ملخص
يشير تقرير للمنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية إلى أن 50 في المئة من ضحايا الأخطاء الطبية يرفضون اللجوء إلى القضاء بسبب غياب قانون يحميهم.
معاناة صامتة يواجهها مرضى جزائريون سببها الرئيس الأخطاء الطبية تتحول بدورها إلى معارك متعددة الأطراف لا تنتهي، على رغم أنها ينتهي بها المطاف داخل أروقة المحاكم، ليبقى المريض الضحية الذي يدفع الثمن صحياً ومادياً ونفسياً.
مسلسل طبي متكرر أحدث مشاهده في مدينة "سوق أهراس" في شرق الجزائر، إذ أصدرت المحكمة بياناً للرأي العام قاله إنه بناءً على معلومات وردت إلى مصالح الأمن عن استقبال المستشفى العمومي المتخصص في أمراض العيون بمحافظة "عنابة" لمجموعة من المرضى في حالة خطرة، بعد إجرائهم عمليات جراحية على مستوى العين في عيادة خاصة بـ"سوق أهراس" أدت إلى مضاعفات خطرة أمرت نيابة الجمهورية بفتح تحقيق ابتدائي في الوقائع.
وأضاف البيان أنه وبعد سماع الضحايا والبالغ عددهم 14، أجرى وكيل الجمهورية معاينة ميدانية بمعية الشرطة التقنية ومدير الصحة، ليتأكد بدوره من عدم وجود أدنى شروط النظافة أو المواصفات التقنية لغرف العمليات الجراحية، إضافة إلى وجود غرفة عمليات تستغل من دون ترخيص من السلطات المتخصصة، ليتم تقديم جميع الأطراف أمام العدالة، مع فتح تحقيق قضائي ضد 6 من الطاقم الإداري والطبي بجنح التقصير المرتكب خلال ممارسة المهام والملحق ضرراً بالسلامة البدنية للأشخاص والمحدث عجزاً مستديماً، واستغلال وتوسيع هيكل مؤسسة صحية دون ترخيص.
وبحسب ما أشارت إليه التحقيقات بخصوص الحادثة، فإن الأمر يتعلق بإصابتهم بـ"ميكروبات" خطرة تسببت لهم في مضاعفات صحية خطرة، بلغت حد عدم القدرة على الإبصار، إضافة إلى "تعفن" العين ومحيطها الخارجي.
ظاهرة مهمة وشائكة
بدوره، يرى المتخصص في مجال الحقوق علي حاجي أن موضوع الخطأ في المسؤولية الطبية المدنية من الأمور المهمة والصعبة والشائكة في الجزائر نظراً إلى أهمية المهنة وارتباطها الوثيق بحياة الإنسان وسلامة أعضاء جسده، وما تجسده هذه المهنة من طابع فني في محض ينفرد به الطبيب أو الجراح أو الممرض بسائر الجسم البشري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول حاجي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إنه موضوع صعب لأنه يتعلق بأعلى قيمة في هذا الوجود، وهي قيمة الإنسان وسلامة جسده، وهو شائك لأنه بمثابة نداء يهدف إلى توجيه الفكر القانوني والنظر إلى أن المسؤولية الناجمة عن خطأ الطبيب أثناء التدخل إذا كانت وظيفتها جبر الضرر، فإن الدافع الأساس من تأكيدها هو التزام ضمان السلامة. ويتابع أن أي مجهود يبذل في سبيل فهم ظاهرة الأخطاء الطبية ومشكلاتها وأسبابها وانعكاساتها على المرضى يعد خطوة تقديمية لتذليل الصعوبات والوقاية من الأضرار التي المترتبة.
ويؤكد أن مهنة الطب تدرس علاقة الطبيب بالمريض والممرض وجميع الممارسين الطبيين الذين يعملون داخل المستشفيات والعيادات، مبرزاً أنه في السابق كانت الدعاوى المرفوعة ضد الأطباء بسبب أخطائهم نادرة جداً، لسبب أو آخر، أما في الوقت الحالي، وعندما تجردت العلاقة بين الأطباء والمرضى من الصفة الشخصية والإنسانية وأمام سعي الأطباء إلى جعلها ذات طبيعة تجارية، بخاصة مع ظهور العيادات الخاصة والأطباء الخواص، تزايدت وتنوعت.
