ملخص
يتعلق "الثلاثاء الكبير" بعدد المندوبين الذين يمكن لكل مرشح الحصول عليه
على رغم أن نتائج الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهوري والديمقراطي في يوم "الثلاثاء الكبير"، الخامس من مارس (آذار)، لن تسفر عن مفاجآت، فإن تحليل كيفية تصويت الناخبين في 16 ولاية سيقدم دلالات ذات معنى لما سيأتي بعد هذا اليوم، فما الذي سيراقبه المحللون؟ وما الذي تعنيه النتائج لكل من المتسابقين الرئيسين في الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته نيكي هايلي؟ وما الذي ستكشفه النتيجة الرئيس جو بايدن في الحزب الديمقراطي؟
يوم لا مثيل له
يتعلق "الثلاثاء الكبير" بعدد المندوبين الذين يمكن لكل مرشح الحصول عليه، إذ يمنح هذا اليوم وحده أكثر من ثلث إجمالي المندوبين المتاحين في كل من الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزبين الجمهوري والديمقراطي عبر 16 ولاية، مما يضفي أهمية كبيرة تجعل "الثلاثاء الكبير" لا مثيل له، مقارنة بباقي أيام الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية، وعلى سبيل المثال، سيحسم الحزب الجمهوري لمن سيصوت في المؤتمر الوطني 854 مندوباً من أصل 2429، في حين يحدد الحزب الديمقراطي 1420 مندوباً من إجمالي 3788 سيختارون من سيمثل الحزب في الانتخابات الرئاسية.
وفي حين لن يحسم أحد من المرشحين المعركة الانتخابية في يوم "الثلاثاء الكبير"، إلا أنه من المتوقع أن يقترب كثيراً الأوفر حظاً لدى الحزبين من العدد الذي يجعله المرشح المفترض، إذ يحتاج الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي فاز في جميع المعارك التي ظهر فيها اسمه على بطاقة الاقتراع للوصول إلى ما يسمى الرقم السحري، وهو 1215 مندوباً، ليضمن بذلك غالبية أصوات المندوبين الذين يفترض أن يصوتوا له في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في منتصف شهر يوليو (تموز)، بمدينة ميلواكي في ولاية ويسكونسن.
وبالنسبة للرئيس بايدن الذي فاز أيضاً بغالبية ساحقة في جميع المنافسات الديمقراطية، ينتظر أن يقترب أيضاً من الرقم السحري الذي يبلغ حالياً 1968 مندوباً، بما يضمن له أن يصبح المرشح المفترض في غياب أي منافسة قوية من باقي المرشحين الديمقراطيين.
متى يتجاوز ترمب الخط الفاصل؟
وبحسب تقديرات الحملة الانتخابية لترمب، فإن أقرب وقت يمكن أن يصل فيه ترمب إلى 1215 مندوباً، والذي يعد الخط الفاصل في الانتخابات التمهيدية هو الـ12 من مارس، بينما أبعد وقت سيكون، في الـ19 من مارس، على افتراض أن أفضل نتيجة يمكن أن تحصل عليها منافسة ترمب الرئيسة نيكي هايلي هو أن تقترب من نسبة 40 في المئة من المندوبين في الولايات التي يجري بها التنافس وهي ألاباما وألاسكا وأركنساس وكاليفورنيا وكولورادو ومين وماساتشوستس مينيسوتا ونورث كارولاينا وأوكلاهوما وتينيسي وتكساس ويوتا وفيرمونت وفرجينيا.
وتكشف الوتيرة المحمومة التي تعمل بها حملة هايلي، خلال الساعات الأخيرة، عن مدى ضآلة الوقت المتبقي لها لإحداث تأثير، إذ تواجه تحديات هائلة في الولايات التي ستشهد المنافسات على الترشيح، بينما يتمتع ترمب، بتقدم واسع في جميع الولايات، بما في ذلك أكبر ولايتين أميركيتين من حيث عدد السكان وأصوات المندوبين، إذ تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة في تكساس، حصوله على دعم بنسبة 80 في المئة، ويحقق تقدماً مماثلاً، وإن كان أصغر قليلاً في ولاية كاليفورنيا.
