منذ الشرارة الأولى لتفجر الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كانت القاهرة بين العواصم الإقليمية الأكثر ترقباً لتطورات المشهد فجغرافيا القطاع ذو الكثافة السكانية المرتفعة عند البوابة الشمالية الشرقية للبلاد واتفاق السلام وملاحقه الأمنية الحاكمة لشكل العلاقة مع إسرائيل، فضلاً عن تأزم الأوضاع الاقتصادية في الداخل ومخاوف احتمالات تمدد الصراع في المنطقة، من بين العوامل الأكثر تأثيراً في تحرك مصر ضمن تلك الأزمة المحتدمة.
وعلى مدى أسابيع الحرب، انتهجت القاهرة مسار الدبلوماسية للتعاطي معها، إذ تمسكت بتحذيراتها المتكررة من خطورة استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبت بوقف شامل لإطلاق النار، كما دخلت ولا تزال في وساطة بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة لوقف القتال وتبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، ونجحت تلك الجهود في التوصل إلى هدنة دامت أسبوعاً في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلا أنها لم تسفر إلى الآن عن توقف الحرب أو الوصول إلى المحطة النهائية من الصراع.
ومع طول أمد الحرب ودخولها الشهر الخامس لتكون أطول حرب مفتوحة تخوضها إسرائيل منذ عام 1948، وكذلك بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية، وجدت مصر نفسها أمام تحديات صعبة في التعاطي مع الأزمة، فرضها التباين الواسع في الرؤى وتضارب المصالح بين القاهرة وتل أبيب، لا سيما على صعيد ملفات اعتبرتها مصر "خطاً أحمر" يقود أي تجاوز إسرائيلي في شأنها إلى "تهديد خطر وجدّي للعلاقات بين البلدين"، كما في ملفي "التهجير الطوعي أو الإجباري" لسكان القطاع باتجاه سيناء ومساعي إسرائيل لاحتلال محور صلاح الدين المعروف بـ" فيلادلفيا" الواقع بين غزة ومصر.
وأمام "تباين الرؤى وتوتر المحادثات الأمنية والسياسية بصورة غير معهودة في علاقات البلدين منذ الاعتراف المصري كأول دولة عربية بإسرائيل عام 1979"، وفق توصيف أحد المصادر الدبلوماسية المصرية لـ"اندبندنت عربية"، يتساءل كثر عن حجم التدهور الذي أصاب العلاقات بين الجانبين وكيفية قراءة الاشتباك الإعلامي والرسمي بينهما، وأي مسارات مستقبلية تحكم تلك العلاقات التي نادراً ما كانت ودية، ودفعتها الحرب في غزة إلى "نقطة التداعي"؟، لا سيما مع غياب أفق واضح إلى الآن بنهاية الحرب وإصرار إسرائيل على أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق هدنة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، فإن مثل هذا التوقف سيكون "موقتاً ولن تنتهي الحرب" حتى تتحقق أهدافها المعلنة بالقضاء على حركة "حماس" وإطاحتها من حكم القطاع.
"توتر غير مسبوق" يخيم على الأجواء
وفق مصادر مصرية رسمية ومتخصصين إسرائيليين ممن تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن "التوتر بين القاهرة وتل أبيب مر بمحطات عدة منذ اندلاع الحرب بقطاع غزة في أكتوبر الماضي، حتى بلغ ذروته خلال الأسابيع الأخيرة مع إصرار إسرائيل على إعادة السيطرة العسكرية على محور فيلادلفيا الواقع بين شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة، ومن قبلها ادعاء تل أبيب على القاهرة بمسؤوليتها عن منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة خلال النظر في قضية الإبادة الجماعية التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية، منتصف الشهر الماضي".
وذكر لنا مصدر رسمي مصري أنه "مع بداية الحرب كان الهاجس الأكبر الذي يهدد علاقات البلدين يتمثل في مساعي إسرائيل وعبر تصريحات مستمرة رسمية وغير رسمية إلى تهجير فلسطينيي القطاع باتجاه سيناء سواء بصورة طوعية أو إجبارية، والذي رفضته مصر جملة وتفصيلاً، ودعمتها مواقف الدول الغربية والعربية برفض أي سيناريو للتهجير"، مضيفاً أن "الخلافات في الرؤى وتضارب المصالح بقيا قائمين طوال أسابيع الحرب، لا سيما مع إصرار إسرائيل على عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، حتى بلغ التوتر ذروته مع الحديث عن السيطرة على محور فيلادلفيا وعزم إسرائيل على المضي قدماً باتجاه إتمام العملية العسكرية البرية باتجاه رفح الفلسطينية التي تعد آخر مناطق القطاع التي لجأ إليها الفلسطينيون، مما ينذر بكارثة إنسانية تفاقم الأوضاع في القطاع، وقبل ذلك تحميل مصر مسؤولية منع دخول المساعدات إليه أمام محكمة العدل الدولية".
