ملخص
طعن علماء في وعد إيلون ماسك "المريخي"
انتقد مستشار في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" خطط الملياردير إيلون ماسك الرامية إلى هبوط البشر على كوكب المريخ، وكتب الخميس الماضي أن هذا المسعى الطموح جداً لن يتحقق "في وقت قريب".
ماسك، مؤسس الشركة المتخصصة باستكشاف الفضاء "سبايس إكس" SpaceX، كان قد صرح مراراً وتكراراً بأن هدفه الأساس إرسال البشر إلى المريخ. وفي مقابلة معه على قناة "فوكس نيوز" الأسبوع الحالي، توقع أن مشروع وجود حضارة بشرية على كواكب متعددة سيتحقق خلال العشرين إلى الثلاثين عاماً المقبلة. وكان أشار سابقاً إلى أن "الكوكب الأحمر" ربما يشهد هبوطاً غير مأهول في عام 2026، فيما سيصل البشر إلى هناك قبل 2030.
ولكن عالم الكون [عالم الكونيات] الدكتور بول سوتر قال في مقال نشرته مجلة "ساينتفك أميركان" Scientific American إن التواريخ المذكورة سابقاً التي حددها ماسك لا تتماشى مع وجود خطة شاملة ومدروسة، بل ببساطة [مجرد استغلال] "لنافذة (فرصة) فلكية تالية متاحة للإطلاق [نحو المريخ]، عندما يكون كوكبا الأرض والمريخ في تقارب على الجانب نفسه من النظام الشمسي، ما يتطلب أقل قدر من الطاقة لتنفيذ عمليات نقل إلى ذلك الكوكب".
"إنها أشبه بالإعلان عن رحلة تخييم في أقرب عطلة نهاية أسبوع متاحة، من دون شراء أي من لوازم التخييم. وسيارتك في ورشة التصليح. وقد تعرضت لحادث كبير"، أضاف سوتر.
صحيح أن مهمة الوصول إلى المريخ [والعيش على سطحه] ليست مستحيلة، وفق عالم الأبحاث المشارك في "جامعة جونز هوبكنز"، وأن "سبايس إكس" قد قطعت "خطوات هائلة" في تطوير معززات الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام في عمليات إطلاق لاحقة [ما يساعد في خفض التكاليف]، بيد أن "طريقاً طويلاً" يفصلنا اليوم عن الوصول إلى هناك في المستقبل، كما يقول.
وأشار سوتر إلى أن جزءاً من المشكلة يكمن في التصميم نفسه الذي تقوم عليه المركبة الفضائية "ستارشيب" Starship. فقد انتهت الرحلتان التجريبيتان لهذا الصاروخ بانفجارات نارية. ولا ننسى أيضاً التكلفة، التي قد تُقدر بمليارات، إن لم تكن تريليونات، الدولارات.
وأضاف سوتر أنه "في ستينيات القرن العشرين، انتقل برنامج "أبولو"Apollo من مرحلة وضع المخططات إلى مرحلة الهبوط على سطح القمر في أقل من عقد من الزمن. ولكن المريخ تحدٍ مختلف تماماً وأكبر بأشواط". "أقرب مسافة بيننا وبينه تبلغ 56 مليون كيلومتر، أي نحو 150 ضعف المسافة إلى القمر. لا يمكن لـ"ستارشيب" الانطلاق مباشرة من الأرض والوصول إلى المريخ في رحلة واحدة. لا بد من أن تتزود بالوقود في مدار الأرض، في حين أن هذه التكنولوجيا ما زالت في مراحلها الأولى من التطوير".
لم تحقق أي مركبة هبوط فضائية المهمة المنوطة بمركبة "ستارشيب": الوصول إلى سطح المريخ المليء بالفوهات من طريق هبوط مستقر ومحركات تدور عجلتها [مزودة بالوقود]. والجدير بالذكر أن أي بعثة مأهولة ستتطلب إطلاقاً آخر وهبوطاً مضبوطاً بالتوجيهات المناسبة، ما تترتب عليه عقبات محددة.
وقال سوتر: "بداية، لا نملك أي مركبة فضائية مخصصة للاستخدام البشري في الفضاء العميق. يجب أن تزود "ستارشيب" بأنظمة تركيب واختبار دقيقين لأنظمة دعم الحياة، وأن تتحلى بدرجة أعلى بكثير من معايير السلامة، تخولها نقل طاقم بشري إلى المريخ".
خلال السنتين اللتين تستغرقهما رحلة الذهاب والإياب المعتادة إلى المريخ، على "ستارشيب" حماية طاقمها من الإشعاع الكوني و"مخاطر الجاذبية الصغرى".
