بدأت الأزمات تتكالب على السودانيين بصورة فاقت التصور بسبب استمرار الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" قرابة الـ10 أشهر، التي تمددت رقعتها إلى خارج العاصمة الخرطوم لتشمل ولايات دارفور وكردفان والجزيرة.
وبينما يحاصر الجوع نحو 25 مليون سوداني أي نصف السكان، بحسب الأمم المتحدة، فضلاً عن احتدام المعارك بوتيرة متصاعدة في ظل انسداد أفق الحلول السلمية، دخلت البلاد، أمس الأربعاء، في عزلة شاملة نتيجة لتوقف خدمات الاتصالات والإنترنت بالكامل في جميع مناطق السودان، وهو ما زاد من معاناة المواطنين الذين يعتمد غالبيتهم على التطبيقات البنكية في تصريف شؤون حياتهم اليومية، في أعقاب شح السيولة وخروج معظم البنوك وماكينات الصرف الآلي عن الخدمة.
ووفقاً لمرصد "نت بلوكس" المتخصص في متابعة خدمات الإنترنت، فإن البيانات أظهرت انقطاع خدمة مشغلي الإنترنت الثلاثة في السودان مما أدى إلى خروج هذه الخدمة كلياً، فيما تبادل طرفا الصراع الاتهامات بينهما في شأن تعطيلها.
أوضاع مفزعة
اعتبر عضو مجلس السيادة السابق، والناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، محمد الفكي سليمان في حديثه لـ"اندبندنت عربية" قطع شبكات الاتصال من أي طرف سواء الجيش أو "الدعم السريع" جريمة كبيرة في حق المواطن، حيث تزيد من معاناته لأنها تعد إحدى ضرورات الحياة خصوصاً في جوانب التواصل والعمليات البنكية.
وفي شأن جهود إنهاء الحرب، قال سليمان "من الواضح أنه لا توجد الإرادة الكافية للحل السياسي، والدليل على ذلك إفشال مفاوضات المنامة عبر التسريب المتعمد في منصات داعمة لاستمرار الحرب، ويجب في الخطوة المقبلة الذهاب للتفاوض بخطاب معلن، لأنه الخط الذي يدعمه السودانيون جميعاً، وينبغي محاصرة كل من يرفض عملية التفاوض السلمي والكشف عنه للجميع، لأنه تسبب ولا يزال في مأساة ملايين السودانيين".
وأضاف "اتصالاتنا مستمرة مع طرفي الحرب ولن تتوقف على رغم خطاب التحريض المستمر ضدنا، لكنها مسؤولية كبيرة تصدينا لها في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) وسنواصل هذا الجهد لإيقاف النزيف السوداني"، لافتاً إلى أن لقاء القوى المدنية الديمقراطية مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مهم ومطلوب لإجراء نقاش بشفافية ووضوح وقد تسلمنا قبولاً أولياً وفي انتظار تحديد الزمان والمكان، ومستعدون للذهاب من أجل السلام في أي مكان".
ورأى عضو مجلس السيادة السوداني السابق أن تقارير الأمم المتحدة فيما يخص الأوضاع الإنسانية في البلاد مفزعة، وأن ما يحدث أكبر مأساة إنسانية خلال العقود الأخيرة، لكن من المؤسف أن تجاوب المجتمع الدولي لا يتناسب مع مستوى الحدث ولا يمكن ترك الأوضاع الإنسانية ضمن أجندة التفاوض وترك المدنيين أسرى ورهائن عبر سلاح التجويع لخدمة أجندة سياسية، لأن ذلك يخالف قوانين الحرب، ومن جانبنا ما زلنا نرفع صوتنا وبصورة يومية عبر المنصات المختلفة بأن يدرك العالم الوضع الإنساني في السودان.
المواجهات العسكرية
ميدانياً، تواصلت المواجهات بين طرفي القتال في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، وذلك باستخدام المدفعية الثقيلة والمسيرات، فضلاً عن الأسلحة الخفيفة في الاشتباكات البرية.
وأشارت مصادر محلية إلى أنه لأول مرة منذ بدء الاقتتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل (نيسان) 2023، نشر الجيش السوداني قواته في سوق مدينة أم درمان الرئيسة التي كانت تسيطر عليها قوات "الدعم السريع"، فضلاً عن تقدم الجيش في محوري بحري وجنوب الخرطوم، لكن تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأفراد من قوات "الدعم السريع" يتجولون في أجزاء من أحياء المدينة القديمة في إشارة إلى أنهم ما زالوا موجودين هناك.
وبثت صفحة الجيش على "فيسبوك" مقطع فيديو لاحتفالات لعدد من تجمعاتها في منطقة أم درمان عقب عمليات ناجحة لمتحركات منطقة أم درمان القديمة، حيث أظهر الروح المعنوية العالية وسط الجنود.
فيما قصف الطيران الحربي، أمس، منطقة الزرق بشمال دارفور التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع"، ونشر مواطنون صوراً لحريق منازل ومنشآت عامة وبخاصة في المنطقة، في حين استنكرت الأخيرة عمليات القصف الجوي الذي يستهدف بالدرجة الأولى المدنيين الأبرياء بالبراميل المتفجرة، مما يشكل انتهاكاً خطراً لأحكام القانون الدولي والإنساني، فضلاً عن كونه ينافي القيم والأخلاق.