وأوضح المصدر ذاته أن "ليس هناك شك في أن الحرب في غزة وضعت العلاقات بين البلدين أمام تحديات صعبة وغير مسبوقة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1979"، مؤكداً في الوقت ذاته أن "التشابك الحاصل واتساع هوة تباين الرؤى بين البلدين لم يصلا بعد بالعلاقات إلى حد نقطة الانهيار"، وأشار إلى "محادثات أمنية حساسة ومتوترة في كثير من الأحيان تدور بين البلدين في الوقت الراهن حول الملفات الخلافية"، مشدداً على أن القاهرة "لا تزال ملتزمة ضبط النفس والتعامل بمسؤولية تجاه الاستفزازات الإسرائيلية، وتأمل في أن يتراجع صوت التطرف ويتغلب صوت العقل داخل حكومة تل أبيب".
وعلى مدى أسابيع الحرب لم تترك القاهرة مناسبة رسمية أو عبر القنوات الدبلوماسية، وفق ما أوضحته لنا مصادر متطابقة، إلا وأكدت رفضها القاطع لأي سيناريو لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، سواء بالنزوح داخلياً أو بالتهجير خارج أراضيهم، لا سيما إلى الأراضي المصرية في سيناء، لما يحمله هذا السيناريو من أخطار "على الأمن القومي المصري ويقود في النهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار"، وفق تصريحات سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وبخصوص محور فيلادلفيا المعروف أيضاً بـ"محور صلاح الدين"، جاءت أكثر المواقف المصرية تصلباً على لسان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان ضمن بيان له في الـ 22 من يناير (كانون الثاني) الماضي، ذكر فيه رداً على تصريحات إسرائيلية في شأن السيطرة عليه لمنع تهريب أسلحة إلى داخل قطاع غزة عبر أنفاق تمر من سيناء المصرية أسفل الشريط الحدودي، أن "مصر دولة تحترم التزاماتها الدولية وقادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون إلى جر المنطقة إلى حال من الصراع وعدم الاستقرار"، واصفاً التصريحات الإسرائيلية بـ"الادعاءات والأكاذيب"، واعتبرها "محاولة لخلق شرعية لسعيها إلى احتلال ممر فيلادلفيا، مخالفة بذلك الاتفاقات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها ومصر"، وأكد أن "أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطر وجدّي للعلاقات المصرية – الإسرائيلية".
وفي البيان ذاته، ذكر رشوان أن "التحرك الإسرائيلي نحو الممر يعد خطاً أحمر، وينضم هذا الخط الأحمر إلى سابقه الذي أعلنته مصر مراراً، وهو الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين قسراً أو طوعاً إلى سيناء، والذي لن تسمح مصر لإسرائيل بتخطيه".
ومحور فيلادلفيا منطقة عازلة بموجب اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل عام 1979 ويبلغ طوله 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، وتصاعد تركيز تل أبيب عليها منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحافي إلى أن منطقة "محور فيلادلفيا" ينبغي أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.
وكان نتانياهو أشار في تصريحات الشهر الماضي، إلى أنه بعد الحرب على "حماس" يجب أن يكون "ممر فيلادلفيا تحت سيطرة إسرائيل لضمان نزع سلاح غزة ومنع تهريب الأسلحة عبر الأنفاق إلى القطاع"، كما صرّح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بأن إسرائيل ناقشت خيارات عدة بخصوص "محور فيلادلفيا" على الحدود بين قطاع غزة ومصر، لكنها لم تتخذ القرار بعد.
