ولدت فكرة "مسرح شغل بيت" عام 2016 بصفتها معهداً يقدم سلسلة تدريبية للاشتغال على فئة الشباب في مجال المسرح. تتمحور اشتغالاته على إنتاج المسرحيات وتقديم عروضها في بيروت وبعض العواصم العربيّة. هذه المبادرة أطلقها المخرج شادي الهبر حين استأجر منزلاً وحوّله إلى مسرح للتمرين والأداء وتبادل النصوص المسرحية. كلّ هذا في محاولة للجمع بين البيت والمسرح، وكأن الأشياء كلّها تحدث داخل منزل هو في الوقت نفسه مسرح.
من بين العروض التي أنتجها "مسرح شغل بيت" حديثاً مسرحية "قفير النحل" لكاتبها المسرحي المعروف ديمتري ملكي. تأتي كختام لسلسلة عروض تمّ تقديمها في شكل متنوّع على مدى العام المنصرم. هي واحدة من ضمن المسرحيات المحترفة بمعنى أنّ الممثلين مرّوا برحلة تمارين في "مسرح شغل بيت".
يؤكد شادي الهبر، مخرج المسرحيّة ل "اندبندنت عربيّة": "العمل موجّه لكل الأعمار، لكنّ فئة الممثلين تنتمي إلى أعمار متوسطة وصغيرة فلا يتخطى أعمارهم 27 عاماً. هذه مسرحية تطال الشباب والصبايا وتجذبهم كي يأتوا للمسرح ويتحاوروا ويلتقوا أيضاً. أردنا تقديم شباب يخرجون على خشبة المسرح للمرة الأولى ليمثّلوا، هذا هو التحدي الذي أردنا عبوره. إعطاء مجال للشباب ليُظهروا قدرات مهمة في التمثيل والإلتزام والمثابرة، وهذا فعلاً ما جرى".
الغرابة والمصارحة
تبدأ المسرحية في الوقت الذي تقرر مجموعة من الأصدقاء منذ أيام الدراسة، كانوا قد اتفقوا على أن يلتقوا مرة واحدة في السّنة وتحديدا في اليوم الأخير منها، في تحدٍّ غريب ومخيف يتفق فيه الأصدقاء الخمسة على عرض خبرياتهم وقصصهم ليكتشفوا من الأقوى بينهم، ومن الأشرس أومن أكثرهم أذية.
الموضوع الذي يطرحه العرض فيه شيء من الجدّة والغرابة، ينقل تصورات الإنسان في علاقاته وتصرفاته وكيفية رؤيته إلى الأمور التي تربّى عليها في طفولته. هذه الأمور التي سيكون لها أكبر أثر في بناء شخصيته وسلوكه في كبره. يمكن للمشاهد أن يرى كلّ قصة على حدة من دون أي ربط بينها وبين أخرى، ومن ثم ينتقل في المحصلة الأخيرة للوصول إلى خلاصة نهائية تربط بين الفصول الشخصية الخمسة المعروضة.
العلاقات المتعددة تضيء عليها "قفير النحل" من خلال تحد اتفق عليه الأصدقاء، تحدٍ يجبرهم على أن يتحدثوا عن العلاقات بطريقة مختلفة. الأشخاص الخمسة الموجودون في الصالة نفسها، يتأثرون بكل ما يجري في الخارج. الشر الموجود في غرفة الطعام هل هو نفسه المتواجد في الخارج؟ أين يكمن قفير النحل الحقيقي؟ أين ملكة النحل التي من المفترض أن تغيّر الأحداث رداً على الشخصيات الأخرى بأصواتها وتداعياتها؟
تبدو المسرحية متكاملة بغاياتها، بحيث يدخل المتفرّج إلى المسرح ويخرج مفكراً بأمور مختلفة. يمكن لهذه الرؤية أن تبث فيه انطباعات وقرارات متباينة. يحمل المتفرج معه أسئلة لن تمر مرور الكرام بل سيفكر بكثير من الأمور التي عبرت العرض. هي باختصار خطاب عن أحوال الإنسان في الزمن الرديء. ولا بد من انتقال المشاهد في ساعة من الزمن، إلى خارج الكوكب عبر القصة والكلمة.
تطرح المسرحية في شكل خافت موضوع المثلية الجنسية، على لسان واحد من الممثلين ولكن بعيداً عن فكرة تسليع الجسد، وتتجه لتسلط الضوء على فكرة التنمر في المدارس وما هي نتائجه وكيف أنه يرسم خطاً لحياة الكائن البشري. تقدّم أيضاً صورة كاملة بل توليفة كاملة عمن اجتمعوا بغية صنع مسرح يجسّد قضاياهم.
هل نستطيع أن نشبّه الممثلين بالنحل؟ وهل الشخصية الرئيسة التي تُختتم المسرحية بكلامها وصراخها، هي ملكة القفير التي تنتصر في نهاية المطاف؟ هل هي تجسّيد للخير أو النزعة الإنسانيّة أم أنّ كلامها مجرّد سرد وتوليفة مسرحية قوامها الخير والنزعة الإنسانية؟ الأبطال الخمسة كلّهم أساسيون بالإضافة إلى دنيا الحاف وكريس غفري اللتين تقدّمان مسرحية داخل مسرحية في سيناريو مختلف وأداء شبه صامت قوامه الرقص، مدموجاً بحسب رؤية الهبر الإخراجية ومعدّاً ليطرح سؤالاً على ما يحدث في الداخل وعلاقته بالخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يسيطر على المسرحية نفَس استعراضي واقعي يخدم القصة. الخادمة بلباسها وكلامها الخافت ولهجتها التي تستبطن شيئاً من الإثارة. الشخصان المتواجدان في غرفة سوداء تدور فيها أجواء التذكر، كل واحد منهم يخبر قصته بطريقة الرقص والأداء. لفتة تجسد نظرة إخراجيّة مميزة لدى الهبر في تقديم رسالة واضحة المعالم لحياة مماثلة يعيشها هؤلاء الأفراد بين 1989 و 1990.
خلاصة المسرحية جسّدتها كوليت في شكل جليّ كشخصيّة أخيرة من خلال نوبة الهستيريا التي اقترنت بحديثها وخطابها الموجه إلى ندمائها في سهرة الاعتراف. في بداية كلامها كانت تنوي تقديم أبشع قصة ووجدت نفسها لا تستلذ بما تفعله أو تحسه. من هنا بدأ التعويل على الأحاسيس ومحاولة الابتعاد عن الأذية. إذاً يعرف المشاهد أنّه أمام معركة مصيرها الضلال ولا طائل منها.
يتعاطف المشاهد مع سيرة كوليت لانتفاضها للنور والحب. ولا يستطيع أن ينكر أنّها عرّت شياطين الجسد بطريقة بريبئة وطفولية. بهذه الصورة تغدو المسرحية أسلوب حياة مبنيّة على الإشارة والترميز وفتنة الشباب الحالم بحثاً عن أسرار العلاقات الاجتماعيّة السليمة.