ولا تختلف هذه الأرقام كثيراً عن النتائج التي حققها، السبت الماضي، واقتربت من 85 في المئة من الأصوات في المؤتمرات الحزبية في ولايتي أيداهو وميسوري، مقارنة بالانتخابات التمهيدية التي عقدت بولاية ميشيغان حيث حصل على 68 في المئة من الأصوات، ومع تحول السباق إلى يوم "الثلاثاء الكبير"، تبدو الخريطة الواسعة مصممة خصيصاً لترمب لتحقيق تقدم لا يمكن التغلب عليه، ولهذا يكثف فريقه الضغوط على هايلي للانسحاب، وربما يكون الفوز الكبير له الثلاثاء نقطة مفصلية لصالحه.
هل يستمر خريجو الجامعات في الانقلاب على ترمب؟
غير أنه وسط انتصارات ترمب القوية في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، ظهرت علامة تحذير ملحوظة لما يمكن أن يكون جرس إنذار لشهر نوفمبر (تشرين الثاني)، حين ينافس الرئيس الحالي جو بايدن، إذ كان أداء ترمب سيئاً مع الناخبين من خريجي الجامعات في ولايتي نيو هامبشاير وساوث كارولاينا، ووجدت وكالة "أسوشيتدبرس" أن خريجي الجامعات فضلوا هايلي على ترمب، وصوت ما يقارب ثلثي الناخبين في كلتا الولايتين من الحاصلين على دراسات عليا بعد الكلية لصالح حاكمة ولاية كارولاينا الجنوبية السابقة.
وعلى رغم أن ترمب فاز بتصويت سكان الضواحي في ساوث كارولاينا، فإنه كان فوزاً محدوداً ليس بحجم هيمنته نفسها في البلدات الصغيرة والمناطق الريفية، مما أدى إلى تقاسم الأصوات بصورة أساس مع هايلي.
ولهذا السبب، فإن أحد أكبر الأسئلة التي ستطرح، الثلاثاء، هو ما إذا كان ترمب يستطيع البدء في إصلاح هذا التمزق، وعلاج ضعف قابليته للانتخاب من قبل خريجي الجامعات وبين سكان الضواحي، والتي كانت أحد أسباب خسارته، عام 2020، أمام بايدن.
هل تغير هايلي خططها بعد فوزها بالعاصمة؟
بعد سلسلة من الهزائم المتتالية، تذوقت نيكي هايلي، وللمرة الأولى، طعم الفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في واشنطن العاصمة، حيث حصلت على ما يقارب 63 في المئة من الأصوات وفقاً لمسؤولي الحزب، ومع ذلك، فإن هذا الانتصار المحدود لا يعني تغييراً في الموازين لأن الجمهوريين يشكلون خمسة في المئة فقط من الناخبين المسجلين في العاصمة الأميركية المعروفة باسم مقاطعة كولومبيا، وهذا لا يمثل القاعدة المحافظة الموجودة في معظم الأنحاء الأخرى من الولايات المتحدة، كما لم تكن حظوظ ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في العاصمة واشنطن عالية على الإطلاق في السابق، حيث تعرض للهزيمة عام 2016، وجاء في المركز الثالث خلف السيناتور ماركو روبيو وحاكم أوهايو السابق جون كاسيتش.
وعلى رغم هذا الفوز الأول، لم تشر هايلي إلى أنها تخطط لمواصلة حملتها بعد انتخابات يوم "الثلاثاء الكبير"، فقد تركت القرار لوقت لاحق نظراً لأنه سيعتمد إلى حد بعيد على عدد الأصوات التي يمكن أن تحصل عليها في هذا اليوم، فضلاً عما إذا كان المانحون الرئيسون لها على استعداد لإنفاق مزيد من الأموال في حملتها الانتخابية بما يمكنها من الاستمرار لأسابيع أخرى مقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت هايلي قد حصلت على مبلغ كبير من أموال الحملة الانتخابية بلغ، في فبراير (شباط) وحده، نحو 12 مليون دولار، وعبرت، في السابق، عن رغبتها في البقاء بالسباق حتى انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في منتصف يوليو في حال كانت لدى المندوبين أفكار أخرى في شأن ترشيح ترمب رسمياً وسط مشكلاته القانونية، لكنها شهدت تراجعاً في دعمها المالي حين أعلنت منظمة "أميركيون من أجل الرخاء"، والتي كانت الداعمة الرئيسة لها، أنها ستتوقف عن الإنفاق بعد الخسارة التي منيت بها هايلي في ولايتها الأصلية ساوث كارولاينا.