وعلى صعيد ادعاء المحامي في فريق الدفاع الإسرائيلي كريستوفر ستيكر أمام محكمة العدل الدولية خلال النظر في قضية "الإبادة الجماعية" التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد تل أبيب أمامها منتصف الشهر الماضي، بأن "مصر المسؤولة عن منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة" والذي أثار غضباً واسعاً في مصر حينها، نفت القاهرة الأمر وأعلن رشوان أن القاهرة "سترسل رداً إلى محكمة العدل الدولية للتأكيد على أنها لم تغلق معبر رفح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، وبحسب توصيف مصدر إسرائيلي تحدث إلينا بصورة مقتضبة، لحجم التوتر الذي أصاب العلاقات بين البلدين، شدد على وجود "خلافات سياسية لم تنعكس بالقدر ذاته على المحادثات الأمنية المتعلقة بمصالح البلدين، ولا حتى على الدور الذي تقوم به القاهرة في الوساطة في النزاع إلى جانب قطر والولايات المتحدة"، مما توافق معه عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس مئير مصري، في حديثه إلينا، إذ قال إن "التوتر بين البلدين بخصوص محور فيلادلفيا مفتعل ولن يؤثر بصورة كبيرة في علاقاتهما".
إلا أنه في المقابل، وخلال الأيام الأخيرة تحدثت تقارير إسرائيلية وأميركية عدة عن حدة توتر العلاقات بين البلدين لدرجة وصلت إلى حد رفض مكتب الرئيس المصري طلباً من نتنياهو لمحادثة السيسي هاتفياً، بعد محاولة مكتب نتنياهو عبر مجلس الأمن القومي تنسيق المحادثة في الأيام الماضية، بحسب ما نقلت "القناة 13" الإسرائيلية عن مصادر لم تسمِّها، في ظل الخلاف العميق بين تل أبيب والقاهرة حول التحرك الإسرائيلي العسكري المحتمل عند محور فيلادلفيا ورفح، والتوترات إزاء مسألة من سيسيطر على الحدود بين مصر وغزة بعد انتهاء الحرب الحالية".
كيف تدير القاهرة خلافاتها مع تل أبيب؟
يجمع كثيرون أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تشهد أسوأ حالاتها في الوقت الراهن إثر الحرب الدائرة في قطاع غزة، إلا أن التوتر "لم يخرج عن السيطرة بعد"، إذ لم تصل العلاقات الدبلوماسية إلى حد القطيعة كما حدث في أزمات سابقة بسحب السفراء أو تقليل التمثيل الدبلوماسي، مما يرجعه المراقبون والمتخصصون ممن تحدثوا إلينا، إلى "إدراك الطرفين خطورة انهيار العلاقات أو الدخول في أي مواجهة كبيرة".
ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير رخا أحمد حسين أنه بالنسبة إلى مصر لا يزال هناك نوع "من الصبر ومعالجة الموقف بمنتهى الدبلوماسية إلى الآن على رغم استمرار التجاوزات والاستفزازات الإسرائيلية"، موضحاً أن "القاهرة لا تزال ترتكن في تعاطيها مع تل أبيب إلى الدبلوماسية، وأن المسؤولية التي تظهرها مصر ترجع إلى رغبتها في مواصلة الاضطلاع بدور حيوي وفاعل لخدمة فلسطينيي القطاع، عبر الضغط لإدخال المساعدات وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية ومواصلة جهود الوساطة لوقف الحرب".
ويتابع أنه "منذ الأيام الأولى للحرب، بدا أن لإسرائيل أهدافاً تسعى إلى تحقيقها مثل العمل على تهجير الفلسطينيين من غزة عبر جعل الحياة في القطاع شبه مستحيلة وتدمير كل البنى التحتية والمباني، أو استخدام مسألة دخول المساعدات كسلاح لتحقيق هذا الهدف، مما تواجهه القاهرة بدبلوماسية نشطة ويقظة إلى الآن".
وحول الجدل بالنسبة إلى محور فيلادلفيا، يقول حسين "تنظم هذه المنطقة المسماة محور صلاح الدين اتفاق السلام بين البلدين، وبعد انسحاب إسرائيل الأحادي الجانب من القطاع عام 2005 نظمه اتفاق المعابر، وإن أي محاولة للسيطرة عليه من قبل إسرائيل بالقوة يعد انتهاكاً للاتفاقات الموقعة بين البلدين، وربما يقود العلاقات إلى منعطف خطر".
ومع اعتباره أن "مصر تكثف من رسائلها عبر العواصم الدولية وحتى مع تل أبيب حول ضرورة إثناء إسرائيل عن المضي قدماً في تصدير أزمتها إلى الخارج والضغط على القاهرة للتغطية على فشلها الداخلي"، أوضح حسين، أن الأمر المهم الآن بالنسبة إلى مصر، هو "الوقف التام لإطلاق النار وإنهاء الحرب"، معرباً عن اعتقاده بأن التوصل إلى اتفاق هدنة جديدة طويل الأمد، من شأنه أن يخفف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، فتعود لهدوئها".