تبادل التهم
ويتجدد النقاش حول الأخطاء الطبية والنصوص القانونية التي وضعها المشرع لمواجهة الظاهرة في أعقاب كل حادثة يتم تسجيلها في البلاد، إذ يرمي كل طرف بالتهم على الآخر، بين من يرى أن الطبيب يتحمل المسؤولية، ومن يشير إلى أن الحل يكمن في تشديد العقوبات، ومن يعتبر أن الطبيب بدوره يواجه إكراهات تتعلق بظروف ووسائل العمل، ومن يشدد على أن معالجة هذه الملفات يجب أن تتم على مستوى محاكم خاصة.
وتعتبر المنظمة الجزائرية لضحايا الأخطاء الطبية هذه القضايا بمثابة "جرائم ضد البشر"، مضيفة "اعتبار الجرائم أخطاء، إنما للتهرب من القانون، إذ المتعارف عليه أن غالبية الأخطاء يمكن تصحيحها".
وتساءلت المنظمة، "إذا كان إزهاق روح مريض يسلم نفسه بكل ثقة وطمأنينة لأطباء المستشفيات والمصحات الخاصة يعد خطأً، لماذا لا يقوم الطبيب بتصحيح خطئه؟".
غياب أرقام رسمية وقوانين غامضة
وفي ظل غياب أرقام رسمية حول عدد ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر يشير تقرير نشرته المنظمة نفسها إلى أكثر من 1500 حالة خلال السنوات الـ10 الأخيرة، موضحة أن 50 في المئة منهم يرفضون اللجوء إلى القضاء بسبب غياب قانون يحميهم. وقالت إن البت في قضايا الأخطاء الطبية يتطلب سنوات طويلة، واستغرق بعض القضايا 14 عاماً لتنتهي عادة ببراءة الأطباء أو رفض المستشفيات تسديد المبالغ المالية التي تقرها المحكمة تعويضا للضحايا.
إلى ذلك، قال رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط إن النصوص القانونية التي تتحدث عن الأخطاء الطبية في الجزائر فيها كثير من الغموض ولا تستجيب في معظمها للطبيعة المهنية للجراحين والأطباء ومختلف العاملين في القطاع، موضحاً أن القانون الحالي يعاقب الطبيب في حال ارتكابه أي خطأ، لكن يتغافل تماماً عن معاقبة الجهات التي تضعه تحت ضغوط مهنية رهيبة تدفعه لارتكاب مثل هذه الأخطاء.
وذكر أن كل النصوص الموجودة تم سنها دون استشارة أهل المهنة، بخاصة ممثلي العمادات الطبية، مضيفاً أنه حتى في حالة استحداث قوانين جديدة، فإن معالجة الملفات المتعلقة بالأخطاء الطبية يجب أن تتم على مستوى محاكم خاصة، ومن قبل قضاة يملكون تكويناً خاصاً في المجال، وليس كما يحدث الآن.
ويدمج المشرع الجزائري النصوص التي تعاقب على الأخطاء الطبية في قانون العقوبات، وهو أمر يثير حفيظة عديد من المهنيين في قطاع الصحة بالبلاد.
تأسيس لجان في المستشفيات
ويدعو رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة والبحث العلمي مصطفى خياطي، إلى تدارك الأخطاء الطبية بإنشاء لجان مشتركة ومتخصصة على مستوى المستشفيات تتكون من متخصصين في مختلف الاختصاصات، تعمل على التحقيق في ملابسات أي قضية، وتحديد المسؤوليات إن كان خطأ مرتكباً من الطبيب أو ناتجاً من تعقيدات صحية، أو بسبب ظروف أخرى كنقص التجهيزات أو تهاون في تطبيق البروتوكولات الخاصة بالعمليات الجراحية كالتعقيم، وتوفير الوسائل.
ويختم خياطي حديثه بمطالبة القضاة اللجوء إلى مستشارين في الصحة قصد ضمان الخبرة الطبية وتحديد الخطأ بدقة وتحديد المسؤوليات، متمسكاً بضرورة التعاون بين الجهات القضائية ووزارة الصحة وعمادة الأطباء في معالجة هذا الملف، لأنه أصبح موضوعاً دقيقاً جداً يعتمد على أدلة علمية دامغة والخبرة الطبية تستلزم متخصصين في الميدان.