ملاحظتين جوهريتين بخصوص هذه المجالس ضارباً المثال بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
والملاحظة الأولى، وفق الأكاديمي المتخصص في القانون الدستوري، ترتبط بغياب مادة تقر بتفعيل المجالس وتشكيلها في آجال محددة، بينما ترتبط الملاحظة الثانية بالاطمئنان التام إلى تقنية التعيين بدل الانتخاب في بعض الحالات في الأقل.
وخلص زين الدين إلى أن "مكمن الخلل الأكبر يتمثل في احتمال استغلال المجلس في توزيع المناصب بين الأحزاب السياسية"، مردفاً أنه "من المتوقع أن يصبح المجلس بوصفه هيئة دستورية استشارية مجالاً للمنافسة بين الشباب المنتمي إلى الأحزاب، ومن ثم تكريس ممارسات قد تحول دون تحقيق للمجلس للأهداف والصلاحيات التي أنشئ لأجلها".
تضخم وتقاطع الأدوار
من جانبه أفاد الباحث القانوني محمد زهرو أن "دستور عام 2011 جاء في سياق خاص وبفلسفة جديدة ذات أبعاد ديمقراطية وتشاركية تسعى إلى تمكين كل هيئات المجتمع المغربي من المشاركة في صياغة الفعل العمومي عبر مؤسسات وهيئات دستورية تكرس المبادئ الكبرى للديمقراطية والحوكمة الجيدة."
وتبعاً للباحث ذاته فبعد مرور 12 عاماً على اعتماد دستور عام 2011 لا تزال بعض بنوده لم تفعل، وبخاصة في الشق المتعلق بهيئات حماية الحقوق والحوكمة والديمقراطية التشاركية، إذ لا تزال بعض هذه الهيئات تنتظر دورها في التفعيل.
وتابع زهرو أنه "على رغم صدور قوانين بعض هذه الهيئات التي تحدد تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد سيرها إلا أنها لم تستطع تجسيد الأدوار التي أحدثت من أجلها، لأسباب عدة من أهمهما أن سياق ولادة الدستور يختلف أحياناً عن سياق تفعيله، كما أن هناك نوعاً من التضخم على مستوى هذه الهيئات وتقاطع أدوارها ومجالات تدخلها".
ولفت زهرو إلى "بروز نوع من عدم التوافق حول التمثيل داخل بعض الهيئات الدستورية، من قبيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، حيث تطالب بعض الأحزاب السياسية بتمثيل شبابها داخله، إضافة إلى وجود خلاف حول مفهوم الشباب والعمر الواجب اعتماده".
وأكمل الباحث عينه أن "غالبية الهيئات الدستورية تم تفعيلها بصورة تسهم في تجسيد الأهداف الدستورية الكبرى، غير أن عدم تفعيل بعضها قد يحيل إلى ضعف الإدارة السياسية في بسط نصوص الدستور، وهذا ما قد تترتب عليه نتائج عدة تتمثل أساساً في تغييب مشاركة فئات من المجتمع في إبداء آرائها في القضايا المرتبطة ببناء السياسات العمومية الموجهة للشباب والمرأة والطفولة، كما يمكن أن يؤثر عدم تفعيل بعض الهيئات في فعالية ونجاعة عمل الهيئات الأخرى المنصوص عليها في الباب الـ (12) من الدستور".