في الاتجاه ذاته، يقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والنائب البرلماني المصري السابق عماد جاد "ما من شك في أن العلاقات بين البلدين منذ أن بدأت عام 1979 تمر بمراحل متذبذبة بين السلام البارد والسلام الساخن، والحرب الباردة كما حدث في كثير من الأزمات الكبيرة السابقة التي شهدتها محطات الصراع العربي- الإسرائيلي ما بعد اتفاق السلام بين البلدين"، موضحاً أنه على رغم بلوغ التوتر بين الجانبين ذروته خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن "مسألة خروجه عن السيطرة أو تحوله إلى مواجهة مباشرة تبقى شبه مستحيلة ومستبعدة واحتمالاتها ضعيفة جداً، لا سيما مع إدراك الطرفين الثمن الكبير الذي قد يدفعانه للدخول في احتمالات كهذه".
وأوضح أنه وسط هذه الأجواء، يبقى التعاون الأمني بين الجانبين قائماً لحل المسائل العالقة، قائلاً إنه بالنسبة إلى الخلاف حول محور فيلادلفيا "لا أعتقد بأن إسرائيل ستقدم على أي خطوة استفزازية عملية لمصر بخصوصه لأنها تدرك أنه من دون اتفاق مع مصر لن يمكنها تغيير الأوضاع في تلك المنطقة"، وأشار في الوقت ذاته إلى أن "البلدين لا يمكنهما اللجوء إلى تصعيد عسكري في هذه المسألة وأن الأمر سيقتصر فقط على ممارسة كل طرف أقسى الضغوط الممكنة على الطرف الآخر".
ووفق جاد فإن الأولويات التي ترتكز عليها الرؤية المصرية في الوقت الراهن، تتمثل بصورة رئيسة في وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات ومنع نزوح سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، والتعاطي مع الخلافات كافة بدبلوماسية، إلا في حال التعدي المباشر على أمنها القومي، فـ"حينها قد تتغير المعادلة".
وفي أواخر يناير الماضي، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن القاهرة تدرس بصورة جدية سحب سفيرها من إسرائيل نتيجة الخلافات بين البلدين في شأن الحرب على غزة، وتهديدات تل أبيب باحتلال ممر صلاح الدين الحدودي بينهما، ونقلت عن مسؤولين مصريين قولهم إن القاهرة وجهت تحذيراتها إلى تل أبيب من أي هجمات على محور فيلادلفيا ومن حدوث أي موجات نزوح للفلسطينيين.
ورجح كثيرون ظهور التوتر الحاصل بين البلدين إلى العلن، مع انتقاد الرئيس السيسي الإجراءات الإسرائيلية التي تتسبب في عرقلة دخول المساعدات إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية، مؤكداً خلال احتفالية في مصر بـ"عيد الشرطة" (الـ24 من يناير) أن "معبر رفح مفتوح يومياً وعلى مدى 24 ساعة، إلا أن الإجراءات التي تتم من الجانب الإسرائيلي، حتى نستطيع إدخال المساعدات من دون أن يتعرض لها أحد، هي التي تؤدي إلى ذلك"، وأضاف أن "ذلك يعد أحد أشكال الضغط على القطاع وسكانه من أجل موضوع إطلاق سراح الرهائن"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن غزة كانت تستقبل قبل الحرب 600 شاحنة يومياً تدخل إليها عبر مصر، ولكن الآن تدخل نحو 200 شاحنة.
وبعدها بنحو ثلاثة أيام قال نتنياهو في معرض رده على طبيعة العلاقات مع القاهرة إن "العلاقات مع مصر تدار بصورة جيدة ولكل بلد مصالحه التي يقلق في شأنها".
إلى أين يقود "التوتر"؟
على قاعدة "قدم العلاقة التي تربط بين البلدين، منذ اتفاق السلام المبرم عام 1979، وأهميته الاستراتيجية في حسابات طرفيه والأطراف الداعمة له، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية"، يبقى التوتر القائم بين مصر وإسرائيل بسبب عدد من الملفات الخلافية "أسير التشابك الكلامي أو اللفظي مع إدراك الطرفين لأهمية التنسيق المتبادل وعدم الوصول بالعلاقات إلى نقطة اللاعودة"، وفق ما يقول كثير من المراقبين.
وفي حديثه إلينا، يوضح أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية ديفيد ليش أنه "لم تكُن العلاقات المصرية الإسرائيلية دافئة على الإطلاق منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، بل ساءت للغاية في بعض المحطات، لا سيما مع جولات الصراع المتكررة بين إسرائيل والأطراف العربية والفلسطينية، إلا أنها في النهاية بقيت حية بدافع المصالح الذاتية المتبادلة".