كل هذه التفاصيل كانت الولايات المتحدة تعمل على تحقيقها وإيجاد حلول لها قبل أن يتحول تركيزها إلى القمر في الماضي. صرّح تشارلز بولدن، مدير "ناسا" في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بأن أقداماً أميركية ستطأ أرض المريخ بحلول عام 2030. وخلال ولايته الأولى، غير الرئيس دونالد ترمب الاتجاه مجدداً لمصلحة بعثات "أرتميس" Artemis [هدفها إرسال أول إمرأة وأول رجل إلى القمر وإنشاء محطة قمرية].
قال سوتر: "نحن بعيدون كل البعد عن بلوغ هذه الأفكار نماذج أولية، ناهيك عن أن تصبح مكونات قوية وموثوقاً بها للبعثات" إلى المريخ.
يُذكر أن "اندبندنت" طلبت من "سبايس إكس" التعقيب على هذه المسألة ولكن الشركة لم تقدم أي رد.
هل السفر إلى المريخ مجرد حلم بعيد المنال أم أنه مشروع محتمل، يبقى موضوعاً محل جدال. ولكن يتفق البعض مع موقف سوتر.
من بين هؤلاء رائد الفضاء السابق في "ناسا"، خوسيه هيرنانديز، إذ قال في تصريح أدلى به إلى صحيفة "ذا هيل" أخيراً: "تفصلنا عن الوصول إلى المريخ 15 سنة تقريباً، وليس خمس سنوات كما يلمح إيلون ماسك".
وتابع هيرنانديز: "كما قلتُ دائماً... ليس السفر إلى الفضاء مشروعاً سهلاً، لذا أول ما علينا القيام به إغلاق "محطة الفضاء الدولية"، واستثمار تلك الأموال التشغيلية في تطوير قاعدة قمرية نعمل فيها على تطوير واختبار وإثبات التقنيات اللازمة للسفر إلى المريخ، لأن أمامنا في الوقت الحالي عقبات تقنية كثيرة".
أما العالم بيل ني ["رجل العلوم"] فأعرب في مقابلة مع صحيفة "يو أس أي توداي" في 2019 عن استنكاره ورفضه "فكرة تحويل المريخ إلى أرض صالحة للعيش فيه"، وقال "مع كل الاحترام، هل أنتم أسوياء؟. نحن عاجزون حتى عن الاعتناء بكوكبنا الذي نعيش فيه، ونحن متكيفون تماماً معه، فكيف لنا أن نعتني بكوكب آخر".
ولكن مع ذلك، يتبنى آخرون وجهة نظر أكثر توازناً في مسألة استكشاف المريخ، فيتعاملون مع التحديات بحذر ولكن مع الأمل في إمكانية تحقيق النجاح في المستقبل.
مثلاً، قبل عقد من الزمن، قال هوبي برايس، من "مختبر الدفع النفاث" التابع لوكالة "ناسا": "السفر إلى المريخ ممكن، وضمن فترة زمنية مثيرة للاهتمام. ربما يحدث خلال حياتنا، ولن يتطلب تحقيقه تريليون دولار".
بدوره أبلغ روبرت زوبرين، رئيس جمعية "المريخ"، صحيفة "غارديان" في سبتمبر (أيلول) الماضي أن السفر إلى المريخ "ممكن تماماً في عام 2028. تتحدث الآن عن رحلة ذهاب فقط إلى المريخ [ولكن] لا ينبغي إرسال الناس في رحلة ذهاب من دون عودة قبل أن تتوافر دفيئات زراعية ومستوطنات وكل ما يقتضيه العيش هناك، باختصار أن يكون مكاناً ملائماً للعيش".
وأضاف: "هذه واحدة من النقاط الخلافية بيني وبين ادعاء ماسك. لا أعتقد أنهم يعكفون فعلاً على تطوير الأنظمة اللازمة للعمليات البشرية على سطح المريخ. إنهم يعملون بجدية على نظام النقل، ولكنهم لا يعملون على نظام لإنتاج الميثان والأوكسجين مثلاً، على نطاق واسع على المريخ".
ليس مؤكداً ما إذ كان المريخ سيصبح مستعمرة بشرية أو لا. صرّح ماسك عام 2016 أن إنشاء حضارة مكتفية ذاتياً على الكوكب سيستغرق من 40 إلى 100 عام. ولما كان المريخ قاحلاً ومغبراً وبارداً، تذكر "سبايس إكس" إنها تستطيع تدفئته بطريقة ما.
وقال عالم الفيزياء الفلكية نيل ديغراس تايسون سابقاً في حديث إلى الموقع الإلكتروني "فوتوريزم": بالتأكيد، سنزور المريخ كوجهة سياحية لقضاء العطلات. و[لكن] أشك في أن تجدوا أعداداً كبيرة من الناس ترغب في الذهاب إلى ذلك الكوكب والمكوث فيه".
© The Independent