يبدو أن المسبار الفضائي الياباني "سليم" SLIM نجح، ليل الجمعة – السبت، في محاولته الهبوط على سطح القمر بدقة غير مسبوقة، وفق ما أعلنت وكالة الفضاء اليابانية "جاكسا"، لكنه يواجه مشكلة في ألواحه الشمسية.
وكانت وحدة "سليم" (وهو اسم مكون من الأحرف الأولى لعبارة بالإنجليزية تعني "مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر")، تدور حول الجرم السماوي الصخري منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول)، وقد بدأت هبوطها قبل نحو 20 دقيقة من الموعد المتوقع بسرعة تناهز 1700 متر في الثانية.
وأكدت وكالة "جاكسا" أن المسبار الفضائي سليم هبط، السبت في الساعة 00:20 (الجمعة الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش)، وتم إجراء اتصال معه منذ ذلك الحين.
لا تنتج الطاقة
وقالت الوكالة، إن ألواح المسبار الشمسية لا تنتج الطاقة حالياً، لكن هيتوشي كونيناكا أحد مسؤوليها قال في مؤتمر صحافي، إنه من الممكن أن تعمل مجدداً عندما تتغير زاوية الشمس. وأضاف كونيناكا "تعمل المركبة سليم باستخدام البطاريات الموجودة على متنها، ويتم تخزين البيانات التي تم الحصول عليها أثناء عملية الهبوط ونعمل على تحقيق أقصى قدر من النتائج العلمية من خلال نقل هذه البيانات إلى الأرض أولاً". وأشار إلى أن المركبة "تنقل بنجاح بيانات القياس عن بعد إلى الأرض، وهذا يعني أن المعدات الموجودة على متنها في حالة جيدة بشكل عام".
"قناص القمر"
ولم يكن يتعين على هذه المركبة الفضائية الصغيرة غير المأهولة (طولها 2.4 متر وعرضها 1.7 متر وارتفاعها 2.7 متر) أن تهبط فحسب، بل يجب أيضاً أن تهبط ضمن دائرة نصف قطرها 100 متر من هدفها، وهو نصف قطر ينطوي على درجة عالية من الدقة، ومن هنا لقبها "قناص القمر".
وغالباً ما تهبط المركبات القمرية على بعد كيلومترات عدة من هدفها، مما قد يعقد مهامها الاستكشافية. وينطوي الهبوط على سطح القمر على صعوبة أكبر من الهبوط على الكويكبات (الذي سبق أن حققته وكالات دول عدة، من بينها "جاكسا")، نظراً إلى أن الجاذبية أقوى على القمر مما هي على الأجرام السماوية الصغيرة.
وأوضحت مديرة مركز "أستروكامبوس" Astrocampus في جامعة "يورك" إميلي برونسدن لوكالة الصحافة الفرنسية أن الهبوط على سطح القمر بدقة يشكل "تحدياً كبيراً" لـ"سليم".
لكن تحقيق هذا الإنجاز "بالغ الصعوبة من الناحية التكنولوجية"، منبهة إلى أن "أدنى خطأ يمكن أن يؤدي إلى فشل المهمة إذ عادة ما تتوافر فرصة واحدة فحسب".
وعلى مركبة "سليم" أن تهبط في حفرة صغيرة يقل قطرها عن 300 متر تسمى "شيولي"، حيث يمكنها إجراء تحليلات للصخور التي يعتقد أنها تأتي من الوشاح القمري، وهو البنية الداخلية للقمر، ولا تتوافر بعد معطيات كثيرة عن هذا الوشاح القمري.
وقال الأستاذ المحاضر في جامعة "طوكيو" توموكاتسو موروتا المتخصص في استكشاف الفضاء، إن هذه الصخور "مهمة للأبحاث المتعلقة بنشوء القمر والأرض".
وقد جهزت مركبة الهبوط بمسبار كروي صممته "جاكسا" بالتعاون مع شركة الألعاب اليابانية العملاقة "تاكارا تومي"، وهو أكبر قليلاً من كرة التنس، ويمكنه تغيير شكله للتحرك على سطح القمر.
الموارد المائية
وتهدف هذه المهمة اليابانية أيضاً إلى تحقيق تقدم في الأبحاث المتعلقة بالموارد المائية على القمر، وهي مسألة أساسية نظراً إلى أن الولايات المتحدة والصين تعتزمان على المدى البعيد إنشاء قواعد مأهولة على سطحه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد أثبت وجود الجليد المائي في قاع الحفر في المناطق القطبية من القمر، مما جعلها محط اهتمام كبير.
وشدد موروتا أيضاً على أن نجاح مهمة "سليم" يتيح لليابان "إبراز حضورها" في مجال الفضاء.
فبعد مرور أكثر من 50 عاماً على الخطوات الأولى للإنسان على سطح القمر، وهو الإنجاز الذي حققه الأميركيون عام 1969، تجدد تسابق الدول إليه، والأبرز في هذا الإطار هو التنافس المحموم بين الولايات المتحدة والصين.
لكن دولاً أخرى وشركات خاصة مهتمة أيضاً به، ومنها روسيا التي تحلم بإحياء أمجاد الاتحاد السوفياتي فضائياً، من خلال شراكتها خصوصاً مع الصين والهند التي نجحت خلال الصيف الماضي في إنزال أول مركبة تابعة لها على سطح القمر.
إلا أن المحاولتين اليابانيتين الأوليين في هذا المجال انتهتا إلى الفشل.
ففي عام 2022، سعت إلى إنزال مركبة "أوموتيناشي" ("الضيافة" باليابانية) على متن مهمة "أرتيميس 1" التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، لكن الاتصال مع المركبة فقد بسبب خلل في بطارياتها بعد قذفها إلى الفضاء.
وفي أبريل (نيسان)، تحطمت مركبة شركة "آيسبيس" اليابانية الناشئة على سطح القمر، بعد أن فشلت في مرحلة الهبوط السلس.
تحد كبير
ولا يزال الوصول إلى القمر تحدياً تكنولوجياً كبيراً حتى بالنسبة إلى القوى الفضائية الكبرى، إذ فقد الخميس أثر مركبة هبوط قمرية تابعة لشركة أميركية كانت قد أخفقت في مهمتها بعد تعرضها لتسرب وقود، ويحتمل أن تكون تفككت لدى دخولها الغلاف الجوي للأرض، وفق ما أعلنت شركة "أستروبوتيك" الناشئة التي صممتها.
وما لبثت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أن أعلنت بعد ساعات الثلاثاء، أنها أخرت نحو سنة المهمتين المقبلتين من برنامجها الكبير للعودة إلى القمر "أرتيميس".
فمهمة "أرتيميس 2" التي تحمل أربعة رواد فضاء يدورون بمركبتهم حول القمر من دون الهبوط على سطحه، أرجئت من نهاية 2024 إلى سبتمبر (أيلول) 2025.
أما "أرتيميس 3" التي يفترض أن تكون أول مهمة تهبط برواد فضاء على سطح القمر منذ انتهاء برنامج "أبولو" عام 1972، فأرجئت من نهاية 2025 إلى سبتمبر 2026.