ويقول ليش، وهو مؤلف كتاب "الشرق الأوسط والولايات المتحدة: التاريخ والسياسة والأيديولوجيات"، "يعتمد كلا البلدين بصورة كبيرة على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري والاقتصادي، وكذلك هناك تعاون أمني مستمر بين البلدين في ما يتعلق بالقضايا الفلسطينية وكذلك القضية المشتركة ضد الجماعات المتطرفة، وهي عوامل لا يمكن التخلي عنها بسهولة".
إلا أن ليش، لفت في المقابل، إلى أن الحرب الراهنة في غزة، فرضت على القاهرة إدارة "عملية توازن دقيقة للغاية" لعلاقاتها مع إسرائيل والتعاطي مع الحرب، في وقت يمر اقتصادها الداخلي بأزمة غير مسبوقة، وقال إن "الاقتصاد المصري في حال سيئة حالياً، لذا لا تستطيع الحكومة المصرية تحمل كسر السلام مع إسرائيل خوفاً من فقدان الدعم الأميركي وكذلك المساعدات المالية من دول الخليج العربية التي قامت أو تتطلع إلى اتفاقات سلام مع إسرائيل"، موضحاً أنها "عملية توازن دقيقة بالنسبة إلى الحكومة المصرية، ومن الأسباب التي تدفعها إلى اتخاذ زمام المبادرة الدبلوماسية في محاولة لإيجاد حل للحرب في قطاع غزة. وكلما طال أمد الحرب، سيكون من الصعب على مصر تحقيق ذلك التوازن بين جميع الضغوط المتناقضة".
من جانبه، يرى الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وعضو برنامج ليندا وتوني روبين حول السياسة العربية بن فيشمان أن "التوترات بصورة عامة في أزمنة الحرب تبقى طبيعية، إلا أنه في الحالة الإسرائيلية- المصرية، فإن الطرفين يدركان طوال الوقت حاجتهما إلى بعضهما بعضاً"، ويتابع فيشمان الذي عمل في مجلس الأمن القومي الأميركي بين عامَي 2009 و2013، في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن"الرئيس السيسي يريد أولاً وقبل كل شيء إبعاد شبح التهجير لسكان غزة عن الأراضي المصرية، وهو ما دعمته الولايات المتحدة".
ووفق فيشمان، تكمن التوترات بصورة رئيسة في "أي اقتراح من وجهة نظر سياسية أو أمنية يقترحه الوزراء الإسرائيليون، حتى لو كانوا أقلية في شأن التهجير، مما يخلق توتراً مع مصر باعتباره خطاً أحمر لها"، مضيفاً أنه "على الجانب الأمني، هناك جدل مستمر حول من سيسيطر على ممر فيلادلفيا، بحيث يقترح الإسرائيليون أنهم يريدون البقاء فيه بعد الحرب. وهذا يعد خطاً أحمر بالنسبة إلى القاهرة، فضلاً عن ذلك تظل القضايا الإنسانية ووصول المساعدات أيضاً مشكلة كبيرة ومن القضايا الصعبة"، ولكن على رغم ذلك، يقول فيشمان "لا يزال استمرار التواصل مثمراً بين كبار مسؤولي استخبارات البلدين، لا سيما حول قضايا الرهائن ومفاوضات التهدئة الجارية، مما يعني في النهاية أن إسرائيل تحتاج إلى مصر للوصول إلى حماس. ليست قطر وحدها هي التي تعتمد عليها تل أبيب".
وبعيداً من العلاقات بين البلدين ودرجة التوتر، يتناول أستاذ الديمقراطية والحكم في جامعة هارفارد طارق مسعود في حديثه إلينا نقطة أخرى، ربما يعكسها التوتر القائم الآن بين مصر وإسرائيل، تتمثل بصورة أساسية في مسار اتفاقات السلام التي تسعى إليها تل أبيب مع الدول العربية برعاية الولايات المتحدة، ويقول "يبقى طبيعياً أن تصل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب إلى مرحلة التبريد، وتقليص نطاق التعاون والتنسيق بينهما، لا سيما بعد جر مصر بصورة مفاجئة إلى قضية الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية"، موضحاً أن ذلك الأمر "من المؤكد أن ينعكس على الدول الأخرى التي تفكر في السلام مع إسرائيل، بعدما لاحظت معاملة نتنياهو لمصر واستنتجت منها نوع الصداقة والتحالف الذي يجب عليها أن تتوقعه منه".