ومع ذلك، ما زال لدى هايلي بعض الأمل الذي يرتكز بالأساس على أن معظم الولايات التي ستصوت في يوم "الثلاثاء الكبير"، تسمح للناخبين غير المنتمين إلى أي حزب بالمشاركة في الانتخابات التمهيدية، لذلك هناك في الأقل فرص نظرية لها لإعادة تشكيل الائتلاف الذي حصل من قبل على أكثر من 40 في نيو هامبشاير وساوث كارولاينا، الأمر الذي يبقى على الزخم حولها، ولو موقتاً.
هل ينهي بايدن الشكوك؟
وعلى رغم أن الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري كانت هادئة نسبياً مقارنة بالمنافسات التقليدية السابقة التي لا يكون الرئيس في البيت الأبيض أحد المنافسين فيها، فإن الانتخابات الديمقراطية كانت أكثر هدوءاً، إذ لم تنعكس المشكلات السياسية الكثيرة التي تواجه بايدن وتجره إلى الأسفل في استطلاعات الرأي العام، على الانتخابات التمهيدية حتى الآن، لكن المأزق الوحيد التي واجه بايدن منذ بدء حملته الانتخابية ظهر في ميشيغان، إذ أحرجته جهود منظمة من قبل الأميركيين العرب للتصويت على خيار "غير الملتزمين" في الانتخابات التمهيدية هناك بهدف تقديم رسالة قوية من الاحتجاج على دعم بايدن إسرائيل خلال الحرب في غزة، مما أدى إلى تسجيل نحو 100 ألف صوت تمثل نسبة قدرها 13 في المئة من الأصوات الاحتجاجية، وهي نسبة تزيد بمعدل نحو خمسة أضعاف عن تلك التي حصل عليها هذا الخيار في الانتخابات التمهيدية الأخيرة في ظل رئيس ديمقراطي وتعادل نحو 20 ألف صوت فقط.
ويبدو أن تجربة منظمة مماثلة أخرى تنتظر بايدن يوم "الثلاثاء الكبير" في ولاية كولورادو من خلال جهد تم تنظيمه في اللحظة الأخيرة من قبل عدد من الجماعات اليسارية في الولاية للتصويت على خيار "غير الملتزمين" كما هي الحال في ميشيغان، وإذا أدى ذلك إلى نتيجة مماثلة في صناديق الاقتراع، فلا شك أنه سيزيد من الشكوك تجاه بايدن ويضيف عاملاً آخر من العوامل المحرجة والمثيرة للقلق باتجاه حظوظه في الفوز بانتخابات الخامس من نوفمبر المقبل.
وتتمثل العقبات الأخرى التي تواجه بايدن في الخصمين الأساسين للرئيس، اللذين لم يتغلبا عليه بعد وحصلا على نسب منخفضة ضده، وهما عضو مجلس النواب الأميركي دين فيليبس، ومؤلفة المساعدة الذاتية ماريان ويليامسون، التي أحيت حملتها من جديد بعد حصولها على نسبة ثلاثة في المئة من أصوات ولاية ميشيغان في الانتخابات التمهيدية، الأمر الذي مثل لها مفاجأة سارة، وربما يراهن فيليبس ووليامسون على إمكانية الاستفادة من رفض بايدن المتزايد بسبب سنه الكبير وبسبب موقفه الداعم لإسرائيل خلال انتخابات "الثلاثاء الكبير".
لكن بايدن فاز بأكثر من 95 في المئة من الأصوات في ولاية ساوث كارولاينا وأكثر من 80 في المئة في ولاية ميشيغان، وهذا أمر طبيعي بالنسبة للحزب الذي مرشحه ساكن البيت الأبيض، وتعتقد حملة بايدن أن الرئيس الذي انتزع بجدارة 206 مندوبين في الولايات السابقة، يمكن أن ينجح في جمع 1968 مندوباً المطلوبين لضمان ترشيح الحزب في وقت لا يتجاوز يوم 19 من مارس الجاري.
وإلى أن يحل هذا الموعد، تظل غالبية الأميركيين في حال ترقب لما يمكن أن تنتهي إليه الانتخابات التمهيدية من نتائج، وما إذا كانت هناك ملامح تغيير أو تداعيات.