وكان مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا، قال في بيان على حساب القوات المسلحة في منصة "إكس"، إن كل "قوات الجيش في منطقة أم درمان ووادي سيدنا تعمل في أعلى مستويات بالتنسيق مع القيادة من أجل تحقيق النصر، منوهاً بأنه ليس هناك أي حديث بخلاف الانتصار.
وتسببت المواجهات المستمرة بنزوح نحو مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفاً عبروا إلى دول مجاورة، وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
إيصال المساعدات
دولياً، أطلقت الأمم المتحدة، الأربعاء، نداء لجمع 4.1 مليار دولار لتلبية الحاجات الإنسانية الملحة في السودان، وكشفت عن اجتماع بين الجيش و"الدعم السريع" يتم الترتيب له لبحث إيصال المساعدات الإنسانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودمرت الحرب المستمرة منذ 10 أشهر بين الطرفين البنية التحتية للبلاد، وترتبت عليها تحذيرات من حدوث مجاعة ونزوح الملايين داخل السودان وخارجها.
وذكرت الأمم المتحدة أن نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين فرَّ أكثر من 1.5 مليون إلى دول أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
ودعا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في نداء مشترك مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى تمويل بقيمة 2.7 مليار دولار لتقديم مساعدات إنسانية إلى 14.7 مليون شخص.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث لدبلوماسيين في مقر المنظمة الدولية بجنيف "لا يزال المجتمع الدولي ينسى السودان"، مبيناً أن هناك نوعاً معيناً من القسوة في ما يتعلق بعالم العمل الإنساني وهو التنافس في المعاناة والتنافس بين المناطق.
وطلبت المفوضية 1.4 مليار دولار لدعم ما يقرب من 2.7 مليون شخص في خمس دول مجاورة للسودان في إطار هذا النداء.
ولم تتم تلبية حتى نصف التمويل الذي دعا إليه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية العام الماضي من أجل تقديم المساعدات للمدنيين في السودان.
وقال غريفيث للصحافيين، إن الطرفين المتحاربين تمت دعوتهما إلى جنيف لمناقشة كيفية حصول المدنيين على المساعدات. وأضاف أن هناك موافقة من الطرفين من حيث المبدأ ويتبقى العمل على تفاصيل عقد أي اجتماع".
ونوه إلى أنه خلال الأسبوعين الماضيين، أجرى اتصالات مع كل من قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو للوفاء بالتزامهما" في شأن إيصال المساعدات.
وأشار إلى أنه تمت دعوتهما لاجتماع ترعاه الأمم المتحدة بين ممثلين عن الطرفين المتحاربين في السودان لبحث إيصال المساعدات الإنسانية للسكان الذين يحتاج نصفهم تقريباً للمساعدة، موضحاً أن ما يشغله ليس مكان الاجتماع ولكن أن يناقش الطرفان إمكانية وصول المساعدات الإنسانية.
نداء استغاثة
إنسانياً، أطلق نحو 70 كياناً نسوياً في السودان حملة بعنوان "لا للحرب لا لتجويع الشعب السوداني" بدأ أول فصولها بإرسال نداء استغاثة لخمس منظمات أجنبية ذات صلة بالمساعدات الإنسانية، وطالبت الحملة بأن تتولى التنظيمات النسوية دفة توزيع الإغاثة بعد أن دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بأن الناس في السودان يموتون جوعاً.
وأرسلت المنظمات النسوية التي تنضوي تحت ائتلاف "متحالفات ضد العنف والانتهاكات الإنسانية" نداءات عاجلة لكل وكالات الأمم المتحدة "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، تطالب فيها المنظمات المعنية القيام بواجباتها تجاه السودانيين الذين يرزحون تحت ويلات الحرب والجوع.
ودعت إلى أن يؤول توزيع الإغاثة لمنظمات المجتمع المدني والتنظيمات النسوية التي انخرطت فعلياً في وضع برنامج وفق استراتيجيات علمية لتوزيع الإغاثة بصورة عادلة بين أقاليم السودان تسد حاجة النازحين واللاجئين.
وقال برنامج الأغذية العالمي إنه يتلقى تقارير عن أشخاص يموتون جوعاً في السودان، وإن معدل الجوع قد تضاعف خلال العام الماضي بسبب الحرب وحرمان المدنيين من وصول المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان يعانون الجوع.
وأعلنت حملة "نساء ضد الظلم" والتنظيمات المتحالفة معها وعددها 65 تنظيماً نسوياً، عن حملتها ضد تجويع السودانيين وجددت الحملة إدانتها للحرب ولكل من يدعم استمرارها وكل من يشارك فيها.
واتهمت الحملة طرفي الحرب بممارسة الفساد في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية للمتضررين ومنع وصولها إلى المواطنين العزل وتعمد إبادتهم بالسلاح والجوع والمرض، مناشدة جميع القوى السياسية وقوى الثورة ومحبي السلام بالداخل والخارج بالانضمام لهذه الحملة والضغط على طرفي الحرب والميليشيات المتحالفة معهما وأن يكون ضمن مسؤولياتهم منع شبح الموت من النيل من المواطنين وإنقاذهم من الجوع وضرورة إيصال ما يسد رمقهم عبر حث المانحين على إرسال مؤن غذائية وضمان إيصالها للمتضررين.