ملخص
شرعت قوات "الدعم السريع" في إنشاء سلطات قانونية وإدارية وأجهزة قانونية وشرطية في مناطق سيطرتها بالعاصمة الخرطوم، مما يهدد بطول أمد الفوضى التي تحيط بالسودان
أعاد إعلان قوات "الدعم السريع" بإنشاء سلطات قانونية وإدارية في مناطق نفوذها بالخرطوم إلى الأذهان تهديدات قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) مما أثار المخاوف والقلق، لا سيما حال أقدم قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، على تشكيل "حكومة حرب" في مدينة بورتسودان شرق البلاد، فكيف تدار العاصمة السودانية المقسمة بين طرفي النزاع، وهل يكرس تنازع السلطة في إدارة العاصمة السودانية لانقسام أعمق؟
شرطة وقضاء
وبثت قوات "الدعم السريع" فيديو يدشن فيه القائد موسى حامد أم بيلو، افتتاح نيابات وأقسام للشرطة في أحياء الكلاكلة والنصر والأزهري والأندلس، جنوب الخرطوم للعمل على حلحلة المشكلات بتلك المناطق بحضور عدد من القانونيين وجنود وضباط الشرطة والإدارة الأهلية.
بطلان دستوري
تعقيباً على إعلان المجلس الاستشاري لقائد قوات "الدعم السريع" تسمية القائمين على أمر السلطة القضائية والنيابة العامة والشرطة والإدارات الأهلية في جنوب الخرطوم، اعتبرت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين كل هذه الإجراءات غير دستورية وباطلة قانوناً.
حل لجان التغيير
في خضم هذا الاضطراب وعقب سقوط مدينة ودمدني، أقدمت الحكومة السودانية على حل لجان الخدمات والتغيير في جميع ولايات السودان بقرار من وزير الحكم الاتحادي محمد كرتكيلا صالح، وهي لجان كانت تضم ناشطي المقاومة المتطوعين داخل القرى والأحياء لمساعدة الأهالي خلال الحرب، فيما أعلن عدد من لجان التغيير مناهضته قرارات حل لجان الخدمات.
وارتبطت لجان الخدمات والتغيير، التي تشكلت في 2019 خلال شراكة تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، في السلطة مع المكون العسكري، عقب توقيع الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية.
تجميد واعتراضات
وجه القرار الولايات بتجميد حسابات تلك اللجان المصرفية وحصر أصولها، وتكوين لجان بديلة بإشراف السلطات المحلية في القرى والأحياء والأسواق على أن تضم كل لجنة سبعة أشخاص لا انتماءات سياسية لهم.
وقوبلت قرارات حل لجان الخدمات والتغيير بقدر من الصدمة الشعبية لجهة أنها كانت تقوم بدور خدمي يسهم في تسيير حياة الناس ومتابعة احتياجات الأحياء والمناطق التي تمثلها، وتعاظم دورها خلال الحرب الراهنة، ولعبت دوراً تطوعياً في عمليات الإنقاذ والتوفير الاحتياجات وتفقد الأسر المحتاجين وغيرها من الأدوار المجتمعية المهمة. وفق قوى الحرية والتغيير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تحدت قوات "الدعم السريع" القرار الحكومي بحل لجان الخدمات والتغيير بمنشورات تتضمن توجيهات بمواصلة تلك اللجان عملها كالمعتاد في مناطق سيطرتها إشارة لعدم الاعتراف بشرعية حلها الحكومي.
واستهجن بيان القوى المدنية تغافل ولاة الولايات لواجباتهم تجاه المواطنين والتفرغ لمحاربة لجان المقاومة والخدمات والتغيير في الأحياء، بدلاً من تقدير دورها في خدمة الناس الذين تخلت عنهم الدولة بغيابها الإداري التام لا سيما في العاصمة.
التنازع الإداري
في السياق، حذَّر أستاذ العلوم الإدارية بشير النور من أن التعقيدات والتباين الذي يتسم به الوضع المضطرب بالسودان سيجعل الواقع أكثر صعوبة للطرفين المتنازعين مما يؤثر بدوره على المواطنين، إذ إن ترابط المنظومة الإدارية والمالية بين المركز بنظم إدارة الولايات والأقاليم الأخرى لا يحتمل تقاطع وتباين النظم في الدولة الواحدة، مما يهدد بانهيار إداري وفشل جميع الأطراف في خلق وضع طبيعي مهما كانت محاولات الضبط والتحكم وفرض الأمن.
صراع الموارد
يضيف أن التنازع الإداري سيشعل بدوره صراعاً أشد خطورة للسيطرة على الموارد المالية التي تعتبر عصب تمويل تسيير الخدمات، مما يعني ظهور جبايات مزدوجة خارج سياق اللوائح والنظم المالية طوعاً أو كرهاً، مما سيكون له تأثيرات سالبة عميقة على مستوى معيشة الناس والحركة التجارية والنشاط الاقتصادي عموماً. وأشار إلى أن محاولات "الدعم السريع" للتوسع في مساحات سيطرته الجغرافية تعني مزيداً من السلطات بوضع يده على موارد مالية إضافية سواء لتمويل الخدمات أو نشاطه العسكري في المناطق الجديدة.
الدولة الفاشلة
تابع النور، "كلما طال أمد الحرب فإن المحصلة ستكون مزيداً من التنازع في النفوذ والإدارة بين الطرفين، مما سيقود تدريجاً إلى تحطيم نموذج بناء الدولة الفاعلة والتحول نحو الإدارة العشوائية المضطربة فتظل الموارد متناقصة، مما يعني بدوره انهياراً في الخدمات واختفاءها تدريجاً والعودة إلى نمط إدارة وحياة المجتمعات العشائرية البدائية".
وأوضح النور، أن تراجع قدرة الحكومة المركزية على القيام بواجباتها والتحكم في الأوضاع الإدارية بالبلاد، وعجز قوات "الدعم السريع" عن إدارة مناطقها سيخلف أوضاعاً محفوفة بالمخاطر أبرزها انتشار الفوضى وانعدام الأمن وازدياد عمليات فرار ونزوح المدنيين.
وكان الصراع بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بالخرطوم تحول في منتصف أبريل (نيسان) الماضي إلى حرب تمددت من العاصمة إلى ولايات دارفور وكردفان والجزيرة وجزء من نهر النيل مهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية، فيما فشلت كل الجهود الدبلوماسية والوساطات الإقليمية والدولية في إنهاء الحرب.
ومنذ الأيام الأولى للحرب ذكرت قوات "الدعم السريع" أنها تسيطر على 90 في المئة من ولاية الخرطوم، قبل أن تتمكن خلال الأشهر الأخيرة من بسط سيطرتها كذلك على أربع من ولايات دارفور الخمس، باستثناء مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور إلى جانب ولاية الجزيرة وسط السودان.